إنّ الامام علي بن أبي طالب أشهر من أن يعرّف ولقد قام لفيف من السنّة والشيعة بتأليف كتب وموسوعات عن حياته، ومناقبه، وفضائله، وجهاده، وعلومه وخطبه وقصار كلماته. وسياسته وحروبه مع النكاثين والقاسطين، فالأولى لنا الاكتفاء بهذا المقدار واحالة القارئ إلى تلك الموسوعات بيد أنّنا نكتفي هنا بذكر أوصافه الواردة في السنّة فنقول:
هو أميرالمؤمنين، وسيد المسلمين، وقائد الغرّ المحجّلين، وخاتم الوصيّين، وأوّل القوم إيماناً، وأوفاهم بعهداللّه، وأعظمهم مزيّة، وأقومهم بأمر اللّه، وأعلمهم بالقضية، وراية الهدى، ومنار الايمان، وباب الحكمة، والممسوس في ذات اللّه، خليفة النبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ ، الهاشمي، وليد الكعبة المشرّفة ومُطهِّرها من كل صنم ووثن، الشهيد في البيت الإلهي (جامع الكوفة) في محرابه حال الصلاة سنة 40 .
كل من هذه الجمل الخمس عشر، كلمة قدسيّة نبويّة أخرجها الحفّاظ من أهل السنّة 1.
وكفى في حقّه ما قاله رسول اللّه:
«عنوان صحيفة المؤمن حبّ علي بن أبي طالب» 2.
وقال ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ : «من سرّه أن يحيى حياتي، ويموت مماتي، ويسكن جنّة عدن غرسها ربّي، فليوال علياً بعدي، وليوال وليّه، وليقتد بالأئمّة من بعدي، فانّهم عترتي خلقوا من طينتي، رزقوا فهماً وعلماً. وويل للمكذّبين بفضلهم، القاطعين فيهم صلتي، لا أنالهم اللّه شفاعتي» 3.
وقال الامام أحمد: ما لأحمد من الصحابة من الفضائل بالأسانيد الصحاح مثل ما لعلي ـ رضي الله عنه ـ 4.
وقال الامام الرازي: من اتّخذ عليّاً إماماً لدينه، فقد استمسك بالعروة الوثقى في دينه ونفسه 5.
ومن اقتدى في دينه بعلي بن أبي طالب فقد اهتدى، لقول النبي: «اللّهمّ أدر الحق مع علي حيث دار» 5.
وقال شبلي شميّل: «الامام علىّ بن أبي طالب، عظيم العظماء، مسخة مفردة، لم ير لها الشرق والغرب صورة طبق الأصل، لا قديماً ولا حديثاً» 6.
وقال جورج جرداق: «وماذا عليك يا دنيا لو حشدت قواك فأعطيت في كل زمن عليّاً بعقله، وقلبه، ولسانه وذي فقاره» 6.
فصول حياته الخمسة
إنّ الامام ـ عليه السلام ـ ولد في الكعبة بعد مضي ثلاثين عاماً من واقعة الفيل وفي الحقيقة ولد بعشر سنين قبل البعثة وتوفّي في العام الأربعين من الهجرة فيكون عمره الشريف ثلاثة وستين عاما.
فلو أردنا أن نقسم حياته إلى فصول نجد أنّ هناك فصولا خمسة تشكّل مجموع حياته ـ عليه السلام ـ .
- حياته قبل البعثة وهي لا تتجاوز عن عشر سنين، وقد تكفّله النبيّ ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ وهو حين ذاك لا يتجاوز عمره عن أربعة أو خمسة سنين وجاء به إلى داره وعاش في بيته، وقد لازمه طيلة تلك الأعوام حتّى الأيام التي كان النبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ يعتكف فيها في غار حراء كما هو المحقق في التاريخ.
- حياته بعد البعثة وقبل هجرة النبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ إلى المدينة المنوّرة، ولقد هاجر إلى المدينة بعد هجرة النبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ وهي لا تزيد على ثلاثة عشر عاماً.
- حياته بعد الهجرة وقبل وفاة النبي الأكرم وهي عشر سنوات حافلة بالجهاد والتضحيات.
- حياته بعد رحلة النبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ وقبل الخلافة وتبلغ 25 سنة ولقد قدّم خدمات ثقافية عظيمة للاُمّة خلالها. ولم تكن خالية عن الحوادث المريرة.
- حياته بعد الخلافة إلى شهادته في محراب مسجد الكوفة، وهي حافلة بحروبه مع الناكثين والقاسطين والمارقين. ولقد أخذ بمقاليد الخلافة بعد أن صارت أموية. وبعد أن سلّط عثمان بني اُميّة، على العباد والبلاد وسادت عبادة الدينار والدرهم وملأ حبّ الدنيا قلوب كثير من الناس فسعى ـ عليه السلام ـ في اخراج الاُمّة من هذه الأزمة وارجاعهم إلى ما كانوا عليه في عصر النبي الأكرم. ولقى في طريق اُمنيته ما لقى إلى أستشهد في محراب عبادته لشدّة عدله.
فسلام اللّه عليه يوم ولد، ويوم استشهد، ويوم يبعث حيّا.
وقد كتب حول حياة الإمام ما لا تعد ولا تحصى من الكتب والرسائل والموسوعات، فلا محيص، عن احالة القرّاء إليها غير انّا نشير هنا إلى بعض خصائصه.
بعض خصائصه
يطيب لي أن اُشير إلى بعض خصائصه قياماً ببعض الوظيفة تجاه ما له من الحقوق على الإسلام والمسلمين عامة، فنقول: إنّ له خصائص لم يشترك فيها أحد:
- السابق إلى الإسلام.
- ولد في الكعبة.
- تربّى منذ صغره في حجر رسول اللّه.
- مؤاخاته مع النبي.
- إنّ النبي حمله حتّى طرح الأصنام من الكعبة.
- إنّ ذرّية رسول اللّه منه.
- إنّ النبي تفل في عينيه يوم خيبر، ودعا له بأن لا يصيبه حرّ ولا قرّ.
- إنّ حبّه إيمان، وبغضه نفاق.
- إنّ النبىّ باهل النصارى به وبزوجته وأولاده دون سائر الأصحاب.
- بلّغ سورة براءة عن النبي.
- إنّ النبىّ خصّه يوم الغدير بالولاية.
- انّه القائل: «سلوني قبل أن تفقدوني».
- إنّ النبي خصّه بتغسيله وتجهيزه والصلاة عليه.
- إنّ الناس جميعاً من أرباب الأديان وغيرهم ينظرون إليه كأعظم رجل عرفه التاريخ 7 8.
- 1. راجع مسند أحمد 1 / 331، 5 / 182 ـ 189، حلية الأولياء 1 / 62 ـ 68، ولاحظ الغدير 2 / 33 .
- 2. الخطيب البغدادي التاريخ 4 / 40 .
- 3. أبو نعيم: حلية الأولياء 1 / 86 .
- 4. ابن الجوزي الحنبلي: مناقب أحمد 163 .
- 5. a. b. الرازي: التفسير 1 / 207 .
- 6. a. b. الإمام علي صوت العدالة الإنسانية 1 / 37 – 49 .
- 7. وقد استخرج هذه الخصائص الكاتب القدير محمّد جواد مغنية في كتابه: الشيعة والتشيّع 234 .
- 8. من كتاب بحوث في الملل والنحل لأية الله الشيخ جعفر السبحاني.