بسم الله الرحمن الرحيم
بقلم: الشيخ زكريا بركات
كل من يمتلك مشروعاً ذا قيمة، وهو حكيم قادر، فإنه يحرص كل الحرص على تأسيس مشروعه بالشكل الذي يضمن له البقاء والدوام بقدر ما أمكن، كما يعمل على توفير الضمانات التي توفر لمشروعه البقاء والقدرة على التغلب على العوامل التي من شأنها هدم المشروع وإفشاله ولو مستقبلاً..
فالسؤال: ما هي الضمانات التي وضعها الله ورسوله للحفاظ على الإسلام من العوامل التي من شأنها أن تُبطله وتؤدي إلى اندثاره بعد وفاة رسول الله (ص) ؟
وقبل أن نذكر الجواب؛ نذكر بعض العوامل التي تهدد الإسلام بالاندثار والضياع:
1 ـ عدم إمكانية نقل كل العلم لجيل الصحابة بسبب ضيق الزمان مع اتساع المعلومات.
2 ـ انصراف الصحابة عن طلب العلم بالصفق بالأسواق وغير ذلك من شؤون الحياة.
3 ـ عدم عصمة الصحابة.
4 ـ عملية الإحداث التي أخبر عنها النبي (ص) .
5 ـ منع تدوين الحديث ومنع التحديث ومحاولة إحراق الأحاديث.
والآن نعيد طرح السؤال: ما هي الضمانات التي وضعها الله ورسوله للحفاظ على الإسلام من العوامل التي من شأنها أن تؤدي إلى ضياعه واندثاره بعد وفاة رسول الله (ص) ؟
الجواب يلخِّصه قول رسول الله (ص) : (أنا مدينة الحكمة وعلي بابُها، فمن أراد المدينة فليأتها من بابها) . رواه الشيخ الصدوق في الأمالي (ص525) بسند صحيح. وروي الحديث في مصادر كثيرة بلفظ (أنا مدينة العلم…) .
فهنا فوائد نحصل عليها من التدبر في هذا الحديث الشريف:
الفائدة الأولى: أنَّ علم رسول الله (ص) ينتقل إلى الإمام علي (ع) لكي يكون عليٌّ (ع) هو الإمام الضامن لاستمرار العلم والنور الذي كان رسول الله (ص) يحمله ويهدي إليه.
الفائدة الثانية: أنَّ العلم المنتقل إلى الإمام علي (ع) ليس هو بعض علم رسول الله (ص) ، لأنه لو كان بعضه لما كان في هذا ضماناً لحفظ الدين، بل لا بد من انتقال العلم بكله.
الفائدة الثالثة: أنَّ الإمام علياً (ع) لا بد أن يتّصف بالعصمة في تلقيه وفهمه وحفظه للعلم الذي ورثه من رسول الله (ص) ؛ لأنه إذا لم يكن معصوماً من الخطأ في هذه المجالات فإن وراثته للعلم لا تعد في حد ذاتها ضماناً لحفظ هذا العلم.
الفائدة الرابعة: لا بد من الاعتقاد بأنَّ هذا العلم مع العصمة ينتقلان إلى أئمة بعد الإمام علي (ع) ، ولا يخلو زمان من عالم معصوم وارث لعلم علي (ع) حتى قيام الساعة، وإلاّ فإنه لا جدوى من توريث العلم والعصمة لعلي (ع) إذا كان العلم والعصمة سينتفيان بوفاة الإمام علي (ع) .
الفائدة الخامسة: تشبيه الإمام علي (ع) بالباب إشارة جلية إلى عدم مشروعية الرجوع إلى غير الإمام علي (ع) ، فالبيوت تؤتى من أبوابها، والإتيان من غير الباب هو شأن السرَّاق.. ومن هنا نفهم أمرين:
الأمر الأول: أن الفرق في العلم والعبادة يكمن في الجوهر والباطل، فمن الممكن أن تتشابه العبادة بين أتباع علي (ع) وأتباع غيره، ولكن في الباطن تعتبر عبادة أتباع علي (ع) عبادة شرعية مأخوذة من بابها الشرعي.
الأمر الثاني: أنَّ العاقل النبيل لا يقبل أن تُهدى إليه أشياء مسروقة، وكذلك الله تعالى لا يقبل العبادة التي تؤخذ من غير باب الولاية، ومن هنا نعرف السر في الأحاديث التي تفيد عدم قبول العبادة من غير ولاية.
الفائدة السادسة: أن الحديث الشريف يدل على أنَّ هناك علماً قائماً بحد ذاته بجانب القرآن الكريم، ومصدر هذا العلم هو قلب رسول الله (ص) ، وباب هذا العلم هو الإمام (ع) . ومن هناك نفهم أمرين:
الأمر الأول: أن الذي قال (حسبنا كتاب الله) أراد حرمان الأمَّة من هذه الثروة العلمية.
الأمر الثاني: أنَّ من يؤمن بحديث (مدينة العلم) لا ينبغي أن يقف عند القرآن الكريم ويقول كما قال القائل: حسبنا كتاب الله.. بل على المؤمن أن يطلب العلم من هذا الطريق بتعلُّم المعرفة المروية عن الإمام علي (ع) .
هذا باختصار، والحمد لله ربِّ العالمين.