تعتقد الإمامية بأنّ يجب أن يکون عالماً بالأحکام محيطاً بالشريعة عارفاً بأسباب السعادة علل الشقاء، خبيراً الأخلاق، هادياً إلي سبيل الرشاد. و هي تسوق من أجل إثبات ذلک أدلتها عبر طريقين.
الأول: و هو ذات الأدلة التي ذکرت في إثبات ضرورة الامام، کصفة من صفاته، و بشکل سريع يمکن القول ان وجود فرد کامل، يعکس بشکل فعلي قابلية النوع الإنساني علي التکامل و السير في طريق الکمال، و هوبهذا يجسّد غائبة الوجود البشرة. فکيف يمکن تصور فرد کهذا أن يکون جاهلا ً بأحکام الشريعة، في حين يعيش حالة من الشهود الکامل لحقيقة الدين، و هو في ذات الوقت محل لتلقي الفيض الإلهي الذي ينعکس علمه الى سائر البشر.
الثاني: ان الله الحکيم الذي خلق الإنسان و أودع فيه قابلية التکامل و الکمال، لم يترکه سدي ليهوي في مطبات الضلال، بل أعدله طريقا ً تکامليا ً يکلفل له السعادة في الدنيا وفي الآخرة، و من هنا بعث له أنبياء يدلونه الطريق، و لأن وجود النبي محدود زمنياً ًفقد اقتضت حکمة الله و لطفه أن يبقي طريقه قائماً و صراطه دائماً و بابه مفتوحاً لداعيه، فکان وجود فرد معصوم يخلف النبي في تبليغ الرسالة و إقامة الدين و إرشاد الناس من لطف الله عزوجل.وحتي لا يبقي البشر بلا هداة و الدين بلادعاة و هو ما اصطلح عليه بالامام.
وإذا کانت مهمة الإمام هي في حفظ الشريعة و الأحکام لزم أن يکون عالما ً بها محيطاً ًبأسرارها حافظاً لمعارفها ؛ فکيف يکون الإمام و هو مرجع الأنام عاجزا ً عن حل مسائل الإسلام؟!
علم الامام في ضوء الأحاديث
في هذا المضمار أحاديث و روايات منها ما روي:
عن علي أبي طالب (عليه السلام) قوله: فيهم کرائم القرآن و هم کنوز الرحمن ان نطقوا صدقوا و ان صمتوا لم يستقوا1.
وعنه (عليه السلام) قال: هم عيش العلم و موت الجهل، يخبرکم حلمهم و لايختلفون فيه2.
وعنه أيضا ً قال: بهم عاد الحق في نصابه و انزاح الباطل عن مقامه و انقطع لسانه من منبته.عقلوا الدين عقل و عاية و رعاية، لا عقل سماع و رواية فان رواة العلم کثير ورعاته قليل3.
وعن عبدالله بن سليمان العامري عن الامام الصادق (عليه السلام) قال: «مارالت الأرض إلّا ولله فيها الحجّة يعرف الحلال و الحرام و يدعو الناس إلي سبيل الله»4.
وعن زرارة و تفضيل عن الامام الباقر (عليه السلام) قال: ان العلم الذي نزل مع آدم يرفع والعلم يتوارث و کان علي (عليه السلام) عالم هذه الاُمّة و انّه لم يهلک منّا عالم قط إلّا خلفه من أهله من علم مثل علمه أو ماشاءالله»5.
وعن الامام الصادق(عليه السلام) قال: ان الله عزوجل أوضح بأئمة الهدي من أهل بيت نبيّنا عن دينه، و أبلج بهم عن سبيل منهاجه، و فتح بهم عن باطن ينابيع علمه، فمن عرف من أمة محمّد (صلي الله عليه و آله و سلم) واجب حق إمامه، وجد طعم حلاوة إيمانه، و علم فضل طلاوة إسلامه، لأن الله تبارک و تعالي نصب الإمام علما ً لخلقه، و جعله حجّة علي أهل مواده و عالمه، و ألبسه الله تاج الوقار و غشّاه من نورالجبّار، يمدّّّ بسبب الي السماء لا ينقطع عنه مواده، ولا ينال ما عندالله إلّا بجهة أسبابه، ولا يقبل الله أعمال العباد إلّا بمعرفته فهو عالم بما يرد عليه من ملتبسات الدجي، و معميات السنن، و مشتبهات الفتن، فلم يزل الله تبارک تعالي يختارهم لخلقه من ولد الحسين من عقب کل إمام»6.
وعن الامام علي (عليه السلام) قال: اللهم بلي تخلو االأرض من قائم لله بحجّة، اما ظاهراً ًمشهورا ً أو خائفا ً مغموراً، لئلّا تبطل حجج الله و بيّناته. کم ذا و أين أولئک، أولئک والله الأقلّون عددا ً الأعظمون عندالله قدرا ً. يحفظ الله بهم حججه. بيناته حتي يودعوها نظراءهم و يزرعوها في قلوب إشباههم. هجم بهم العلم علي حقيقة البصيرة وباشروا روح اليقين و استلانوا ما استوعره المترفون و أنسوا بما استو حش منه الجاهلون، و صحبوا الدنيا بأبدان أرواحها معلّقة بالمحل الأعلي.أولئک خلفاء الله في أرضه و الدعاة الي دينه7.
وأحاديث اُخرى
وعن الحسن بن علي (عليه السلام) قال: إنّ الأئمة منّا و إنّ الخلافة لا تصلح إلّا فينا و أنّ الله جعلنا أهلها في کتابه و سنّة نبيّه، و إن العلم فينا و نحن أهله. وهو عندنا مجموع کله بحذافيره و انّه يحدّث شيء إلي يوم القيامة حتي أرش الخدش إلّا وهو عندنا مکّةوب بإملاء رسول الله و بخط علي بيده8.
وعن محمّد بن مسلم عن الامام الباقر (عليه السلام) قال: إن العلم يتوارث، و لايموت عالم إلّا وترک من يعلم مثل علمه أو ما شاأالله9.
وعن الحارث بن المغير ة قال: سمعت الإمام الصادق (ع) يقول:
ان العلم الذي نزل مع آدم (عليه السلام) لم يرفع، و ما مات عالم إلّا و قد ورث علمه، ان الأرض لاتبقي بغير عالم10.
وعن الصادق (عليه السلام) أيضا ً قال: نحن شجرة النبوّة، و بيت الرحمة، و مفاتيح الحکمة، و معدن العلم، و موضع الرسالة، و مختلف الملائکة، و موضع سر الله، ونحن وديعة الله في عباده، ونحن حرم الله الأکبر، ونحن ذمة الله، ونحن عهدالله، فمن و في بعهدنا فقد وفي بعهدالله، و من خفرها فقد خفر ذمّة الله»11.
وعنه أيضا ً قال: إن الله عزوجل علمين: علما ً عنده لم مطلع عليه أحداً من خلقه، و علما ً نبذه إلي ملائکته و رسله، فما نبذه الي ملائکته و رسله فقد انتهي الينا12.
وعنه أيضا ً قال: و الله إنّا لخزّان علم الله في سمائه و أرضه لا علي ذهب و لا فضة إلّا علي علمه13.
وعنه أيضا ً قال: إن الله خلقنا و صوّرنا فأحسن صورنا وجعلنا خزانه في سمائه و أرضه، و لنا نطقت الشجرة وبعبادتنا عُبدالله و لولانا ما عبدالله13.
وعن عبدالملک بن عطا عن الامام الباقر (عليه السلام) قال: نحن أولو الذکر ونحن أولو العلم و عندنا الحلال و الحرام14.
وعن أبي بصيرعن الامام الصادق (عليه السلام) قال: «يا أبابصير نحن شجرة العلم و نحن أهل بيت النبي (صلي الله عليه و آله و سلم) وفي دارنا محبط جبريل و نحن خزّان علم الله و نحن معادن و حي الله من تبعنا نجا ومن تخلّف عنا هلک، حقا ً علي الله عزوجل»15.
وعن علي (عليه السلام) قال: «نحن أنوار السموات و الأرض و سفن النجاة و فينا مکنون العلم و إلينا المصير»16.
وعن الصادق (عليه السلام) قال «نحن خزان علم الله، نحن تراجمة أمرالله ؛نحن قوم معصومون، أمرالله بطاعتنا و نهي عن معصيتنا، نحن حجّة الله البالغة علي من دون السماء وفوق الأرض»1718.
- 1. نهج البلاغة: الخطبة 150.
- 2. نهج البلاغة الخطبة 143.
- 3. المصدر السابق: الخطبة 234.
- 4. أصول الکافي: ج1ص178.
- 5. المصدر السابق: ص222.
- 6. ينابيع المودة: ص26و574- أصول الکافي: ج2ص293.
- 7. نهج البلاغة: الخطبة 147- يبايع المودة ص624- مناقب الخوارزمي: ص264.
- 8. الاحتجاج للطبرسي: ج2ص6.
- 9. اصول الکافي: ج1ص222.
- 10. اصول الکافي: ج1ص223.
- 11. المصدر السابق: ص221.
- 12. المصدر السابق: ص255.
- 13. a. b. غاية المرام: ص514.
- 14. المصدر السابق: ص517.
- 15. المصدر السابق: 515.
- 16. تذکرة الخواص: ص130.
- 17. اصول الکافي: ج1ص269.
- 18. من کتاب دراسة عامة في الامامة.