أسئلة وأجوبة

عصمة أُولي الأمر…

السؤال: اللفظ في آخر الآية لا ينفي عصمة أُولي الأمرالآية (59) من سورة النساء: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمرِ مِنكُم فَإِن تَنَازَعتُم فِي شَيءٍ فَرُدُّوهُ إلى اللَّهِ وَالرَّسُولِ ))، أليست فيها دلالة واضحة تامّة وقاطعة على نفي العصمة؟الجواب:

الأخ حميد المحترم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إنّ آية أُولي الأمر علّقت الإطاعة لـ(أُولي الأمر) بصورة مطلقة، ولا يكون الأمر بوجوب الإطاعة المطلقة إلاّ لمعصوم؛ إذ لو لم يكن معصوماً جاز عليه الخطأ, فلا يمكن أن يوجب الله علينا إطاعة الخاطئ, ومن هنا كانت دلالة الآية على العصمة واضحة وصريحة حتى تنبّه إلى ذلك الفخر الرازي(1).
ولكن الوهابية يغضّون النظر عن أوّل الآية ويتمسّكون بآخرها، بأنّه لا يدلّ على العصمة، وإلاّ لما أرجع الله المتنازعين إلى الله والرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم) وترك أُولي الأمر!
ولكن هذا فهم غير صحيح للآية؛ فإنّ التنازع المفروض في الآية تنازع كلّي شامل للنزاع حتى مع أُولي الأمر، فإنّ لفظة (شيء) يصدق على كلّ أمر متنازع فيه، أي: فإن تنازعتم أيّها المؤمنون في شيء مع أُولي الأمر بعد أن أُمرتم بطاعتهم فارجعوا إلى الله والرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم) لتعرفوا حكمه.
فإذا كان التنازع مع أُولي الأمر أنفسهم فكيف يصحّ الإرجاع إليهم؟!
وهل من نازعهم سوف يؤمن بقولهم وصوابهم وأحقّيتهم؟
كيف؟! وإلاّ لم ينازعهم من البداية, بل الذي ينازعهم لا يعترف بوجوب طاعتهم، فضلاً عن عصمتهم.

فلا بدّ من إيجاد جامع مشترك بين أُولي الأمر وبين الذين ينازعونهم، يعودون إليه ليصبح الميزان في فصل الدعوى والتنازع, ولا يوجد بينهم إلاّ القرآن والسُنّة، وهما القانون الكلّي والدستور الإسلامي، وهذا واضح من فعل عليّ(عليه السلام) مع طلحة والزبير عندما دعاهم للقرآن قبل القتال, وكذلك فعله(عليه السلام) مع أهل الشام قبل القتال, ولكنّهم أصرّوا على القتال لعلمهم بكونهم محجوجين, ولكنّهم عند الهزيمة رفعوا المصاحف خدعة.

فلا دلالة في الآية على نفي العصمة، وإنّما فيها دلالة على أنّ مرجع الكلّ في الشريعة الإسلامية والذي لا يخرج عنه حتى أُولي الأمر هو: حكم الله وحكم الرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، أي: القرآن والسُنّة، فحكم أُولي الأمر لا يخرج عن حكم الله ورسوله(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فهم معصومون تابعون لشريعة محمّد(صلّى الله عليه وآله وسلّم).
فارجع إلى الآية واقرأها بتمعّن تجد ما قلناه واضحاً؛ إذ كيف يصحّ التنازع في شيء وهم مسلّمون بطاعة أُولي الأمر؟! فإنّ أُولي الأمر سيقولون لهم عليكم بطاعتنا بنصّ القرآن ولا مجال للنزاع, وهل سيكون هذا إلاّ تناقض! فإنّهم مأمورون بإطاعتهم ثمّ يجوّز القرآن لهم عدم اتّباعهم وتركهم والرجوع إلى الله ورسوله(صلّى الله عليه وآله وسلّم)!! ولذا فإنّ المخاطبين بالردّ لا يدخل فيهم أولو الأمر، وإنّما هم من خوطبوا في أوّل الآية بوجوب طاعة الله والرسول وأُولي الأمر أوّلاً.

وبهذا يتّضح أنّ فرض التنازع المذكور في الآية لا يصحّ ولا يقع إلاّ من الذين ينكرون وجوب إطاعة أُولي الأمر, إمّا بالكلّية، أي: لكلّ وليّ أمر، وإمّا بالتعيين، أي: وليّ الأمر المعيّن والمشخّص، كعليّ(عليه السلام)، ويقولون: أنّه ليس وليّ الأمر مثلاً، فعند ذلك لا بدّ من إرجاعهم إلى القرآن والسُنّة لفض النزاع؛ فتأمّل!
فالآية تطرح معالجة واقعية لحلّ ما يعتري طريق المسلمين من مشاكل في مستقبلهم، ففيها نوع استشراف من الغيب لما سيحدث في واقع الأُمّة الإسلامية.
ودمتم في رعاية الله

(1) تفسير الرازي 10: 144.
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى