نص الشبهة:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته . .
ما هو تفسير كثرة رواية السنة عن عبد الله بن عباس (ربما 1500 حديث أو أكثر) وهو كما لا يخفى عليكم ركن لا بأس به بالنسبة لرواياتهم الفقهية المخالفة لأهل البيت عليهم السلام، مع ما له من ولاء لأهل البيت النبوي عليهم السلام ؟!
الجواب:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين . .
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته . . وبعد . .
فقد ولد ابن عباس سنة الهجرة، أو قبلها بثلاث سنوات، وكان في زمان حكومة عمر بن الخطاب في ريعان شبابه . وكان ذكياً وطموحاً .. ومؤدباً وجريئاً أيضاً ..
وكان عمر بن الخطاب، يحاول التركيز على أشخاص من بني هاشم، أو من غيرهم، ويقدمهم، ويظهر الاهتمام بهم، بهدف التأثير على حالة التفرد والتميز لأمير المؤمنين عليه السلام، وصرف الأنظار عنه ..
وكان من هؤلاء الأشخاص أبو سفيان، والعباس، وابن عباس، وغيرهم .. وقد استمرت هذه السياسات برسم التداول حتى ورثها عنهم معاوية، وحاول أن يوظفها في نفس الاتجاه الذي أراد سلفه أن يستفيد منها فيه ..
ولكن سياسات عمر لم تفلح في تحقيق الغاية المتوخاة منها، فإن أبا سفيان لم ينس المسلمون بعد حروبهم معه، وكيده للإسلام ولهم، أما العباس، فكان همه منصرفاً إلى الأموال والتجارات، ولا يملك الكثير من المؤهلات لمثل هذا الأمر العظيم ..
وأما عبد الله بن العباس، فكان ذا شخصية قوية، ويملك جرأة وعلماً وفضلاً، كان يتنامى بمرور الأيام، الأمر الذي أوجب توطيد العلاقة فيما بينه وبين عمر بن الخطاب، الذي كان يهمه إيجاد أكثر من شخصية قادرة على اجتذاب الإعجاب، ولفت الأنظار إليها مقابل الإمام علي عليه السلام .. شرط أن تبقى هذه الشخصيات في دائرة السيطرة، وتحت الطاعة ..
ولكن ابن عباس كان يعرف حجمه، وموقعه، ويعرف مكانة الإمام علي عليه السلام، وعظمته في العلم، وفي الدين، وفي الجهاد، وفي جميع الفضائل والميزات، والملكات، كما أنه كان يدرك بثاقب فكره ما ترمي إليه الطبقة الحاكمة من سياستها تلك ..
ولأنه قد عرف حده، فوقف عنده، وراح يعلن باستمرار بالإشادة بفضل الإمام علي عليه السلام، ويرشد إلى مرجعيته في كل الأمور، ويلمح ويصرح بأن ما حصل عليه من مكانة في العلم، وفي الدين، إنما هو بأخذه عنه عليه السلام، وتلمُّذه عليه.
وبقي وفياً للإمام علي عليه السلام، رافضاً لكل الإغراءات التي قدمت له ..
ولكن الأمر لم يقف عند هذا الحد، فإن أهل السنة قد وجدوا في علاقة ابن عباس بعمر بن الخطاب من جهة، وظهور علم وفضل ابن عباس من جهة أخرى ـ وجدوا في ذلك مبرراً ودافعاً إلى الاستفادة من شخصيته، وإبرازه كنظير للإمام علي عليه السلام .. فاهتموا بإسناد الكثير من الأحاديث إليه، وبالاعتماد في كثير من نقولهم عليه .. خصوصاً بعد أن ظهرت حاجتهم للنقل عن أهل البيت عليهم السلام، لأكثر من سبب ومبرر، فقد رأوا أنهم:
أولاً: بحاجة إلى توسعة مفهوم أهل البيت، إلى الحد الذي يضر بتفرد الإمام علي، والإمامين الحسنين عليهم السلام، بهذا الأمر. وكان التركيز على ابن عباس مفيداً في هذا الاتجاه ..
ثانياً: حاجتهم إلى ذر الرماد في العيون، فيما يرتبط بمدى التزام أهل السنة بتوجيهات الرسول صلى الله عليه وآله، الآمرة بأخذ العلم عن أهل بيته الطاهرين والتمسك بهم، وإلزام الأمة بمعرفتهم ومحبتهم ..
فكان أن كثرت فيما بينهم نسبة الأحاديث إلى ابن عباس، خصوصاً في الأمور الحساسة، التي يريدون من خلالها التخلص من بعض الإحراجات الاعتقادية، والتشريعية، والسياسية، وغيرها. فكان أن ظهرت هذه الآلاف من الأحاديث المنسوبة إلى ابن عباس، البريء من الكثير منها، براءة الذئب من دم يوسف ..
وفي الختام نقول: جزى الله هؤلاء وأولئك على نواياهم، ورحم الله ابن عباس، الرجل العاقل والوفي لإمامه، وسيده، وجعل ثوابه الجنة، إنه ولي قدير، وبالإجابة حري وجدير ..
والحمد لله، والصلاة والسلام على رسوله محمد وآله الطاهرين 1 ..
- 1. مختصر مفيد . . (أسئلة وأجوبة في الدين والعقيدة)، السيد جعفر مرتضى العاملي، «المجموعة السابعة»، المركز الإسلامي للدراسات، الطبعة الأولى، 1423 ـ 2002، السؤال (428).