بسم الله الرحمن الرحيم
بقلم: زكريا بركات
هُناك أحاديثُ وآثارٌ كثيرةٌ رُويت في كتب المسلمين، تدلُّ على أنَّ لظلامة أهل البيت (عليهم السلام) جذوراً وخلفيات تاريخيَّة، وأنَّ النبيَّ (صلى الله عليه وآله وسلم) أخبر بوقوع الظلم على أهل البيت..
وفيما يلي نُسلِّط الضوء على بعض تلك الأحاديث والآثار:
في «سنن الترمذي» برقم (3758) ، أنَّ العباسَ بنَ عبدِ المُطَّلِبِ، دخل على رسولِ اللهِ صلى الله عليه [وآله] وسلَّم مُغْضَباً، فقال: ما أَغْضَبَكَ؟ قال: يا رسولَ اللهِ؛ ما لنـا ولِقريشٍ! إذا تَلَاقَوْا بينهم، تَلَاقَوْا بوجوهٍ مُبَشِّرَةٍ، وإذا لَقُونَا، لَقُونَا بغيرِ ذلك، قال: فغَضِبَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ [وآله] وسلَّم حتى احْمَرَّ وجهُه، ثم قال: «والذي نفسي بيـدِهِ، لا يَدْخُلُ قلبَ رجلٍ الإيمانُ حتى يُحِبَّـكم للهِ ولرسولِهِ…» إلخ الحديث. وقال الترمذي: «حسن صحيح». وقال أحمد محمد شاكر في حاشيته على «مسند أحمد» (3 /206) : «إسناده صحيح».
وعن أبي سعيد الخُدري (رض) عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: «إنَّ أهل بيتي سيلقون من بعدي من أمَّتي قتلاً وتشريداً». رواه بهذا اللفظ الحاكم في «المستدرك» (4/534) برقم (8500/208) ، وقال: «هذا حديث صحيح الإسناد»، ولم يوافقه الذهبي. وللرِّواية طرُقٌ أخرى بألفاظ مقاربة، فقد رواها ابن أبي شيبة في «المصنف» (8/697) برقم (74) عن عبد الله بن مسعود، ومن طريقه: ابن ماجة في «سُننه» (2/1366) ، وابن أبي عاصم في «السنَّة» : 619 برقم 1499، ورواه الطبراني في «المعجم الكبير» (10/85) من طريق أخـرى، وله طريقٌ ثالثـة عنـد الحاكم في «المستدرك» (4/511) برقم (8434/142) ، وله طريق رابعـة عند الخطيب في «الرحلة في طلب الحديث» : 145 ـ 146.
وفي «شواهد التنزيل» للحاكم الحسكاني (1/649) عن جابر ابن عبد الله الأنصاري، عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: «يا بني هاشم؛ أنتم المُستضعَفُون المَقهُورون المُستذَلُّون بعدي».
وفي كتاب «الفردوس» (5/499) برقم (8880) عن جابـر ابن عبد الله الأنصـاري، قال: قال رسول الله صلى الله عليـه وآله وسلم: «يجيءُ يومَ القيامة ثلاثةٌ: المصحفُ والمسجد والعترة؛ يقول المصحف: خرقـوني ومزّقـوني، ويقول المسـجد: يا ربِّ خرّبـوني وعطّلوني وضيَّعوني، وتقول العترة: يا ربِّ قتلونا وطردونا وشرَّدونا، فأجثوا بركبتي للخصومة، فيقول الله تبارك وتعالى: إليَّ؛ أنا [أولى] بذلك».
وفي «الأمالي» للشـيخ المفيـد (ص115) بسـند صحيح عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، أنه قال: «ما بال أقـوام من أُمَّتـي إذا ذُكر عندهم إبراهيم وآل إبراهيم، استبـشرت قلوبهم وتهلَّلت وجوهُهم، وإذا ذُكرتُ وأهلَ بيتـي، اشمـأزَّت قلوبهم وكلحت وجوهُهم؟! والذي بعثني بالحق نبيـاً؛ لو أنَّ رجلاً لقيَ الله بعمل سبعين نبياً، ثم لم يأتِ بولاية أُولي الأمر منَّا أهل البيت، ما قبل الله منه صرفاً ولا عدلاً».
وفي «الأمالي» للشيخ الطوسي (ص188) بسنده عن عبد الله ابن عباس، قال: لما حضرت رسولَ الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الوفـاةُ بكى حتى بلَّتْ دموعُه لحيتَـهُ، فقيـل له: يا رسول الله، ما يُبـكيك؟! فقال: «أبكي لذريَّتـي، وما تصنع بهم شرارُ أُمَّتـي من بعدي، كأنِّي بفاطمةَ ابنتي وقد ظُلمت بعدي، وهي تنادي يا أبتاه يا أبتاه، فلا يُعينها أحدٌ من أُمَّتي…» إلخ.
وفي «الكافي» (1/215) بسند صحيح عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، أنه قال: «سيكون من بعدي أئمَّةٌ على النَّاس من الله من أهل بيتي يقومُون في النَّاس، فيُكَذَّبون ويَظلِمُهم أئمَّةُ الكُفر والضَّلال وأشياعُهم».
وممَّا يرتبط بظلامة الإمام عليٍّ عليه السلام، أخبار وآثارٌ كثيرة، نذكر منها ما يلي:
في «المستدرك على الصحيحين» (3 /150) ، عن الإمام عليٍّ (عليه السلام) قـال: «إنَّ ممَّا عَهِدَ إليَّ النبي (صلى الله عليه [وآله] وسلم) أنَّ الأمَّة ستغدر بي بعده». قال الحاكم: «هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه». وقال الذهبي في «التلخيص»: «صحيح».
وفي «المستدرك» (3/153) من طريق أخرى، عن الإمام عليٍّ (عليه السـلام) ، قـال: قال لي رسول الله (صلى الله عليـه [وآله] وسلم) : «إنَّ الأمَّة ستغدر بك بعدي وأنت تعيش على ملَّتي وتُقتل على سُنَّتـي، مَن أحبَّك أحبَّـني ومن أبغضك أبغضنـي، وإنَّ هذه ستُخضب من هذا» يعني لحيته من رأسه. قال الحاكم: «صحيح»، وقال الذهبي في «التلخيص» : «صحيح».
وفي «المستدرك» (3/151) عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال للإمام عليٍّ (عليه السلام) : «أما إنَّك ستلقى بعدي جهداً». قال الحاكم: «هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه»، ووافقه الحافظ الذهبي في «التلخيص»، وأخرجه ابن أبي شيبة في «المصنَّف» (7/503) .
وعن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال للإمام عليٍّ (عليه السلام) : «ضغائنُ في صدور أقوام، لا يُبدونَها لك إلَّا من بعدي». أخرجه أبو يعلى في «مسـنده» (1/427) ، والطبراني في «المعجم الكبير» (11/61) ، وابن عساكر في «تاريخ دمشق» (42/322) .
وفي كتاب «الخصال» للصدوق (2/440) بسند صحيح عن الإمام عليٍّ (عليه السلام) أنه قال: «حَكَمَ الله بيني وبين هذه الأمَّة؛ قطعوا رحمي، وأضـاعوا أيَّامي، ودفعـوا حقِّي، وصغَّـروا عظيـمَ منزلتي، وأجمعوا على مُنازعتي».
وأمَّا في خصوص الإمام الحسين عليه السلام، فالأخبار كثيرة جدّاً، نقتصر بذكر ما يلي منها:
في «مُسـند أبي يعلى»، برقم (363) ـ بسـند حسـن ـ أنَّ علياً (عليه السلام) لما حاذى نينوى وهو منطلق إلى صفِّين، فنادى: «اصبر أبا عبد الله، اصبر أبا عبد الله بِشَطِّ الفرات»، ثم قال: «دخلتُ على النبي (صلى الله عليه وآله سلم) ذات يوم وعيناه تفيضان، قال: قلت: يا نبيَّ الله؛ أغضبك أحدٌ؟ ما شأن عينيك تفيضان؟ قال: بل قام جبريل قبلُ فحدَّثني أنَّ الحسين يُقتل بشطِّ الفرات، قال: فقال: هل لك أن أشمَّك من تربته؟ قال: قلت: نعم، قال: فمدَّ يده فقبض قبضةً من تراب فأعطانيها، فلم أملك عينيَّ أن فاضتا».
وفي «قرب الإسناد» (ص26) بسند صحيح عن الإمام محمد الباقر عليه السلام، قال: «مَرَّ عليٌّ [عليه السلام] بكربلاء في اثنين من أصحابه. قال: فلمَّا مَرَّ بها ترقرقت عيناه للبكاء، ثمَّ قال: هذا مُناخ ركابهم، وهذا مُلقى رحالهم، وهاهُنا تُهراق دماؤُهم، طوبى لك من تربةٍ، عليك تهراق دماءُ الأحبَّة».
وفِي «كامل الزيارات» (ص60) بسند موثَّق عن الإمام الصادق عليه السلام، أنه قال: «نَعَى جبرئيلُ عليه السلام الحسينَ إلى رسولِ اللهِ صلى الله عليه وآله في بيت أُمِّ سلمة، فدخل عليه الحسينُ عليه السلام وجبرئيلُ عنده، فقال: إنَّ هذا تقتله أُمَّتُك، فقال رسول اللهِ صلى الله عليه وآله: أَرني من التُّربة الَّتي يُسْفَك فيها دمُه، فتناول جبرئيلُ عليه السلام قبضةً من تلك التُّربة، فإذا هي تربةٌ حمراء، فلم تزل عند أُمِّ سلمةَ حتَّى ماتت رحمها الله».
وفي «بصائر الدرجات» (ص49) بسند صحيح عن الإمام الباقر عليه السلام، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «من سَرَّه أن يحيا حياتي، ويموتَ مماتي، ويدخلَ جنَّةَ ربي جنَّةَ عَدْنٍ منزلي، قَضِيبٌ من قُضبانها غرسها اللهُ ربِّي بيدِهِ، فَلْيتولَّ عليًّا والأئمَّةَ من بعده؛ فإنَّهم أئمَّةُ الهدى، أعطاهم الله فهماً وعلماً، فَهُمْ عترتي من لحمي ودمي، إلى الله أشكو من عاداهُم من أُمَّتي، والله لَيَقْتُلُنَّ ابني، لا أنالهم الله شفاعتي».
وفي «فضائل الصحابة» لأحمد بن حنبل برقم (1380) بسند حسن، رجاله رجال صحيح مسلم، عن عن ابن عباس، قال: «رأيت النبيَّ صلى الله عليه [وآله] وسلم في المنام بنصف النهار أشعثَ أغبرَ معه قارورة فيها دم يلتقطه، أو يتتبَّعُ فيها شيئاً، قلت: يا رسول الله ما هذا؟ قال: دم الحسين وأصحابه لم أزل أتتبَّعُه منذ اليوم». قال عمَّارٌ: «فحفظنا ذلك فوجدناه قُتِلَ ذلك اليوم عليه السلام».
وفي «المستدرك على الصحيحين» للحاكم (3/195) برقم (4822) ، بسند صحيح عن ابن عباس، قال: «أوحى الله تعالى إلى محمَّد (صلى الله عليه وآله وسلم) : إني قتلتُ بيحيى بن زكريا سبعين ألفاً، وإني قاتلٌ بابن ابنتك سبعين ألفاً وسبعين ألفاً». قال الحاكم: «هذا حديث صحيح الإسناد». وقال الذهبي في «تلخيص المستدرك»: «على شرط مسلم».
في «فضائل الصحابة» لأحمد بن حنبل برقم (1373) بسـند حسن، رجاله رجال صحيح مسلم، عن أمِّ سلمة رضي الله عنها، قالت: «سمعت الجنَّ يبكين على حسين»، وقالت: «سمعت الجنَّ تنوحُ على الحسين رضي الله عنه».
وفِي «كامل الزيارات» (ص89) بسند موثَّق عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال: «إنَّ الحسين عليه السلام بكى لقتله السَّماءُ والأرضُ واحمرَّتا، ولم تبكيا على أحد قطُّ إلَّا على يحيى بن زكريَّا والحسين بن عليٍّ عليهما السلام».
نكتفي بهذا القدر، وإنَّا لله وإنَّا إليه راجعون.