الرأي المشهور لفقهاء الشيعة و منهم آية الله العظمى السيد علي السيستاني هو أن صوم يوم عاشوراء 1 لا يحرم بل يكره ـ بمعنى كونه اقلٌ ثواباً ـ و مجرد الامساك فيه حزناً الى ما بعد صلاة العصر ثم الافطار آن ذاك بشربة من الماء هو الأولى .
محاولات يائسة
هذا و من الملاحظ أن جماعات معروفه بعدائها لأهل البيت ( عليهم السلام ) حاولت و تحاول إبراز يوم عاشوراء بوجه آخر غير الذي هو عليه في أكثر البلاد الاسلامية خاصة الموالية لأهل البيت ( عليهم السلام ) من كونه يوم حزن و عزاء و مصيبة حيث أنه يوم قتل فيه ريحانة رسول الله ( صلى الله عليه و آله ) و إبن بنته و خامس أهل الكساء الذين أذهب الله عنهم الرجس و طهرهم تطهيراً ، أهل الكساء ( عليه السلام ) الذي قال فيه جده المصطفى ( صلى الله عليه و آله ) كما رواه محدثوا السنة في صحاحهم و التي منها البخاري و ابن ماجه ، و التِّرْمِذِيُّ بِسَنَدِهِ عَنْ يَعْلَى بْنِ مُرَّةَ قَالَ ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ( صلى الله عليه و آله ) : ” حُسَيْنٌ مِنِّي وَ أَنَا مِنْ حُسَيْنٍ ، أَحَبَّ اللَّهُ مَنْ أَحَبَّ حُسَيْناً ، حُسَيْنٌ سِبْطٌ مِنَ الْأَسْبَاطِ ” .
نعم عَمَد أعداء أهل البيت ( عليهم السلام ) تبعاً لبني أمية الى طمس الحقائق و الحيلولة دون فضح ما قامت به العصابة الأموية الحاقدة على الاسلام و النبي ( صلى الله عليه و آله ) و على أهل بيته ( عليهم السلام ) في يوم عاشوراء سنة 61 هجرية بارتكابهم أبشع جريمة بقتلهم الحسين بن علي ( عليه السلام ) و الصفوة الكرام من أبنائه و أصحابه الميامين و قطع رؤوسهم و حملها الى ابن زياد في الكوفة و من بعدها الى يزيد في الشام و أسرهم لزين العابدين و سيد الساجدين الإمام علي بن الحسين ( عليه السلام ) و كذلك سيدات بيت النبوة و الذرية الطاهرة من أهل البيت ( عليهم السلام ) بأبشع صورة و هم فرحين مستبشرين بفعلتهم العظيمة النكراء ، ساحقين كرامة الاسلام و المسلمين و البيت النبوي .
نعم سعى هؤلاء الى التستر على أفعال هذه العصابة الحاقدة على الاسلام و التغطية على هذه الفضائح الجسيمة و الأفعال الإجرامية من خلال تصوير هذا اليوم ـ يوم عاشوراء ـ يوم صوم و عبادة و أجر و ثواب في محاولة يائسة لإنساء الناس هذه المأساة و صرف أفكارهم عن هذه الذكرى الأليمة التي أوجعت قلب الرسول المصطفى و إبنته فاطمة الزهراء .
هذا و إن هذه الجماعات تسعى لما أشرنا إليه من خلال الاستناد الى أحاديث كثيرة منها متناقضة و أخرى موضوعة و مكذوبة .
هذا و من يراجع التاريخ يجد شواهد كثيرة على ما نقول ، و إليك بعضاً منها :
أحاديث موضوعة في فضل صوم يوم عاشوراء
1 – قال ابن الجوزي : تمذهب قوم من الجهال بمذهب اهل السنة فقصدوا غيظ الرافضة فوضعوا احاديث فى فضل عاشوراء … 2 .
2 – و قال ابن الجوزي : … فمن الاحاديث التى و ضعوا : … عن الاعرج ، عن ابى هريرة قال : قال رسول الله ان الله عز و جل افترض على بنى اسرائيل صوم يوم في السنة يوم عاشورا ء ، و هو اليوم العاشر من المحرم فصوموه و وسعوا على اهليكم ، فانه من وسع على اهله من ماله يوم عاشورا وسع عليه سائر سنته، فصوموه فانه اليوم الذى تاب الله فيه على آدم ، و هو اليوم الذى رفع الله فيه ادريس مكاناً علياً ، و هو اليوم الذي نجى فيه ابراهيم من النار ، و هو اليوم الذي اخرج فيه نوحاً من السفينة ، و هو اليوم الذي انزل الله فيه التوراة على موسى و فدى الله اسماعيل من الذبح ، و هو اليوم الذي اخرج الله يوسف من السجن ، و هو اليوم الذي ردَّ الله على يعقوب بصره ، و هو اليوم الذي كشف الله فيه عن ايوب البلاء ، و هو اليوم الذي اخرج الله فيه يونس من بطن الحوت ، و هو اليوم الذي فلق الله فيه البحر لبني اسرائيل ، و هو اليوم الذي غفر الله لمحمد ذنبه ما تقدم و ما تأخر ، و في هذا اليوم عبر موسى البحر ، و في هذا اليوم انزل الله تعالى التوبة على قوم يونس فمن صام هذا اليوم كانت له كفارة اربعين سنة .
و اول يوم خلق الله من الدنيا يوم عاشورا … و اول مطر نزل من السماء يوم عاشورا ، و اول رحمة نزلت يوم عاشورا ، فمن صام يوم عاشورا فكانما صام الدهر كله ، و هو صوم الانبياء … و من احيا ليلة عاشورا فكانما عبد الله تعالى مثل عبادة اهل السموات السبع ، و من صلى اربع ركعات يقرا في كل ركعة الحمد مرة و خمس مرات قل هو الله احد غفر الله خمسين عاماً ماض ، و خمسين عاماً مستقبل ، و بنى له في الملا الاعلى الف الف منبر من نور ، و من سقى شربة من ماء فكانما لم يعص الله طرفة عين ، و من اشبع اهل بيت مساكين يوم عاشورا مرّ على الصراط كالبرق الخاطف ، و من تصدق بصدقة يوم عاشورا فكانما لم يرد سائلا قط ، و من اغتسل يوم عاشورا لم يمرض مرضاً الا مرض الموت ، و من اكتحل يوم عاشورا لم ترمد عينه تلك السنة كلها ، و من اَمرَّ يده على راس يتيم فكانما برَّ يتامى و لد آدم كلهم 2 .
قال ابن الجوزى : هذا حديث لا يشك عاقل في وضعه و لقد ابدع من وضعه و كشف القناع و لم يستحيى و اتى فيه المستحيل و هو قوله : و اول يوم خلق الله يوم عاشورا و هذا تغفيل من واضعه لانه انما يسمى يوم عاشورا اذا سبقه تسعة .
3 – من يراجع التاريخ يجد أن يوم عاشوراء كان بمثابة وصمة عار على جبين كل أموي على مرِّ العصور ، و كان بنو أمية يشعرون بالذل و الحقارة و المهانة في كل يوم عاشوراء حتى أصحبت حالتهم هذه مثلاً معروفاً ، فكان يقال : أذل من اموي بالكوفة يوم عاشورا ” 3 .
موقف أئمة أهل البيت من صوم يوم عاشوراء
لقد تصدى أئمة أهل البيت ( عليهم السلام ) لهذه المؤامرة بإحيائهم يوم عاشوراء كيوم حزن و مصيبة و عزاء و بينوا للناس ما أصاب سبط رسول الله ( صلى الله عليه و آله ) و البيت النبوي و العلوي من الخسارة و الظلم و القتل و التشريد و الأذى ، و إليك بعضاً من أحاديثهم :
1 – رَوى الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْهَاشِمِيُّ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُوسَى ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ يَزِيدَ ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ الْوَشَّاءِ ، قَالَ حَدَّثَنِي نَجَبَةُ بْنُ الْحَارِثِ الْعَطَّارُ ، قَالَ سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ ( عليه السلام ) 4 عَنْ صَوْمِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ ؟
فَقَالَ : ” صَوْمٌ مَتْرُوكٌ بِنُزُولِ شَهْرِ رَمَضَانَ ، وَ الْمَتْرُوكُ بِدْعَةٌ ” .
قَالَ نَجَبَةُ : فَسَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ( عليه السلام ) 5 مِنْ بَعْدِ أَبِيهِ ( عليه السلام ) عَنْ ذَلِكَ ، فَأَجَابَنِي بِمِثْلِ جَوَابِ أَبِيهِ .
ثُمَّ قَالَ : ” أَمَا إِنَّهُ صَوْمُ يَوْمٍ مَا نَزَلَ بِهِ كِتَابٌ وَ لَا جَرَتْ بِهِ سُنَّةٌ إِلَّا سُنَّةُ آلِ زِيَادٍ بِقَتْلِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمَا ” 6 .
2 – عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى بْنِ عُبَيْدٍ ، قَالَ حَدَّثَنِي جَعْفَرُ بْنُ عِيسَى أَخُوهُ ، قَالَ سَأَلْتُ الرِّضَا ( عليه السلام ) عَنْ صَوْمِ عَاشُورَاءَ وَ مَا يَقُولُ النَّاسُ فِيهِ ؟
فَقَالَ : ” عَنْ صَوْمِ ابْنِ مَرْجَانَةَ تَسْأَلُنِي ؟!
ذَلِكَ يَوْمٌ صَامَهُ الْأَدْعِيَاءُ مِنْ آلِ زِيَادٍ لِقَتْلِ الْحُسَيْنِ ( عليه السلام ) ، وَ هُوَ يَوْمٌ يَتَشَأَّمُ بِهِ آلُ مُحَمَّدٍ ( صلى الله عليه وآله ) ، وَ يَتَشَأَّمُ بِهِ أَهْلُ الْإِسْلَامِ ، وَ الْيَوْمُ الَّذِي يَتَشَأَّمُ بِهِ أَهْلُ الْإِسْلَامِ لَا يُصَامُ وَ لَا يُتَبَرَّكُ بِهِ ، وَ يَوْمُ الْإِثْنَيْنِ يَوْمُ نَحْسٌ قَبَضَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ فِيهِ نَبِيَّهُ ، وَ مَا أُصِيبَ آلُ مُحَمَّدٍ إِلَّا فِي يَوْمِ الْإِثْنَيْنِ فَتَشَأَّمْنَا بِهِ وَ تَبَرَّكَ بِهِ عَدُوُّنَا ، وَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ قُتِلَ الْحُسَيْنُ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَ تَبَرَّكَ بِهِ ابْنُ مَرْجَانَةَ ، وَ تَشَأَّمَ بِهِ آلُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِمْ ، فَمَنْ صَامَهُمَا أَوْ تَبَرَّكَ بِهِمَا لَقِيَ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى مَمْسُوخَ الْقَلْبِ وَ كَانَ حَشْرُهُ مَعَ الَّذِينَ سَنُّوا صَوْمَهُمَا وَ التَّبَرُّكَ بِهِمَا ” 7 .
3 – عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ ، عَنْ أَبَانٍ ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ ، قَالَ سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ( عليه السلام ) 5 عَنْ صَوْمِ تَاسُوعَاءَ وَ عَاشُورَاءَ مِنْ شَهْرِ الْمُحَرَّمِ ؟
فَقَالَ : ” تَاسُوعَاءُ يَوْمٌ حُوصِرَ فِيهِ الْحُسَيْنُ ( عليه السلام ) وَ أَصْحَابُهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ بِكَرْبَلَاءَ ، وَ اجْتَمَعَ عَلَيْهِ خَيْلُ أَهْلِ الشَّامِ وَ أَنَاخُوا عَلَيْهِ ، وَ فَرِحَ ابْنُ مَرْجَانَةَ وَ عُمَرُ بْنُ سَعْدٍ بِتَوَافُرِ الْخَيْلِ وَ كَثْرَتِهَا ، وَ اسْتَضْعَفُوا فِيهِ الْحُسَيْنَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَ أَصْحَابَهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ، وَ أَيْقَنُوا أَنْ لَا يَأْتِيَ الْحُسَيْنَ ( عليه السلام ) نَاصِرٌ وَ لَا يُمِدَّهُ أَهْلُ الْعِرَاقِ ، بِأَبِي الْمُسْتَضْعَفُ الْغَرِيبُ .
ثُمَّ قَالَ : ” وَ أَمَّا يَوْمُ عَاشُورَاءَ فَيَوْمٌ أُصِيبَ فِيهِ الْحُسَيْنُ ( عليه السلام ) صَرِيعاً بَيْنَ أَصْحَابِهِ وَ أَصْحَابُهُ صَرْعَى حَوْلَهُ عُرَاةً أَ ، فَصَوْمٌ يَكُونُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ كَلَّا ! وَ رَبِّ الْبَيْتِ الْحَرَامِ مَا هُوَ يَوْمَ صَوْمٍ ، وَ مَا هُوَ إِلَّا يَوْمُ حُزْنٍ وَ مُصِيبَةٍ دَخَلَتْ عَلَى أَهْلِ السَّمَاءِ وَ أَهْلِ الْأَرْضِ وَ جَمِيعِ الْمُؤْمِنِينَ ، وَ يَوْمُ فَرَحٍ وَ سُرُورٍ لِابْنِ مَرْجَانَةَ وَ آلِ زِيَادٍ وَ أَهْلِ الشَّامِ غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَ عَلَى ذُرِّيَّاتِهِمْ ، وَ ذَلِكَ يَوْمٌ بَكَتْ عَلَيْهِ جَمِيعُ بِقَاعِ الْأَرْضِ خَلَا بُقْعَةِ الشَّامِ ، فَمَنْ صَامَهُ أَوْ تَبَرَّكَ بِهِ حَشَرَهُ اللَّهُ مَعَ آلِ زِيَادٍ مَمْسُوخُ الْقَلْبِ مَسْخُوطٌ عَلَيْهِ ، وَ مَنِ ادَّخَرَ إِلَى مَنْزِلِهِ ذَخِيرَةً أَعْقَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى نِفَاقاً فِي قَلْبِهِ إِلَى يَوْمِ يَلْقَاهُ وَ انْتَزَعَ الْبَرَكَةَ عَنْهُ وَ عَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ وَ وُلْدِهِ وَ شَارَكَهُ الشَّيْطَانُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ ” 8 .
و لقد أجاد البحث و التحقيق في هذا الموضوع العلامة الشيخ نجم الدين الطبسي في كتابه المُسمى : صوم عاشوراء بين السنة النبوية و البدعة الاموية ، و لمن أراد المزيد من المعلومات مراجعة الكتاب .
و في الختام نقول : ﴿ يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ﴾ 9 .
- 1. يوم عاشوراء بالمد و القصر و هو عاشر المحرم ، و هو اسم إسلامي ، و جاء عشوراء بالمد مع حذف الألف التي بعد العين ، راجع : مجمع البحرين : 3 / 405 .
و هو اليوم الذي وقعت فيه واقعة الطَّف الأليمة التي قُتل فيها سبط النبي المصطفى ( صلى الله عليه و آله ) الإمام الحسين بن علي ( عليه السَّلام ) ، خامس أصحاب الكساء و ثالث أئمة أهل البيت ( عليهم السلام ) مع جمع من خيرة أبنائه و أصحابه في أرض كربلاء دفاعاً عن الدين الاسلامي و قيمه .
و كانت هذه الواقعة الأليمة في يوم الجمعة العاشر من شهر محرم من سنة 61 هجرية ، الموافق لـ 12 / 10 / 680 ميلادية . - 2. a. b. الموضوعات : 2 / 200 .
- 3. مجمع الامثال 2 / 21 ، الرقم ( 1513
- 4. أي الإمام محمد بن علي الباقر ( عليه السلام ) خامس أئمة أهل البيت ( عليهم السلام ) .
- 5. a. b. أي الإمام جعفر بن محمد الصادق ( عليه السلام ) سادس أئمة أهل البيت ( عليهم السلام ) .
- 6. الكافي : 4 / 146 ، للشيخ أبي جعفر محمد بن يعقوب بن إسحاق الكُليني ، المُلَقَّب بثقة الإسلام ، المتوفى سنة : 329 هجرية ، طبعة دار الكتب الإسلامية ، سنة : 1365 هجرية / شمسية ، طهران / إيران .
- 7. الكافي : 4 / 146 .
- 8. الكافي : 4 / 147 .
- 9. القران الكريم : سورة التوبة ( 9 ) ، الآية : 32 ، الصفحة : 192 .