من الصفات التي عُرف بها رسول الله (ص) صفة الحياء، فاقتفى المسلمون أثره واقتدوا به في هذه الصفة كما في سائر أخلاقه وهَدْيه (ص).
الحياء مفهوم أصيل في المجتمع الإسلامي
واستقرت هذه السجيَّة الجميلة في مسلك أفراد المجتمع الإسلامي، رجالاً ونساءً، حتى دخل الحياء المظاهر المسلكية كافة كغضِّ البصر وكفِّ اللسان وتخيُّر الألفاظ المناسبة والإحتفاظ بالأسرار والأحداث التي يُمكن لو عُرفت أو نُشرت أن تخدش الحياء الإجتماعي المحصَّبجملة من الأحكام الشرعية المقدَّسة.
فكان المرءُ يرى، وحتى مدى قريب، كيف أنَّ الجوَّ العام في الوسط الإسلامي يندر أن ترى فيه علناً ما يُثير القرف والإشمئزاز، لجهة اللِّباس المحتشم للرجال والنساء، وعدم تشبه كلا أفراد الجنسين ببعضهما، أو لبسهما ما يكشف عن سوءاتهما، وعدم تجرُّؤ أحد على قول أو عل ما يُخالف الاداب العامة، وإلاّ كان المجتمع الإسلامي الامر بالمعروف والناهي عن المنكر له بالمرصاد.
ماذا يحدث اليوم؟!
إلاّ أنَّه وبعد إنتشار الأفكار الغربية في القرن الأخير في مجتمعنا، بتشعُّباتها ومخازيها وتهاونها وتجاوزاتها ومخالفتها للفطرة البشرية وتنكُّرها للوقائع التاريخية وتشبثُها بالمظاهر المادية.. بعد الإنتشار هذا، أخذت صفة الحياء تضمر وتضعف وتنزوي حتى صوَّرها البعض وكأنها ثلمة لا ينبغي أن تكون في الشخصية المتحضِّرة والمجتمع المتطوِّر!
حتى باتت الإشارة إلى ضعف شخصية الرجل وإلى تخلُّف المرأة متلازماً مع الإشارة إلى صفة الحياء فيه!
وفي السنوات الأخيرة إستكملت الهجمة فصولها من خلال الفضائيات التي لم تبق ولم تذر، فأخذت ببث المشاهد والكلمات، وعلى مدار الساعات، والتي رُبَّما تُخجل الزوجة أمام زوجها، فضلاً عن أفراد الأسرة الاخرين.
الحياء صفة أهل الإيمان
حيث اشتُهر عن مولانا رسول الله (ص) أنَّه كان أشدَّ حياءً من الفتاة في خدْرها، وكان غاضاً لبصره، ويحمر وجهه في بعض المواطن، أو يلتفت إلى الجهة الأخرى، أو كأنَّه لم يسمع ما قد قيل له… صيانة للحياء السائد.
وورد عنه في النصِّ الشريف “الحياء خيرٌ كلُّه”1. لذا كان الحياء بكل أشكاله وتفاصيله مطلوباً لأهل الإيمان في تعاملهم وطريقة عيشهم ولباسهم وألفاظهم ونظراتهم وأحاديثهم، خاصة فيما يتعلق بعلاقتهم الخاصة مع أزواجهم، حيث يبقى الأمر سراً بينهما فلا يبوحان فيه أمام أحد.
ويكفي أن الحياء تشبُّه بالصالحين ممَّن سبق من عباد الله عزَّ وجل، الذين أحبُّوه وأحبَّهم، حيث ورد في النص المبارك عن مولانا رسول الله (ص): “لو كان الحياء رجلاً لكان صالحاً”2.
وعندما أراد الله جلَّ جلاله أن يصف أبرز ما عند المرأة المؤمنة قال سبحانه:﴿ فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ … ﴾ 3. فجعل صفة الحياء العنوان الأساسي للمرأة التي ترعرعت في بيت الأنبياء (ع).
الحياء أساسٌ لكل خير
قد يظن البعض أنَّ الحياء صفة مستقلة لا دخل لها في الصفات الأخرى، كما ظنُّوا إشتباهاً أنَّ الحياء للمرأة دون الرجل، أو أنَّ المرأة القويَّة الشخصية ليس عندها حياء!والحقيقة أنَّ الحياء رأس الصفات الأخلاقية والمكارم النفسانية وكافة العلاقات الإنسانية… حتى السياسية منها، لأنَّه ما كان في شيء قط إلاَّ زانه، كما أنَّ مخالفه، يعني الفحش، ما كان في شيء قط إلاّ شانه، كما ورد في النصوص الشريفة عن مولانا رسول الله (ص).
فخصال المكارم بعضها مُقيَّد ببعض، وهذه قاعدة أخلاقية عامة، تماماً كالصورة الجميلة جميلة بكل أجزائها وتفاصيلها، ولا تكون كذلك إذا أصاب التشوُّه بعض نواحيها.
وكما يشير الإمام الصادق (ع): أن رأس الصفات الأخلاقية الحياء، فيدخل في صدق الحديث وإعطاء السائل وأداء الأمانة وصلة الرحم والتودُّد إلى الجار والصاحب وإكرام الضيف…
الحياء من الناس مطلوب كما نستحي من الله تعإلى
فالمسلم يحرص على مجانبة العيوب والسقطات أمام الله جلَّ جلاله، وقد أُمر بالتوبة والإنابة، كما أُمر بستر الذنوب لو ابتُلي بها… كذلك عليه أن يكون أمام الناس حتى لا يقسو قلبه وينحرف مزاجه الفطري. ورد في النص المبارك عن رسول الله (ص): “مَنْ لم يستح من النَّاس، لم يستح من الله سبحانه”4.
فإنَّ ذلك يكون أردع له عند الطغيان والتجبُّر، وتعويداً على نهج طريق الحقِّ، وتطويعاً للنفس الأمّارة وهذه لفتة تربوية هامة على قاعدة، إن لم تبك فتباك، وهذا يُعظِّم الإيمان في القلوب إنشاء الله.
ورد عن رسول الله (ص): “إستحِ من الله استحياءك من صالحي جيرانك، فإنَّ فيها زيادة اليقين”5.
ورحمة الله عز وجل على مَنْ عرَّف الحياء بأنه: تركُ فعلِ ما يخجلُ منه لو عُرف.
وهذا سرٌ من أسرار السُّبل الباطنيَّة والمعنويَّة.
لا إيمان بلا حياء
فهما مقرونان ببعضهما، حيث لا يُتصوَّر تاركُ الحياء مؤمناً وهو وقحٌ غارقٌ في الحرام والشُّبهات، متنكب عن طريق أهل الإيمان… ولا يُتصور المؤمن إلاّ حيِيّاً “فالله يُحبُّ الحييَّ المتعفِّف، ويُبغض البذيء السائل الملحف”6 والنصوص في ذلك مستفيضة إلى درجة أن ذكرها بحاجة إلى كلام مستقل، ونكتفي ببعضها:
ورد عن علي (ع): “كثرة حياء الرجل دليل على إيمانه”7.
وعن الصادق(ع): “لا إيمان لِمَنْ لا حياء له”8.
وعن الباقر (ع): “الحياء والإيمان مقرونان في قرن، فإذا ذهب أحدهما تبعه صاحبه”9.
أين يتأكد الحياء؟
رأينا في ما تقدم أن الحياء مطلوب دوماً ومن الجميع وبدون إستثناء، إلاّ أنَّه يكون اكيد للنساء على وجه الخصوص، وعند العيب، وعند الشيب، ومَنْ كان له شأنٌ بين الناس، وعند الشيء الذي يُذكِّر بالموت…. وأن يستحي المرءُ من نفسه، فكيف من الناس ومن نبيِّه ومن إلهه عزَّ وجل؟
ورد عن مولانا رسول الله (ص): “الحياء عشرة أجزاء، فتسعة في النساء وواحد في الرجال”10.
إذا لم تستحِ فاعملْ ما شئت
تبقى الإشارة إلى أنَّ الكلمة المشهورة “إذا لم تستحِ فاعملْ ما شئت” إنَّما هي حديث شريف مروي بطرق مختلفة11 وجرى مجرى المثل بين النّاس12.
- 1. بحار الأنوار، ج71، ص335.
- 2. ميزان الحكمة، ج2، الحديث 4552.
- 3. القران الكريم: سورة القصص (28)، الآية: 25، الصفحة: 388.
- 4. ميزان الحكمة، ج2، الحديث 4581.
- 5. بحار الأنوار، ح78، ص200.
- 6. بحار الأنوار، ج71، ص271.
- 7. غرر الحكم.
- 8. بحار الأنوار، ج71، ص331.
- 9. المصدر نفسه، ج78، ص177.
- 10. ميزان الحكمة، ج2، الحديث 4603.
- 11. راجع بحار الأنوار، ج71، ص333 وما بعدها.
- 12. نقلا الموقع الرسمي لسماحة السيد سامي خضرا(حفظه الله)