نص الشبهة:
لماذا هذا الاختلاف في عدد الشهداء من اصحاب الحسين في كربلاء ؟
الجواب:
يختلف عدد الشهداء الذي يذكره المؤرخون عما يوجد في كلمات المعاصرين، فبينما تتحدث بعض الروايات التاريخية عن ما يقل عن الخمسة والسبعين مثل رواية أبي مخنف عن الضحاك المشرقي (.. وعبأ الحسين أصحابه وصلى بهم صلاة الغداة وكان معه اثنان وثلاثون فارسا وأربعون راجلا..) 1، تجد بعض المؤلفين المعاصرين يذكر رقما يصل إلى 138 شهيدا 2.ولعله يعتمد في ذلك على رواية نقلها الطبري 3 عن عمار الدهني عن الباقر عليه السلام وفيها يقول أن الحسين نزل كربلاء وضرب أبنيته وكان معه مائة راجل وخمسة وأربعون فارسا، ويتوسط بينهما العلامة شمس الدين فيفترض أن العدد هو في حوالي المئة، قال 4: وتقديرنا الخاص نتيجة لما انتهى بنا إليه البحث هو أن أصحاب الحسين الذين نقدر أنهم استشهدوا معه في كربلاء من العرب والموالي يقاربون مئة رجل أو يبلغونها وربما زادوا قليلا على المئة.
وربما يمكن تأييد ما توصل إليه شمس الدين بما ورد في نص تأريخي قديم يسبق كتب التاريخ التي تنقل عن ابي مخنف، وهو كتاب: (تسمية من قتل مع الحسين عليه السلام) 5 للفضيل بن الزبير الأسدي وهو من أصحاب الباقر و الصادق عليهما السلام، أنهم مئة وسبعة (107) وقد ذكر أسماءهم.
ويمكن تقريب العدد أيضا من خلال حساب الرؤوس التي وزعها عمر بن سعد على القبائل المشاركة فقد ذكر أنه أعطى كندة 13 رأسا، وهوازن 20، وتميم 17 رأسا وبني أسد 6 رؤوس، ومذحج 7 وأعطى باقي الناس 13.. ومجموع هذه الرؤوس يكون 76 رأسا، فإذا فرض أن بعض الرؤوس لم توزع مثلما نقل أن عشيرة الحر الرياحي قد أبعدت جنازته ـ وربما جنازة ابنه ـ عن ميدان المعركة، وأيضا كان رأس الحسين عليه السلام قد أُرسل إلى الكوفة عصر عاشوراء بيد خولى بن يزيد الأصبحي، فيكون العدد من هذه الناحية قريب الثمانين.
فإذا فرض كما يحتمل بعض، أن رؤوس الموالي لم تكن في هذه المجموعات لجهة أن أخذ الرؤوس كان لأجل الافتخار بين القبائل، ولم يكن القضاء على الموالي عامل فخر عند القبائل العربية.. لو صح هذا فإنه يرفع العدد إلى ما يقرب من المئة، نظرا لعدد الموالي الموجودين بين أنصار الحسين عليه السلام.
وهناك نقطة جديرة بالاهتمام ذكرها في (أنصار الحسين) وحاصلها أن من أسباب الاختلاف في تعداد الشهداء رضوان الله عليهم، إضافة إلى تداخل بعض الأسماء مع بعضها الآخر، وسقوط بعضها، أن شهود العيان الذين نقل عنهم المؤرخون غالبا ما كان يستخدمون التقدير بالرؤية البصرية من غير أن يقوموا بحساب الرجال وإحصائهم إحصاء دقيقا، مما يجعل إمكانية الاشتباه في التقدير كبيرة. وكذلك فإن المؤرخين ربما تحدثوا عن حالات مختلفة، فبعضهم يتكلم عن أصحاب الحسين الذين خرجوا معه من المدينة، وآخرون عن أصحابه الخارجين معه من مكة، وربما تحدثوا عن بداية نزوله إلى كربلاء في عدد كذا، والواضح أن هذه المراحل كانت تتغير فيها الأعداد، بحسب التطورات، إلى أن جاء خبر مسلم بن عقيل، وأخبر الحسين عليه السلام الأصحاب بما سيصير إليه أمرهم، واستقر هؤلاء على الشهادة انتهت حالات التغير في العدد (لجهة النقص) ولكن حصل متغير آخر وهو أن قسما من الجيش الأموي قد صاروا إلى جهة الحسين عليه السلام، وقد سبق الحديث عنهم في أحد الأجوبة الماضية 6.
- 1. الطبري 4 ـ 321.. الغريب أن الطبري ينقل هذه الرواية وقد نقل قبلها رواية عمار الدهني التي فيها أنهم كانوا قرابة المئة وخمسة وأربعين!!
- 2. قصة كربلاء ـ 421 لحجة الإسلام نظري منفرد، نقلا عن (حياة أبي عبد الله) لعماد زاده.
- 3. الطبري ج 4 ص 292 والرواية التي اعتمد عليها الطبري في أكثر من موضع، فيها أكثر من موضع حصل فيه الخبط بما لا يمكن قبوله. هذا مع غض النظر عن الجهة السندية.
- 4. أنصار الحسين: الرجال والدلالات 49 ونرى أن المؤلف قد بذل جهدا رائعا في الكتاب لتحديد العدد، ودلالاته، والكتاب حري بأن يقرأ.
- 5. نشر في مجلة تراثنا عدد 2 ـ عن مؤسسة آل البيت لإحياء التراث.
- 6. من قضايا النهضة الحسينية، (أسئلة و حوارات): الجزء الثاني.