مهما حاولنا أن نتحدث عن السيدة فاطمة الزهراء (ع) فلن نستطيع أن نحيط بعظمة تلك الشخصية النورانية التي كانت واسطة العقد بين النبوة والإمامة لأنها بنت النبي (ص)، وزوج الوصي، وأم الأئمة الإثني عشر الأطهار (ع).
وقد ورد في حقها من الأحاديث عن النبي الأكرم (ص) ما يدل على عظيم منزلتها وكبير قدرها عند الله ونبيه (ص) والأئمة (ع) والأمة الإسلامية، ومن نماذج تلك الأحاديث:
1- خرج النبي (ص) وهو آخذ بيد فاطمة، فقال: (من عرف هذه عرفها، ومن لم يعرفها فهي فاطمة بنت محمد، وهي بضعة مني، وهي قلبي، وروحي التي بين جنبي، فمن آذاها فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله).
2- عن أسامة بن زيد عن علي (ع) قال: قلت يا رسول الله أي أهلك أحبّ إليك ؟ فقال (ص) فاطمة (ع).
3- أن النبي (ص) كان إذا سافر كان آخر الناس عهداً به فاطمة، وإذا قدم من سفر كان أول من الناس عهداً به فاطمة سلام الله عليها.
بل لقد ورد في حق فاطمة أحاديث قدسية عن الله عز وجل أنزلها على رسوله الخاتم محمد (ص) الأمين جبرائيل:
1- يا محمد: (إن العلي الأعلى يقرئك السلام ويقول لك لولا علي لما خلقتك، ولو لا فاطمة لما خلقتكما).
2- يا محمد: (لو لم أخلق علياً لما كان لفاطمة ابنتك كفو على وجه الأرض، آدم فما دونه).
ومع كل هذه المنزلة الرفيعة للزهراء (ع) والمقام السامي الذي لا ترقى إليه امرأة أخرى حتى كان لقبها بسيدة نساء العالمين، نجد أنه بعد رحيل رسول الله (ص) إلى ربه راضياً مرضياً مبلغاً رسالته أن البعض ممن سولت لهم أنفسهم التجرؤ على مخالفة وصية رسول الله (ص) بأن تكون الخلافة لعلي (ع) عندما أخذ البيعة منهم له في غدير (خم)، قد آذوا الزهراء (ع) وضيقوا عليها حتى منعوها من البكاء على فقد أبيها، فبنى لها الإمام علي (ع) بيت الأحزان، حيث كانت تبكي فيه، وتشتكي إلى الله الظلم والجور اللذين لحقا بها وبزوجها بعد رحيل أبيها إلى ربه عز وجل.
وأما المظالم التي وقعت على الزهراء (ع) فيمكن أن نوجزها بما يلي:
1- مصادرة ملك الزهراء (ع): والمصادرة كانت لأرض فدك التي وهبها النبي (ص) لابنته فاطمة (ع)، ولكن بعد رحيل النبي (ص) واستلام أبي بكر للخلافة أمر بوضع يد الخليفة على فدك وحرم الزهراء منها، فجاءته تطالب بحقها فأبى أن يعيدها إليها وطلب منها الشهود على ملكيتها فشهد معها أمير المؤمنين (ع) لكن أبا بكر رفض لأنه شاهد واحد ويحتاج إلى شاهد ثانٍ معه، وهذا مما يؤسف له جداً أن لا يتم قبول قول الزهراء (ع) في ملكها فدك ولا يتم قبول شهادة زوجها الإمام علي (ع).
2- إحراق بيتها (ع): وكان السبب في ذلك أن الإمام علياً (ع) رفض أن يبايع أبا بكر بالخلافة لأنه كان هو الأحق بها وفق البيعة التي تمت له في “غدير خم” لكن القوم خالفوا الوصية ودفعوا أبا بكر للخلافة، وكان هناك جماعة أخرى لم يبايعوا وكان منهم الزبير وطلحة، وكانوا قد اجتمعوا في بيت الإمام علي (ع) والسيدة الزهراء (ع) في البيت أيضاً، فبعث أبو بكر إلى عمر بن الخطاب الذهاب إلى بيت فاطمة ليأمر من فيه بمبايعة أبي بكر بالخلافة فإذا رفضوا فأمره بقتالهم، عندها جاء عمر بن الخطاب وأحضر معه حطباً ووقداً بحيث إذا امتنعوا أحرق عليهم الدار، وحين وصوله إلى البيت لقيته الزهراء (ع) وقالت له: “أتراك محرقاً عليّ بابي؟” قال عمر: “نعم، وذلك أقوى مما جاء به أبوك” أو قال كما في جواب آخر “نعم، أو تدخلوا ما دخلت فيه الأمة” من البيعة لأبي بكر، ولذا في بعض الروايات أن الإمام علياً كان يرفض المبايعة حتى رأى الدخان قد دخل بيته، مما يعني أنهم كانوا قد شرعوا بإحراق البيت ولم يقف الأمر عند حدود التهديد به فقط.
3- إسقاط جنينها “محسن” وخلاصة القصة أنه عندما جاء عمر بن الخطاب لإجبار الإمام علي (ع) على الخروج لمبايعة أبي بكر، فطرق عمر على الباب، فنادته الزهراء (ع) من خلف الباب ماذا تريد؟
فقال لها قولي لعلي بأن يخرج ويبايع فقالت له إن علياً مشغول ولن يخرج، وأرادت إغلاق الباب فما كان منه إلا أن دفع الباب لفتحه دفعاً قوياً مما أدى إلى حشر الزهراء (ع) بين الباب والجدار وكانت حاملاً بـ “محسن” فأدت تلك الضغطة القوية عليها إلى إسقاط جنينها ودخول مسمار كان في الباب بصدرها أيضاً، وهذه القصة قد نقلها مؤرخون كثر من الشيعة والسنة على حد سواء.
4- استشهاد الزهراء (ع): بسبب تلك الضغطة التي أدت إلى إسقاط محسن الجنين من بطن أمه الزهراء (ع)، فقد أدى ذلك إلى أن تمرض، وصار مرضها يشتد يوماً بعد يوم إلى أن ارتحلت عن هذه الدنيا سلام الله عليها وهي غاضبة وغير راضية عن أبي بكر وعمر، مع أنهما يعلمان أن من آذاها فقد آذى رسول الله (ص) ومن آذى النبي (ص) فقد آذى الله عز وجل، ولذا أوصت الزهراء (ع) أن لا يحضر جنازتها ودفنها كل من شارك في أذيتها، ولذلك كفنها أمير المؤمنين (ع)، ثم دفنها في الليل سراً وأخفى قبرها وكان في جنازتها خلاصة أصحاب أمير المؤمنين (ع) على قلتهم ومعه الإمامان الحسن والحسين (ع).
هذا بشكل مختصر ما جرى على الزهراء (ع) بعد رحيل رسول الله (ص) إلى ربه، وهذا إن دل على شيء فهو يدل على الحقد والضغينة والكراهية التي كانت موجودة عند بعض الناس ضد أهل البيت عموماً وعلي (ع) والزهراء (ع) خصوصاً، ولذا رفضوا إرجاع الإمامة لصاحبها المعين من الله وآذوا الزهراء (ع) وغصبوها حقها الذي ستطالبهم به يوم القيامة عند الله سبحانه الذي يعيد لكل ذي حق حقه، ويحاسب كل إنسان على ما فعله في هذه الحياة الدنيا.
فسلام الله عليك يا سيدتي ومولاتي يا زهراء، يوم ولدت، ويوم استشهدت، ويوم تبعثين حية عند الله، ورزقنا الله شفاعتك وشفاعة أبيك وأبنائك الأئمة المعصومين (ع)1.
- 1. نقلا عن الموقع الرسمي لسماحة الشيخ محمد توفيق المقداد حفظه الله.