مقالات

شكر النعم

قال تعالى: «وَقالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى‏ والِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ» (سورة النمل 19)

الإيزاع الإلهام.

تبسم سلـيـمان(عليه السلام)مبتهجا مسرورا بما أنعم الله تعالى عليه حتى أوقفه هذا الموقف وهي النبوة والعلم بمنطق الحيوان والملك والجنود من الجن والإنس والطير فسأل الله أن يلهمه شكر نعمته وأن يعمل بما فيه رضاه سبحانه.

وقد جعل الشكر للنعمة التي أنعم الله تعالى بها على نفسه مختصة به، وللنعمة التي أنعم بها على والديه فإن الإنعام على والديه إنعام عليه بوجه لكونه منهما وقد أنعم الله تعالى على أبيه داود بالنبوة والملك والحكمة وفصل الخطاب وغيرها وأنعم على أمه حيث زوجها من داود النبي ورزقها سليمان النبي وجعلها من أهل بيت النبوة.                        

وفي كلامه هذا دليل على أن والدته من أهل الصراط المستقيم الذين أنعم الله عليهم و هم إحدى الطوائف الأربع المذكورين في قوله تعالى: «الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ» (سورة النساء 69).

وقوله: «وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ» عطف على قوله: «أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ» ومسألته هذه: «أوزعني أن أشكر»، أمر أرفع قدرا وأعلى منزلة من سؤال التوفيق للعمل الصالح فإن التوفيق يعمل في الأسباب الخارجية بترتيبها بحيث توافق سعادة الإنسان والإيزاع الذي سأله دعوة باطنية في الإنسان إلى السعادة، وعلى هذا فليس من البعيد أن يكون المراد به الوحي الذي أكرم الله به إبراهيم و آله فيما يخبر عنه بقوله:

 «وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْراتِ» (سورة الأنبياء 73) ، وهو التأييد بروح القدس على ما مر في تفسير الآية .

وقوله: «وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبادِكَ الصَّالِحِينَ» أي اجعلني منهم، وهذا الصلاح لما لم يتقيد بالعمل كان هو صلاح الذات وهو صلاح النفس في جوهرها الذي يستعد به لقبول أي كرامة إلهية.

ومن المعلوم أن صلاح الذات أرفع قدرا من صلاح العمل ففي قوله: «وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبادِكَ الصَّالِحِينَ» تدرج في المسألة من الأدنى إلى الأعلى وقد كان صلاح العمل منسوبا إلى صنعه واختياره بوجه دون صلاح الذات ولذا سأل صلاح الذات من ربه ولم يسأل نفس صلاح العمل بل أن يوزعه أن يعمل.

وفي تبديله سؤال صلاح الذات من سؤال أن يدخله في عباده الصالحين إيذان بسؤاله ما خصهم الله به من المواهب وأغزرها العبودية وقد وصفه الله بها في قوله:

 «نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ» (سورة ص 30) .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى