نص الشبهة:
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم..
قال الله تعالى:﴿ وَأُوحِيَ إِلَىٰ نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ * وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ * وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ قَالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ * فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ ﴾ ﴿ قَالَ رَبِّ انْصُرْنِي بِمَا كَذَّبُونِ *فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا فَإِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ فَاسْلُكْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ * فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ فَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانَا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ﴾ـ ما هو فحوى الخطاب الذي قال الله لنبيه نوح عليه السلام أن لا يخاطبه به؟ ـ هل هو كما قال العلماء والمفسرون رضوان الله عليهم بأن ذلك:
- أي: لا تسألني العفو عن هؤلاء الذين كفروا من قومك، ولا تشفع لهم، فإنهم مغرقون عن قريب. وهذا غاية في الوعيد كما يقول الملك لوزيره: لا تذكر حديث فلان بين يدي. وقيل: «إنه عنى به امرأته وابنه، وإنما نهاه عن ذلك ليصونه عن سؤال ما لا يجاب إليه، وليصرف عنه مأثم الممالأة للطغاة» مجمع البيان ج5 ص271.
- «نهي لنوح عليه السلام أن يراجع الله تعالى ويخاطبه ويسأله في أمرهم بأن يمهلهم، ويؤخر إهلاكهم، لأنه حكم بإهلاكهم وأخبر بأنه سيغرقهم، فلا يكون الأمر بخلاف ما أخبر به. ويجوز الأمر بما علم أنه لا يكون، ولا يجوز أن يدعو بما يعلم أنه لا يكون، لأن في ذلك إيهاماً بأنه لا يرضى باختياره، وليس كذلك الأمر، لأنه يتناول من يجوز عليه هذا المعنى» التبيان ج5 ص482. نتساءل أياً من هذه الوجوه ترجحون؟ أو أن هناك وجهاً آخر تقولون به؟
ألا يحتمل أن يكون فحوى هذا الخطاب «تكريميّاً» ، فنُزّل النبي نوح عليه السلام منزلة المتردد في شأن أنه هل حق على قومه نزول العذاب، مما يستدعي ـ هذا التردد ـ من النبي نوح عليه السلام أن يكرّر ويلحّ في دعائه وطلبه في إنزال العذاب على قومه، فأكد الله له أن العذاب وقع لا محالة فلا يخاطبه في إنزال العذاب عليهم مرة أخرى لأنه قد استجاب عز وجل له دعاءه وتحقق طلبه في نزول العذاب؟
الجواب:
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. وبعد..
فقد كان النبي نوح عليه السلام قد طلب من الله تعالى أن لا يدع من الكافرين دياراً، بعد أن يئس منهم، وأحس بخطرهم، قال تعالى حكاية عنه :﴿ قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا * فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا * وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا * ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا * ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا ﴾ 1
إلى أن يقول :﴿ وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيرًا وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا ضَلَالًا * مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْصَارًا * وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا * إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا ﴾ 2.
نعم.. إنه عليه السلام يدعو عليهم، رغم أنه يتألم لهم وتذهب نفسه حسرات عليهم، تماماً كما هو الحال بالنسبة لنبينا الأعظم صلى الله عليه وآله، الذي خاطبه الله بقوله: ﴿ … فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ … ﴾ 3
وبقوله :﴿ فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَىٰ آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَٰذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا ﴾ 4
فجاء قول الله سبحانه للنبي نوح عليه السلام:﴿ … وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ ﴾ 5… من أجل التخفيف عنه، وليؤكد له، كما أكد للنبي محمد صلى الله عليه وآله.. أن هؤلاء قد قضي الأمر فيهم، ولم تعد تنفعهم الشفاعات.. فجاء هذا التأكيد بطريقة تستبطن التهديد القوي، الذي يقطع أي أمل لهم بالنجاة من عذاب الخزي، بعد أن انقطعت عنهم الشفاعات عند الله، حتى شفاعة أقرب الناس إليه، وأعزهم عليه، وأقربهم زلفة منه، وأجلهم لديه، فإذا لم تعد شفاعة النبي نوح عليه السلام محتملة، وقد منعت بقرار إلهي، حاسم، فهل تنفعهم شفاعة العصاة الأبعدين؟!..
وعلى هذا الأساس، فإن عليهم أن لا يفكروا في أن بإمكانهم إرضاء النبي نوح عليه السلام أو الضغط عليه، أو إغراء غيره بالشفاعة لهم، والتوسط لرفع العذاب عنهم..
والحمد لله، والصلاة والسلام على رسوله محمد وآله الطاهرين..
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته 6..
- 1. القران الكريم: سورة نوح (71)، الآيات: 5 – 9، الصفحة: 570.
- 2. القران الكريم: سورة نوح (71)، الآيات: 24 – 27، الصفحة: 571.
- 3. القران الكريم: سورة فاطر (35)، الآية: 8، الصفحة: 435.
- 4. القران الكريم: سورة الكهف (18)، الآية: 6، الصفحة: 294.
- 5. القران الكريم: سورة هود (11)، الآية: 37، الصفحة: 225.
- 6. مختصر مفيد.. (أسئلة وأجوبة في الدين والعقيدة)، السيد جعفر مرتضى العاملي، «المجموعة الثامنة»، المركز الإسلامي للدراسات، الطبعة الأولى، 1424 هـ ـ 2004 م، السؤال (453).