قال الملاّ جلال الدين السيوطيّ :
أنشد أبو الأسود الدؤليّ في رثاء عليّ رضي الله عنه:
أَلاَ يَا عَيْنُ وَيْحَكِ أَسْعِدِينَا ***** أَلاَ تَبْكِي [١] أَمِيرَ المُؤْمِنِينَا
وَتَبْكِي أُمُّ كُلْثُومٍ عَلَيْهِ ***** بِعَبْرَتِهَا وَقَدْ رَأَتِ اليَقِينَا
أَلاَ قُلْ لِلْخَوَارِجِ حَيْثُ كَانُوا ***** فَلاَ قَرَّتْ عُيُونُ الحَاسِدِينَا
أَفِي الشَّهْرِ الصِّيَامِ فَجَعْتُمُونَا ***** بِخَيْرِ النَّاسِ طُرَّاً أَجْمَعِينَا
قَتَلْتُمْ خَيْرَ مَنْ رَكِبَ المَطَايَا ***** وَذَلَّلَهَا وَمَنْ رَكِبَ السَّفِينَا
وَمَنْ لَبِسَ النِّعَالَ وَمَنْ حَذَاهَا ***** وَمَنْ قَرَأَ المَثَانِي وَالمُبِينَا [٢]
وَكُلُّ مَنَاقِبِ الخَيْرَاتِ فِيهِ ***** وَحِبُّ رَسُولِ رَبِّ العَالَمِينَا
لَقَدْ عَلِمَتْ قُرَيْشٌ حَيْثُ كَانَتْ ***** بِأَ نَّكَ خَيْرُهُمْ حَسَباً وَدِينَا
إذَا اسْتَقْبَلْتُ وَجْهَ أَبِى حُسَيْنٍ ***** رَأَيْتُ البَدْرَ فَوْقَ النَّاظِرِينَا
وَكُنَّا قَبْلَ مَقْتَلِهِ بِخَيْرٍ ***** نَرَى مَوْلَى رَسُولِ اللَهِ فِينَا [٣]
يُقِيمُ الحَقَّ لاَ يَرْتَابُ فِيهِ ***** وَيَعْدِلُ فِي العِدَى وَالاَقْرَبِينَا
وَلَيْسَ بِكَاتِمِ عِلْماً لَدَيْهِ ***** وَلَمْ يُخْلَقْ مِنَ المُتَكَبِّرِينَا
كَأَنَّ النَّاسَ إذْ فَقَدُوا عَلِيَّاً ***** نَعَامٌ حَارَ فِي بَلَدٍ سِنِينَا
فَلاَ تَشْمَتْ مُعَاوِيَةُ بْنَ صَخْرٍ ***** فَإنَّ بَقِيَّةَ الخُلَفَاءِ فِينَا [٤]
———————————————————————-
[١] . تبكي فعل مضارع. ولمّا كانت صيغة المونّث المخاطب يجب أن تكون تبكين بالنون، ولا يصحّ إسقاط النون في العربيّة لضرورة شعريّة فالصحيح أنّ الفعل كان في النسخة الاصليّة فابكي أو نبكي.
[٢] . في هذه النسخة من (تاريخ الخلفاء): (المبين). وفي نسخة السيّد حسن الصدر في (تأسيس الشيعة لعلوم الإسلام) ص ٤٥. نقلاً عن الزمخشريّ: المثينا بالثاء المثلّثة. ولكنّ الاظهر هو أنّ فيها تحريفاً، وأصلها المئينا. والسور المبين معروفة في القرآن الكريم ومشهورة عند أهل القراءة والتفسير. وهي السور التي تبلغ قرابة مائة آية.
[٣] . إشارة إلى قول رسول الله صلّى الله عليه وآله: مَن كنت مولاه فعليّ مولاه.
[٤] . (تاريخ الخلفاء) ص ١٨٦ و ١٨٧. الطبعة الرابعة، تحقيق محمّد محيي الدين عبد الحميد.
روي في (تأسيس الشيعة لعلوم الإسلام ص ٤٥) عن الزمخشريّ أنّه لمّا بلغ أبا الاسود الدؤليّ قَتْل أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام بكى حتّى اختلفت أضلاعه وأنشأ هذه الابيات. وذكر الزمخشريّ ستّة أبيات منها. ثمّ قال المرحوم الصدر: وقد حكاها ابن الاثير في (الكامل)، وابن الصبّاغ المالكيّ في (الفصول المهمّة) وغيرهما أيضاً عن أبي الاسود في رثاء أمير المؤمنين عليه السلام.
وقال في (أقرب الموارد): النعامة جمعها نَعام.. ويضرب بجنس النعام المثل في الإجفال، ومنه: (وأجفلت نحوها إجفال النعامة). قيل: النعامة أشدّ الاشياء نفاراً، ولهذا قيل للرجـل إذا فزع من شيء وارتحل أو مات: (نَفَـرَتْ نعامـته)، ويقال للمنهـزمين: (أضحوا نعاماً).
المصدر: http://arabic.balaghah.net