نص الشبهة:
جاء التعبير بأنّه تعالى أحسنُ الخالقينَ في موضعَينِ من القرآن (المؤمنون 23 : 14 ، والصّافات 37 : 125 .) ممّا يشير بأنّ هناك خالقينَ سوى اللّه ليكون هو أحسنهم !! في حين أنّه تعالى ينفي بكلّ شدّةٍ أن يكون خالقٌ غيره إطلاقاً وأنّه خالق كلّ شيء ولا خالق سواه ، فما وجه التوفيق ؟
الجواب:
غير أنّ الخَلق بمعنى الإبداع وإيجاد الصورة بالتركيب الصناعي أمرٌ يَعمّ ، فقد حكى اللّه عن المسيح : ﴿ … أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللّهِ … ﴾ 1 ، وقوله : ﴿ … وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي … ﴾ 2 ، والخَلق ـ في كلام العرب ـ ابتداع الشيء ، وإنّما يخصّه تعالى إذا كان إنشاءً لا على مِثال سَبَقَه ، وكلّ شيءٍ خَلقه اللّه فهو مٌبتَدِؤه على غير مِثال سَبَق إليه ، ﴿ … أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ … ﴾ 3 .
قال ابن الأنباري : الخَلق في كلام العرب على وجهَينِ : أحدهما الإنشاء على مِثال أَبدَعَه ، والآخر التقدير ، وقوله تعالى : ﴿ … فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ﴾ 4 معناه : أحسنُ المقدِّرينَ ، وكذلك قوله تعالى : ﴿ … وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا … ﴾ 5 أي تقدّرون كَذِباً .
قال ابن سيده : خَلَق اللّهُ الشيء يخلُقه خَلقاً : أحدثه بعد أنْ لم يكن.
قال ابن منظور : والخَلق التقدير ، وخَلق الأَديمَ يَخلقه خَلقاً : قدّره لِما يُريد قبل القطع ، وقاسَه ليَقطع منه مَزادةً أو قِربةً أو خفّاً ، قال زهير بن أبي أسلمي يَمدح رجلاً :
ولأَنت تَفري ما خَلقتَ وبعضُ *** القومِ يَخلقُ ثُمّ لا يفري
يعني : أنت إذا قدّرت أمراً قطعته وأَمضَيته ، وغيرك يقدّر وليس بماضي العزم 6 7 .
- 1. القران الكريم : سورة آل عمران ( 3 ) ، الآية : 49 ، الصفحة : 56 .
- 2. القران الكريم : سورة المائدة ( 5 ) ، الآية : 110 ، الصفحة : 126 .
- 3. القران الكريم : سورة الأعراف ( 7 ) ، الآية : 54 ، الصفحة : 157 .
- 4. القران الكريم : سورة المؤمنون ( 23 ) ، الآية : 14 ، الصفحة : 342 .
- 5. القران الكريم : سورة العنكبوت ( 29 ) ، الآية : 17 ، الصفحة : 398 .
- 6. لسان العرب ، مادّة ( خلق ) .
- 7. شُبُهَات و ردود حول القرآن الكريم ، تأليف : الأُستاذ محمّد هادي معرفة ، تحقيق : مؤسّسة التمهيد ـ قم المقدّسة ، الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة ص 282 .