نص الشبهة:
سؤال : هناك آيات تنصّ على أنّهم لا يَتكلّمون إلاّ صواباً: وهو قوله تعالى : ﴿ يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا لَا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَٰنُ وَقَالَ صَوَابًا ﴾ ونهوا أن يتخاصموا وهو قوله تعالى : ﴿ قَالَ لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ ﴾ . بل وختم على أفواههم لتتكلّم أيديهم وتشهد أرجُلُهم بما كانوا يكسبون: وهو قوله تعالى : ﴿ الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَىٰ أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ . الأمر الّذي يتنافى وقوله تعالى فيهم بأنّهم قالوا واللّه ما كنّا مشركين (وهو قوله تعالى : ﴿ وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا أَيْنَ شُرَكَاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ * ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ ﴾ . فإنّه قول كَذِب بل ويمين كاذبة وقد أُذنوا بالتكلّم به ! وكذا مع قوله : ﴿ إِنَّ ذَٰلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ النَّارِ ﴾ . وقوله : ﴿ … ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا … ﴾ ، فقد تخاصموا لديه تعالى رُغم منعه سبحانه من ذلك ! ثُمّ كيف يلتئم ذلك مع الختم على الأفواه ؟!
الجواب:
أولاً : إنّ مَن يتكلّم بالصواب في الآية الأُولى هم الملائكة أو المؤمنون ، والكلام الصواب هنا هي الشفاعة بالحقّ على ما ذَكَره المفسّرون ، وفي الحديث عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) وقد سُئل عن هذه الآية قال : ( نحن واللّه المأذون لهم يوم القيامة ، والقائلون صواباً : نُمجّد ربّنا ونُصلّي على نبيّنا ونَشفع لشيعتنا ) 1 .
وثانياً : مواطن القيامة متفاوتة ومواقفها متنوّعة ، فقوله ﴿ … لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ … ﴾ 2 خطاب إلى الكَفّار العنيد وقرينه الشيطان الذي أغواه ، حيث يقول الشيطان : ﴿ … رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِن كَانَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ ﴾ 3 ، ويحاول الكافر أنْ يَجعل اللّوم على الّذي أغواه ، فكان النهي موجّهاً إليهم : لا تختصموا لديَّ بل اجعلوا بأسَكم بينكم فليس منعاً عن التخاصم على الإطلاق .
غير أنّ هذا التخاصم والتشاجر والمنع منه لديه سبحانه إنّما هو بعد الفراغ من الحساب وفي مقام الاعتذار بعد الاعتراف بالاقتراف ، أمّا الختم على الأفواه فهو عند الحساب وفي أثنائه حيث يحاولون الإنكار رأساً ، فتتكلّم أيديهم وتشهد أرجُلُهم بما اقترفوه ، فالمَواطن مُختلفة والمواقف متعدّدة :
فالموطن الأَوّل : موطن المُداقّة في الحساب ، ( يختم على أفواه أهل الإلحاد والإنكار ) .
والموطن الثاني : موطن الفراغ من الحساب ، ( يتخاصم فيه أهل النار ) .
والموطن الثالث : موطن الشفاعة لأهل الإيمان ، ( موطن النُطق بالصواب ) .
ولكلِّ موطن مناسبتُه وشأنُه .
هكذا يُحمل على اختلاف المواطن ما وَرَد من قوله ﴿ وَلَا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ ﴾ 4 ، مع قوله : ﴿ يَوْمَ لَا يَنفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ … ﴾ 5 ، وقوله ﴿ فَيَوْمَئِذٍ لَّا يَنفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ … ﴾ 6 7 .
- 1. رواه العيّاشي حسبما ذكره الطبرسي في مجمع البيان ، ج10 ، ص427 .
- 2. القران الكريم : سورة ق ( 50 ) ، الآية : 28 ، الصفحة : 519 .
- 3. القران الكريم : سورة ق ( 50 ) ، الآية : 27 ، الصفحة : 519 .
- 4. القران الكريم : سورة المرسلات ( 77 ) ، الآية : 36 ، الصفحة : 581 .
- 5. القران الكريم : سورة غافر ( 40 ) ، الآية : 52 ، الصفحة : 473 .
- 6. القران الكريم : سورة الروم ( 30 ) ، الآية : 57 ، الصفحة : 410 .
- 7. شُبُهَات و ردود حول القرآن الكريم ، تأليف : الأُستاذ محمّد هادي معرفة ، تحقيق : مؤسّسة التمهيد ـ قم المقدّسة ، الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة ص 267 ـ 268 .