نص الشبهة:
وقد روى الحاكم ، عن عائشة ، قالت : أول حجر حمله النبي «صلى الله عليه وآله» لبناء المسجد ، ثم حمل أبو بكر حجراً آخر ، (ثم حمل عمر) (الزيادة من تلخيص المستدرك .) ، ثم حمل عثمان حجراً آخر . فقلت: يا رسول الله ، ألا ترى إلى هؤلاء كيف يساعدونك ؟ . فقال : يا عائشة ، هؤلاء الخلفاء من بعدي . هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ، ولم يخرجاه (مستدرك الحاكم ج3 ص96 و97 وتلخيصه للذهبي بهامشه ، وراجع : وفاء الوفاء ج1 ص332 و333 و351 وراجع ص251 ، والبداية والنهاية ج3 ص218 ، وج6 ص204 مصرحا بأن ذلك كان في مسجد المدينة ، والسيرة الحلبية ج2 ص56 و66 ، وتاريخ الخميس ج1 ص344 و343 ، ودلائل النبوة للبيهقي ج2 ص272 .) .
الجواب:
ولكن هذه الرواية لا يمكن أن تصح ، فعدا عن تناقض واختلاف نصوصها كما لا يخفى على من راجعها في المصادر المختلفة وقارن بينها ، فإننا نذكر :
أولاً : قال الذهبي ، بعد أن ضعف سند الحديث : «لو صح هذا لكان نصاً في خلافة الثلاثة ، ولا يصح بوجه ، فإن عائشة لم تكن يومئذ دخل بها النبي «صلى الله عليه وآله» ، وهي محجوبة صغيرة ، فقولها هذا يدل على بطلان الحديث» 1 .
ولنا تحفظ على قوله : إنها كانت صغيرة ، ذكرناه في موضع آخر من هذا الكتاب .
وقال ابن كثير : «هذا الحديث بهذا السياق غريب جداً» 2 .
ثانياً : وفي مقام الإشكال على حديث سفينة : في أحجار الخلافة المتقدم 3 قال البخاري في تاريخه : «ابن حبان لم يتابع على الحديث المذكور لأن عمر وعثمان ، وعلي (كذا) قالوا : لم يستخلف النبي «صلى الله عليه وآله» 4 .
لقد قالت عائشة : «لو كان رسول الله «صلى الله عليه وآله» مستخلفاً لاستخلف أبا بكر وعمر» و صححه الحاكم والذهبي 5 .
يريد البخاري : أن هذا الحديث يخالف عقيدة أهل السنة في كون النبي «صلى الله عليه وآله» لم ينص ، ولم يستخلف ، وبهذا يصححون خلافة أبي بكر التي جاءت بطريقة غير طبيعية ولا مألوفة .
وقد ذكر العلامة الأميني 6 : طائفة كبيرة من كلماتهم الدالة على أن الخلافة انتخابية ، فهذه الرواية تكون كاذبة على مذهبهم ، وهي كاذبة واقعا أيضاً ، لأنه «صلى الله عليه وآله» إنما نص على أمير المؤمنين علي «عليه السلام» خليفة بعده ، والنصوص الدالة على ذلك لا تكاد تحصى ، وقد استدل بذلك أمير المؤمنين وصحبه ، وأهل بيته وولده ، وشيعته من الصحابة والتابعين ، ومن بعدهم ، وإلى يومنا هذا ، ولا يكاد يخلو كتاب من تلك النصوص المتضافرة والمتواترة ، جملة وآحاداً 7 .
ثالثاً : إن هذه الرواية تذكر عثمان في جملة الواضعين للأحجار الأولى ، ولكن عثمان ـ كما يقولون ـ كان حينئذٍ في الحبشة ، كما أشار إليه السمهودي ولم يكن حاضراً في المدينة ، ولأجل ذلك حذف السهيلي عثمان من الرواية 8 .
تحريف في مستدرك الحاكم
ولعل هذا هو السر في حذفها تبرعاً من نص الحاكم ، حين طبع كتابه ، لأن الذهبي ذكرها في تلخيصه ، وهذا يعد من التحريف الذي هو خيانة حقيقية للدين وللأمة وللأجيال .
والخلاصة : أن عثمان وإن قدم مكة حين بلغهم إسلام أهل مكة ، لكنهم لما تبين لهم خلاف ذلك ، رجع عدة منهم وبقي عدة ، ويبدو أن عثمان قد كان من جملة من رجع كما يدل عليه قولهم : إن عثمان قد هاجر الهجرتين إلى الحبشة 9 .
وذكر العسقلاني : أنه بعد أن سمع المسلمون الذين في الحبشة بهجرته «صلى الله عليه وآله» إلى المدينة ، عاد منهم ثلاثون إلى مكة ومنهم ابن مسعود ، الذي وصل المدينة في حين كان «صلى الله عليه وآله» يتجهز إلى بدر . . 10 .
ولكن لا ندري كيف يصح كلام العسقلاني هذا ؛ إذ ما هو السبب في عودتهم إلى مكة ، مع أن النبي «صلى الله عليه وآله» قد تركها إلى المدينة!! إلا أن يكون هو إرادة الحصول على أموالهم ، وهو بعيد 11 .
- 1. تلخيص المستدرك للذهبي ، المطبوع بهامش مستدرك الحاكم ج3 ص97 .
- 2. البداية والنهاية ج3 ص218 .
- 3. مستدرك الحاكم ج3 ص13 .
- 4. السيرة الحلبية ج2 ص66 .
- 5. مستدرك الحاكم ج3 ص78 .
- 6. راجع : الغدير ج5 ص357 ـ 375 .
- 7. راجع على سبيل المثال : الغدير ج1 ص195 ـ 213 .
- 8. راجع وفاء الوفاء ج1 ص252 .
- 9. راجع : طبقات ابن سعد ج1 قسم1 ص138 ، والكامل لابن الأثير ج3 ص185 ، وفي البدء والتاريخ ج5 ص17 : أن رقية زوجة عثمان أسقطت علقة في السفينة في هجرتها الأولى إلى الحبشة .
- 10. فتح الباري ج7 ص145 .
- 11. الصحيح من سيرة النبي الأعظم (صلى الله عليه و آله) ، العلامة المحقق السيى جعفر مرتضى العاملي ، المركز الإسلامي للدراسات ، الطبعة الخامسة ، 2005 م . ـ 1425 هـ . ق ، الجزء الخامس .