نص الشبهة:
يدعي الشيعة أن معاوية « رضي الله عنه » كان كافراً مرتداً! ، ويلزمهم لو كان الأمر كما يقولون : القدح في علي وابنه الحسن « رضي الله عنهما » ، وتوضيح هذا : أن يكون عليٌّ مغلوباً من المرتدين ، وأن الحسن قد سلم أمر المسلمين إلى المرتدين . بينما نجد أن خالد بن الوليد قد حارب المرتدين زمن أبي بكر وقهرهم ، فيكون نصر الله لخالد على الكفار أعظم من نصره لعلي! والله سبحانه وتعالى عدل لا يظلم واحداً منهما ، فيكون أفضل عند الله منه . بل إن جيوش أبي بكر وعمر وعثمان ونوابهم كانوا منصورين على الكفار ، بينما علي عاجز عن مقاومة المرتدين! أيضاً : فإن الله سبحانه وتعالى يقول : ﴿ وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ ، ويقول : ﴿ فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ ﴾ ، وعلي « رضي الله عنه » دعا معاوية إلى السلم في آخر الأمر لما عجز عن دفعه عن بلاده ، وطلب منه أن يبقى كل واحد منهما على ما هو عليه . . فإن كان أصحابه مؤمنين وأولئك مرتدين ـ كما تزعم الشيعة ـ وجب أن يكون أصحابه هم الأعلون ، وهو خلاف الواقع!
الجواب:
بسم الله الرحمن الرحيم
وله الحمد ، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين . .
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته . .
وبعد . .
فإننا نجيب بما يلي :
أولاً : إن معاوية قد حارب إمامه ، وقُتِلَ في تلك الحرب ـ كما قالوا ـ سبعون ألفاً . . ومن بينهم من قال فيه رسول الله « صلى الله عليه وآله » : تقتلك الفئة الباغية ، وهو عمار بن ياسر الذي كان مع علي « عليه السلام » . وقَتَلَ معاوية أيضاً الصحابي الجليل حجر بن عدي ومن معه صبراً ، ودس السم للإمام الحسن « عليه السلام » . . وجاء بالجيوش الجرارة لحربه « عليه السلام » ، إلى غير ذلك من العظائم والجرائم التي لا يقرها عقل ، ولا يرضاها دين ولا وجدان .
وقد صرح القرآن : بأن من يقتل مؤمناً فجزاؤه جهنم خالداً فيها ، فكيف بمن قتل عشرات الألوف من المسلمين والمؤمنين ؟! وأضاف إلى ذلك قتل إمامه ، يعني الإمام الحسن « عليه السلام » أيضاً ؟!
هذا ما يقوله الشيعة في حق معاوية الذي يعترف علماء الأمة ، وفقهاؤها : بأنه رأس البغاة . . وقالوا : لو لم يحارب علي « عليه السلام » البغاة ، لم يعرف الفقهاء أحكام البغاة 1 .
ثانياً : إن المطلوب هو العمل بالتكليف الشرعي ، ولا ينظر إلى النتائج ، ما دام أن الحرب واجبة عليه ، وقد قام « عليه السلام » بواجبه .
ثالثاً : لم يستطع أي من البغاة تحقيق نصر على أمير المؤمنين« عليه السلام » . . أما بالنسبة للناكثين ، فالأمر واضح . . أما بالنسبة للقاسطين ، فإن علياً « عليه السلام » بالرغم من خيانة من عرفوا بالخوارج ، وخروجهم معه على أبسط قواعد الشرع والدين ، استطاع أن يضطر معاوية إلى التوسل بالحيل ، للتخلص من جحيم الحرب الباغية التى أثارها .
وحين خان أبو موسى الأشعري دينه ، وإمامه ، وذمته ، وخاس بعهوده ، فإن علياً « عليه السلام » لم يتراجع ، بل يبقى مصمماً على حرب القاسطين ، وكان أبو موسى هو الذي تحمل مسؤولية ما أقدم عليه . ولا يصح عدّ ذلك نصراً لمعاوية بأي حال ، ما دام أنه عمل خياني لله ، ولرسوله ، ولدينه ، وللمسلمين . .
رابعاً : إن خالد بن الوليد لم يحارب المرتدين . . كما أوضحناه في إجابتنا على سؤال آخر . . لأن الذين ادعوا النبوة وارتدوا عن الإسلام ، كانت ردتهم في عهد رسول الله « صلى الله عليه وآله » وحسم أمر أكثرهم في عهده « صلى الله عليه وآله » ، ولم تكن الجموع التي حشدوها بالتي تشكل خطراً ، أو تترك أثراً ، وأين منه خطر الناكثين والقاسطين . . وعدتهم وعددهم ؟!
وأما مانعوا الزكاة ، ـ كما ادعوه عليهم ـ فكانوا مسلمين غدر بهم خالد ، واعتذر عن قتلهم أبو بكر ، وأرجع السبي وعرض الدية على أخي مالك . . وكانوا جماعة صغيرة لم تكن تشكل أي خطر ، بل لم تكن بصدد الحرب أصلاً ، كما أظهرته النصوص التي عرضت في كتاب : الصحيح من سيرة الإمام علي « عليه السلام » . . فراجع . . فلا يصح اعتبارها مصداقاً لانقلاب الصحابة على الأعقاب . .
خامساً : لوكان الانتصار الذي سجله خالد على من اتهموا بالإرتداد معياراً للعدل والظلم الإلهي ، لوجب أن يكون نصر خالد أعظم عند الله ، من نصر الله تعالى لرسوله « صلى الله عليه وآله » الذي تقولون : إن المسلمين معه قد هزموا في أحد ، وفي حنين ، ومؤتة ، وحتى في بعض الحملات على حصون خيبر ، وبعض الحملات في غزوة ذات السلاسل . . والله سبحانه على حد تعبير السائل : عدل ، لا يظلم أحداً ، فهل كان خالد أفضل عند الله من رسول الله « صلى الله عليه وآله » ؟!
بل إن جيوش أبي بكر وعمر وعثمان ونوابهم كانوا منصورين على الكفار . . بينما كان رسول الله « صلى الله عليه وآله » عاجزاً عن مقاومة المشركين في أحد ، وحنين ، والكافرين في مؤتة . وكذلك الحال بالنسبة لما جرى في خيبر ، وذات السلاسل .
سادساً : قول السائل : إن علياً « عليه السلام » دعا معاوية إلى السلم في آخر الأمر لما عجز عن دفعه عن بلاده ، لا يصح ، لسببين :
أولهما : أنه « عليه السلام » لم يعجز ، بل بقي يواصل الحرب حتى ظهرت له بشائر النصر ، كما نص عليه المؤرخون . .
الثاني : أن معاوية هو الذي دعا علياً « عليه السلام » إلى السلم في آخر الأمر ، لما ظهرت بشائر نصر علي « عليه السلام » عليه كما هو مسجل عند المؤرخين . . فلماذا هذه المحاولة لتزييف التاريخ ؟!
سابعاً : بالنسبة لما سمي بالصلح بين الإمام الحسن « عليه السلام » وبين معاوية نقول :
ألف : إن تسليم الأمر من الإمام الحسن « عليه السلام » لمعاوية لم يكن بمبادرة طوعية منه « عليه السلام » ، وإنما أجبر على ذلك ، حين صار ثمن الإصرار على الإحتفاظ بالأمر هو أن ترتكب مذابح هائلة من دون نتيجة سوى المزيد من إضعاف الدين وأهله .
ب : لو كان الصلح مع معاوية في مثل هذه الظروف الصعبة يحمل معه حزازة على الإمام الحسن « عليه السلام » لكان صلح النبي « صلى الله عليه وآله » مع المشركين في الحديبية من موجبات لحوق مثل هذه الحزازة برسول الله « صلى الله عليه وآله » . .
لا سيما أنه « صلى الله عليه وآله » رضي بإعادة من أسلم ولحق بالنبي من أهل مكة إلى المشركين في مكة فاعترض عليه عمر وقال : كيف نعطي الدنية في ديننا . وهذا تسليط للمشرك على المسلم بصورة طوعية ومن القوة ، ومن دون أن يكون أجبار وإكراه ، وخوف حصول مذابح تفني جانباً من المسلمين كما هو الحال بالنسبة لمعاوية في صلحه مع الإمام الحسن « عليه السلام » .
ج : إن الإمام الحسن « عليه السلام » لم يسلم الأمر لمعاوية ، وإنما قبل بوقف الحرب معه ، وأما الأمر فكان ومعاوية هو الذي كان مستولياً عليه الأمر بالقوة والقهر . .
فلا معنى لقول السائل إن الإمام الحسن « عليه السلام » ولى كافراً أمر المسلمين . .
والصلاة والسلام على عباده الذين اصطفى محمد وآله . . 2 .
- 1. إحقاق الحق (الملحقات) ج 31 ص 359 .
- 2. ميزان الحق . . (شبهات . . وردود) ، السيد جعفر مرتضى العاملي ، المركز الإسلامي للدراسات ، الطبعة الأولى ، 1431 هـ . ـ 2010 م . ، الجزء الثاني ، السؤال رقم (79) .