نص الشبهة:
هل للعولمة تأثير على حركة ظهور الإمام المهدي ( عجل الله فرجه )؟
الجواب:
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطاهرين . .
العولمة هي محاولة صوغ نظم وقيم جديدة يرتكز عليها النظام العالمي الذي يفكرون فيه ، وهؤلاء الذين يسعون إلى صوغ هذه النظم ، وإلى التلاعب بالقيم وإيجاد بدائل عن بعضها ، والاستغناء عن البعض الآخر ، إنما يفعلون ذلك لأهداف ترتبط بمصالحهم ، أو لأهداف فئوية ، أو طبقة بعينها . ولا يريدون للشعوب أن تعيش العالمية بالمعنى الصحيح ، لأن نظمهم وقيمهم لا تُصلح المجتمعات العالمية ولا تحل مشاكلها ، وإنما تؤثر على فطرتها ، وتنسف الكثير من القيم الحقيقية المقبولة التي من شأنها حفظ مسيرتها . حيث إن الحق هو الذي يحفظ الوجود ، وبه يتنامى الإنسان ويتكامل ، وهؤلاء الذين يسعون إلى العولمة إنما يريدون أن يُخضعوا البشرية لمجموعة نظم تسلب اختيارها ، وتجعل كل جهدها وحركتها في خدمة أهدافهم ، وتهيمن على مسيرتها ، وتمتص خيراتها وقدراتها وإمكاناتها ، وسينتج عن ذلك تخريب لفطرة الشعوب ، وبلبلة في المفاهيم ، وغياب للقيم .
وهذا الأمر يعرقل حركة الظهور ، لأن الإمام المهدي ( عجل الله فرجه ) لا بد أن يظهر في محيط قادر على احتضان حركته ، والدفاع عنها وحمايتها ، فإذا لم تكن هناك فطرة صحيحة ، وقيم واقعية إلهية ، فلا يمكن أن يوجد ذلك المجتمع الذي يحمي حركة الإمام ( عجل الله فرجه ) ويساعد على انتصارها في معركتها مع الفريق الظالم .
إذن لا بد أن يكون هناك نوع من عدم العولمة ، لتكون هناك مجتمعات قادرة على أن تنفلت من نير الاستعباد العولمي ، تتنامى ، وتتربى ، فيها كوادر وذهنيات وطموحات تتناسب مع فكر الإمام ( عجل الله فرجه ) وتوجهاته ، وتُربي له الجنود الذين سيكونون حماة دعوته .
ولكن الروايات تقول بأن الإمام ( عجل الله فرجه ) سيظهر بعد أن تُملأ الأرض ظلماً وجوراً ، وقد فسر البعض هذا الأمر بأن ظهوره ( عجل الله فرجه ) مرتبط بكثرة الفساد والظلم؟
الجواب :
الإمام المهدي ( عجل الله فرجه ) لا يخرج بطريقة المعجزة المطلقة ، بدليل أن خروجه سيترافق مع القتال والاستشهاد ، وستكون هناك حروب فيها انتصارات ، وفيها مآسي ، فلو كانت القضية قضية إعجاز إلهي لما كان تأخر الظهور إلى هذا الوقت ، ولما احتاج ( عجل الله فرجه ) إلى الحرب .
فالله تعالى يريد للناس أن يمارسوا حرياتهم واختيارهم بحيث لو أنه بقدرته الغيبية والإلهية قد سلب هذا الاختيار منهم ، لكان تعالى ظالماً لهم ( تعالى الله عن ذلك ) والله ليس بظلام للعبيد . .
لا بد للناس أن يمارسوا اختيارهم ، ولذلك فإن بعضهم يحارب الإمام ( عجل الله فرجه ) ، فلو كانت القضية غيبية ، لكانوا مُنعوا من هذه الحرب .
وأما التدخل الإلهي فإنه إن حصل ، فإنما يحصل في خارج دائرة اختيار الإنسان وليس في محيطه ، مثل التدخل الذي حصل في قضية النبي إبراهيم ( عليه السلام ) حين قال للنار : كوني برداً وسلاماً . لكنه سبحانه لم يمنع جنود النمرود من جمع الحطب ، ولم يحبس أقدامهم عن المشي في هذا السبيل ، ولم يمنعهم من إضرام النار والاتيان بالمنجنيق ، ولا من الإمساك بإبراهيم ( عليه السلام ) ، وحمله ، ووضعه ، وإرساله إلى النار .
بل اشتعلت النار ، وحصل كل شيء أرادوه ، ثم تدخل الله خارج دائرة اختيارهم ، وقال للنار : ﴿ … كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا … ﴾ 1 . .2 .
- 1. القران الكريم : سورة الأنبياء ( 21 ) ، الآية : 69 ، الصفحة : 327 .
- 2. مقالات و دراسات ، تساؤلات حول ظهور القائم الحجة ( عجل الله فرجه ) ، وعلامات آخر الزمان : مقابلة مجلة بقية الله ـ بيروت مع السيد جعفر مرتضى العاملي .