نص الشبهة:
هل يقدر اللَّه تعالى على فعل القبيح كالظلم و ما أشبه و إنّما يترك القبيح باختيار فعل الحسن ؟ أو أنّ اللَّه لا يقدر على القبيح كفعل الظلم ، و خلق شريك له تعالى . فعلى الفرض الأوّل : فقدرته على القبيح تستلزم أن تكون ذاته ـ تعالى ـ مشتملة على قابلية القبيح والشرّ ، حتّى لو لم يقم به إختياراً منه ، و وجه اللزوم وجوب السنخية بين المعلول الصادر مع العلّة الفاعلية . وعلى الفرض الثاني : يستلزم عجز اللَّه ـ تعالى ـ فهو غير قادر على الجمع بين المتناقضين ، أو على الانتحار ، أو غير ذلك من القبائح ، لعدم وجود مادّة الشرّ في ذاته ، لأنّه خيرٌ محضٌ وحسنٌ بالذات . فما هو الصواب؟
الجواب:
إنّ اللَّه تعالى قادر على كلّ شيء لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء ، إلّا أنّ شرط تعلّق القدرة بشيء هو إمكان الشيء ، فالممتنع بذاته ـ كشريك الباري ـ لا يصحّ تعلّق القدرة به ، كاجتماع النقيضين ، وليس عدم القدرة عليه إلّا من باب السالبة بانتفاء الموضوع ، ولا يٌقال في مثل ذلك أنّ اللَّه ليس بقادر .
والقبيح من الممكنات ، فالقدرةُ الإلهيّة تتعلّق به ، كما أنّ غيره تعالى قادر عليها ، فقدرته تعالى مسلّمةٌ بطريق الأولويّة القطعيٌة ، إلّا أنّ عدم تحقّق القبيح منه تعالى ليس من أجل عدم القدرة ، بل لجهة اُخرى ، وهي امتناع القبيح عليه تعالى؛ وذلك لأنّ صدوره منه ووقوعه منه يتوقّف على الإرادة ، وإرادته تعالى لأمر إنّما يكون لوجود حكمةٍ مقتضيةٍ في الشيء ، ولا مصلحة في القبيح تدعو إلى فعله ، فلا يكون له تعالى داعٍ إلى فعله .
ثمّ إنّ تحقّق القبيح إنّما يكون ممّن له حاجةٌ إليه أو رغبةٌ فيه ، وعلم اللَّه تعالى بما فيه من القبح والمفسدة صارف له تعالى عن الإقدام عليه ، وإذا لم يكن للفاعل داعٍ إلى الفعل لم يصدر منه ، كما إذا كان له صارفٌ عنه امتنع صدوره منه ، إذ الممكن يمتنع بذلك .
فعدم صدور القبيح منه ليس للعجز عنه ، بل القدرة عليه حاصلة ، وإنّما لم يصدر منه لأنّ صدوره مبنيٌّ على الجهل أو الحاجة وهما محالات على اللَّه تعالى .
ثمّ إنّ مجرّد القدرة على القبيح لا يستلزم محذور اشتمال ذاته تعالى على قابليّة القبيح ، بناء على وجوب السنخيّة بين القادر والمقدور .
فإنّ السنخيّة اللازمة إنّما هي بين المعلول الصادر من الفاعل ، وهذا إنّما يتحقّق من الفاعل المتلبّس بالفعل ، فالمحال عليه صدور الفعل ، لا القدرة عليه فالقبيحُ مقدور للَّه تعالى فليس عاجزاً عنه ، لكن لا يفعله لامتناع فعله لما ذكرنا من عدم الداعي ، ووجود الصارف ، لا للعجز وعدم القدرة .
ومن هنا ظهر بطلان قول النظّام من المعتزلة بعدم قدرة اللَّه على القبيح ، مستدلاً بأنّه لو كان قادراً لصدر عنه ، ولو صدر لكان فاعله جاهلاً محتاجاً وهو محال على اللَّه ، لثبوت كونه عالماً غنيّاً ، وإذا استحال عليه ذلك ، استحال تعلّق قدرته به .
فالجواب :
أوّلاً : أنّ مجرّد القدرة لا يستلزم صدور الفعل ،كما هو واضح .
وثانياً : أنّ ما ذكر من المحال عليه تعالى ، إنّما هو في تحقّق القبيح منه وصدوره منه ، لا في قدرته تعالى وشمولها للقبيح .
وكذلك ظهر بطلان قول الأشعريّ بتحقّق القبيح منه ، واستدلاله بثبوت قدرته تعالى عليه .
فجوابه أنّ مجرّد القدرة لا تكفي لتحقّق المقدور ما تتعلّق الإرادة ويثبت الداعي ، وقد عرفت انتفاؤهما عن اللَّه تعالى قدّس ذاته 1 .
- 1. نشرت هذه الأجابة على الموقع الرسمي للسيد محمد رضا الحسيني الجلالي تحت عنوان : الأجوبة السديدة عن اسئلة السيدة الرشيدة ، السؤال الرابع .