نص الشبهة:
قال : « وعندما نشأت فكرة تحديد عدد الأئمة ، بعد القول بوجود وغيبة الإمام الثاني عشر ( عليه السلام ) كان الشيعة الإمامية يختلفون فيما بينهم حول تحديد عددهم باثني عشر أو ثلاثة عشر ، إذ برزت في ذلك الوقت روايات تقول ، بان عدد الأئمة ثلاثة عشر ، وقد نقلها الكليني في ( الكافي ) ( ج 1 ص 534 ) و وجدت في الكتاب الذي ظهر في تلك الفترة ونسب إلى سليم بن قيس الهلالي ، حيث تقول إحدى الروايات ، ان النبي ( صلى الله عليه وآله ) قال لأمير المؤمنين ( عليه السلام ) : ( أنت واثنا عشر من ولدك أئمة الحق ) . وهذا ما دفع هبة الله بن احمد بن محمد الكاتب ، حفيد أبي جعفر محمد بن عثمان العمري ، الذي كان يتعاطى ( الكلام ) لان يؤلف كتابا في الإمامة ، يقول فيه ، ان الأئمة ثلاثة عشر ، ويضيف إلى القائمة المعروفة ( زيد بن علي ) كما يقول النجاشي في ( رجاله ) » ( قال الشيخ الطوسي في الفهرست سعد بن عبد الله القمي يكنى أبا القاسم جليل القدر واسع الاخبار كثير التصانيف ثقة وقال النجاشى : هو شيخ الطائفة فقيهها ووجهها وكان سمع من حديث العامة شيئا كثيرا وسافر في طلب الحديث لقي من وجوههم الحسن بن عرفة ومحمد بن عبد الملك الدقيقي وأبا حاتم الرازي وعباس البرقعي توفي سنة 299 وقيل مات سنة ثلاثمائة . ) .
الجواب:
أقول :
أثبت المحققون من علماء الشيعة ان تلك الروايات التي اشار اليها صاحب النشرة قد تعرضت لأخطاء غير متعمدة من النساخ الاوائل . ولم يقل أحد من الشيعة بأن الأئمة ثلاثة عشر إلا هبة الله بن احمد حفيد العمري وكان قد قال ذلك ليستميل جانب أبي شيبة الزيدي طمعا في دنياه
الرد الشبهة
في كلامه عدة مواضع للتعليق :
أولا :
قوله : ( كادت الشيعة الإمامية يختلفون فيما بينهم حول تحديد عددهم باثني عشر أو ثلاثة عشر ).
دعوى منه كاذبة . .
إذ لم يقل أحد من الشيعة / في ضوء المصادر الشيعية / بان الأئمة ثلاثة عشر إلا هبة الله بن احمد حفيد العمري وقد قال عنه النجاشي : كان يتعاطى الكلام وحضر مجلس أبي الحسين بن أبي شيبة العلوي الزيدي المذهب فعمل له كتاباً وذكر ان الأئمة ثلاثة عشر مع زيد بن علي بن الحسين واحتج بحديث في كتاب سليم بن قيس الهلالي ان الأئمة اثنا عشر من ولد أمير المؤمنين .
وحفيد العمري هذا كما قال عنه التستري ( رحمه الله ) « الظاهر ان الرجل إمامي غير ورع أراد استمالة جانب ابن أبي شيبة الزيدي بدرج زيد في الأئمة عليهم السلام لا انه زيدي وكيف يكون زيديا والزيدي لا يرى إمامة السجاد ( عليه السلام ) ومن بعده لانهم يشترطون في الإمامة الخروج بالسيف » 1 .
ثانيا :
قوله : ( إذ برزت في ذلك الوقت روايات تقول بان الأئمة ثلاثة عشر وقد نقلها الكليني في الكافي ج 1 / 534 ).
أقول :
روايات الكافي التي يفهم منها ان الأئمة بعد النبي ( صلى الله عليه وآله ) ثلاثة عشر هي خمس روايات نذكرها كما يلي :
الرواية الاولى :
رواها الكليني بسنده عن أبي سعيد العصفري عن عمرو بن ثابت عن أبي الجارود عن أبي جعفر قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) « إني واثنا عشر من ولدي وأنت يا علي زر الأرض يعني أوتادها وجبالها . . . » .
الرواية الثانية :
رواها عن أبي سعيد العصفري أيضا مرفوعا عن أبي جعفر ( عليه السلام ) قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) « من ولدي اثنا عشر نقباء نجباء محدَّثون مفهَّمون آخرهم القائم بالحق يملاها عدلاً كما ملئت جورا » .
وأبو سعيد العصفري اسمه عَبّاد له كتاب كما قال الشيخ الطوسي في الفهرست والنجاشي في رجاله وكتابه ويقال له ( أصل ) موجود كما قال صاحب الذريعة ثم وصل إلى الشيخ النوري وقال عنه ان فيه تسعة عشر حديثا ، وتوجد نسخة منه في المكتبة المركزية لجامعة طهران ضمن مجموعة بإسم الأصول الأربعمائة . وفي هذه النسخة كان لفظ الرواية الاولى كالاتي : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) « إني وأحد عشر من ولدي وأنت يا علي زر الارض . . . » ، وكان لفظ الرواية الثانية كالاتي قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) « من ولدي أحد عشر نقباء نجباء محدثون مفهمون آخرهم القائم بالحق » .
وفي ضوء ذلك فإن اللفظ الموجود في رواية الكافي خطأ من النساخ .
الرواية الثالثة :
رواها الكليني عن أبي الجارود عن أبي جعفر ( عليه السلام ) عن جابر بن عبد الله الانصاري قال : « دخلت على فاطمة ( عليها السلام ) وبين يديها لوح فيه أسماء الاوصياء من ولدها فعددت اثني عشر آخرهم القائم » .
وقد رواه الصدوق في إكمال الدين وعيون أخبار الرضا والخصال بأسانيد ولا ينقلها عن الكافي ثم يجتمع مع سند الكافي إلى جابر ثم يروي عنه انه قال : « دخلت على فاطمة ( عليها السلام ) وبين يديها لوح فيه أسماء الاوصياء فعددت اثني عشر آخرهم القائم . . . » بدون كلمة ( من ولدها ) فهي إذن زيادة من النساخ .
الرواية الرابعة :
رواها الكليني بسنده عن زرارة قال : « سمعت أبا جعفر ( عليه السلام )يقول الاثنا عشر إماماً من آل محمد ( عليهم السلام ) كلهم محدث من ولد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ومن ولد علي ( عليهم السلام ) فرسول الله وعلي هما الوالدان » .
وقد نقل هذه الرواية عن الكافي الشيخ المفيد في الارشاد والطبرسي في اعلام لورى ولفظهما : « الاثنا عشر الأئمة من آل محمد كلهم محدث علي بن أبي طالب واحد عشر من ولده ورسول الله وعلي هما الوالدان » .
وفي ضوئه يتضح ان عبارة ( علي بن أبي طالب واحد عشر من ولده ) وحرف العطف ( الواو ) بعدها قد سقطت من رواية الكليني ثم أضيفت إلى ما بعد لفظة ( رسول الله ) الاولى عبارة ( ومن ولد علي ) وهو من سهو النساخ أيضا ومثله كثير .
الرواية الخامسة :
رواها الكليني بسنده إلى أبي سعيد الخدري في قصة سؤالات يهودي ان أمير المؤمنين ( عليه السلام ) قال : « ان لهذه الامة اثني عشر أمام هدى من ذرية نبيها وهم مني » .
وقد روى مضمون هذا الخبر النعماني في كتابه الغيبة والصدوق في إكمال الدين ان أمير المؤمنين ( عليه السلام ) قال : « ان لهذه الامة اثني عشر أمام هدى وهم مني » بدون ( من ذرية نبيها ) 2 ، فهي من إضافة النساخ أيضا .
قال العلامة العسكري :
« ومع تسلسل الاسناد في جوامع الحديث بمدرسة أهل البيت ( عليهم السلام ) إلى رسول الله فان فقهاء مدرستهم لم يسموا أي جامع من جوامع الحديث لديهم بالصحيح كما فعلته مدرسة الخلفاء حيث سمت بعض جوامع الحديث لديهم بالصحاح ولم يحجروا بذلك على العقول ولم يوصدوا باب البحث العلمي في عصر من العصور وإنما يعرضون كل حديث في جوامعهم على قواعد دراية الحديث لان رواة تلك الاحاديث غير معصومين عن الخطأ والنسيان اللذين يعرضان على كل بشر لم يعصمه الله وفعلا وقع الخطأ في أشهر كتب الحديث بمدرسة أهل البيت ( عليهم السلام ) وهو كتاب الكافي . مثل ما ورد في الاحاديث المرقمة 7 ، 9 ، 14 ، 17 ، 18 من كتاب الحجة في الكافي باب النص على الأئمة الاثني عشر » ، ثم فصل البحث فيها بما نقلناه عنه مختصراً آنفاً .
ثالثا :
قول صاحب النشرة : ( ووجدت روايات يفهم منها ان الأئمة بعد النبي ثلاثة عشر في الكتاب الذي ظهر في تلك الفترة ونسب إلى سليم بن قيس منها ان النبي ( صلى الله عليه وآله ) قال لاميرالمؤمنين ( عليه السلام ) انت واثنا عشر من ولدك أئمة الحق .
أقول :
قد عدَّ ابن الغضائري وجود هذه الرواية في كتاب سليم بن قيس إحدى العلامات على وضعه وأجاب عنه العلامة التستري بقوله « انه من سوء تعبير الرواة وإلا فمثله في الكافي أيضاً موجود » ثم ساق الروايات الخمس التي أوردناها آنفاً مع تحقيق الحال فيها .
ومما يؤكد أنها من سوء تعبير الرواة أو خطأ النساخ سواء كانت في الكافي أو في كتاب سليم هو : ان كتاب سليم بن قيس مكرس لبيان العقيدة باثني عشر إماماً مع النص على أسمائهم وكذلك كتاب الكافي ولو فرض أنها لم تكن من خطأ النساخ فهل يعقل من مؤلف كتاب سليم مهما كان امره وقد كرس كتابه لاجل العقيدة باثني عشر إماماً يفسد خطته فيه بذكر رواية تفيد ان الأئمة ثلاثة عشر ؟
وهل يعقل من الكليني وهو يريد ان يثبت النص على الاثني عشر إماماً ويعقد باباً يعنونه بذلك ثم يدرج تحته خمسة روايات تنص على ان الأئمة ثلاثة عشر ؟
الخلاصة :
اتضح من البحث ان أحداً من الشيعة لم يقل بأن الأئمة ثلاثة عشر الا هبة الله حفيد العمري وكان قد قال ذلك طمعاً في دنيا ابن ابي شيبة الزيدي وأراد بالثالث عشر من الأئمة زيد بن علي .
أما دعواه وجود روايات فى الكافي وكتاب سليم تفيد ان الأئمة ثلاثة عشر فقد اتضح من خلال البحث انها من اخطاء النساخ الاوائل وقد بحثها المحققون من علماء الشيعة وأشاروا إلى مواضع الخطأ وكان ينبغي على صاحب النشرة ان يشير إلى بحث هؤلاء المحققين ويرد عليه ان كانت لديه أدلة تساعده 3 .
- 1. قاموس الرجال ج 9 / 300 .
- 2. استفدنا اصل البحث في الروايات الخمس من كتاب قاموس الرجال للعلامة التستري ج 4 / 2 45 ـ 453 وكتاب معالم المدرستين للعلامة العسكري ج 3 / 329 ـ 333 .
- 3. شبهات و ردود : الرد على الشبهات التي أثارها أحمد الكاتب حول العقيدة الإثني عشرية الفصل الخامس .