نور العترة

شبهة قتال الردّة…

نص الشبهة: 

يدعي الشيعة: أن أبا بكر وعمر وعثمان «رضي الله عنهم» كان قصدهم الرياسة والملك فظلموا غيرهم بالولاية، فيقال لهم: هؤلاء لم يقاتلوا مسلماً على الولاية، وإنما قاتلوا المرتدين والكفار، وهم الذين كسروا كسرى وقيصر وفتحوا بلاد فارس وأقاموا الإسلام، وأعزوا الإيمان وأهله وأذلوا الكفر وأهله، وعثمان وهو دون أبي بكر وعمر في المنزلة طلب الثوار قتله وهو في ولايته فلم يقاتل المسلمين ولا قتل مسلماً على ولايته وخلافته. فإذا جوّز الشيعة على هؤلاء أنهم كانوا ظالمين في ولايتهم أعداء الرسول صلى الله عليه وسلم، لزمهم أن يقولو مثل ذلك في علي «رضي الله عنه»!!

الجواب: 

بسم الله الرحمن الرحيم
وله الحمد، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. وبعد..
فإننا نجيب بما يلي:
أولاً: لقد أجبنا على هذا السؤال، في السؤال المتقدم برقم 20 فالمرجو من القارئ الكريم، ومن السائل الرجوع إلى هناك.
ثانياً: ما ذكره السائل من أن أبا بكر، وعمر، وعثمان لم يقاتلوا مسلماً على الولاية غير مقبول:
ألف: لأنهم قاتلوا مالك بن نويرة، وقتلوه وطائفة ممن معه، ووطأ خالد زوجته في نفس ليلة قتله، ولم يقده أبو بكر به، وعرض على أخيه متمم بن نويرة أن يعطيه ديته، وأرجع إلى بني حنيفة سبيهم، وما أُخذ منهم. فلو لم يكن مالك مسلماً، فلماذا يعرض أبو بكر ديته على أخيه؟! كما أن هناك اتهاماً قوياً لهم بقتل سعد بن عبادة غيلة على يد خالد بن الوليد.
ب: إن عثمان قد حاول أن يجمع الجيوش ليقاتل الذين يطالبونه بتصحيح الأوضاع، لكن معاوية خذله، كما سنذكره عن قريب.
ج: إن مهاجمة بيت فاطمة الزهراء «عليها السلام»، وضربها وإسقاط جنينها، ومحاولة إحراق بيتها، وكذلك ما جرى في السقيفة من وطء سعد بن عبادة، وضرب أنف الحباب بن المنذر، ثم كسر سيف الزبير في بيت علي «عليه السلام» يدل على أن الأمر لم يكن مجرد تشاور واختيار، بل كان هناك عنف ضد المسلمين وضرب، وسقوط قتلى، وهو الجنين محسن بن فاطمة الزهراء «عليها السلام».
هذا.. فضلاً عن قتل سعد بن عبادة بعد ذلك، ثم ادِّعاء أن الجن قتلته.
وهذا كله.. لم يأت من فراغ، بل كان لأجل الحصول على السلطة.. وقد كان ابو بكر وعمر شركاء في هذا الأمر، كما هو معلوم.
ثالثاً: لا يصح من السائل أن ينفي بصورة قاطعة: أن يكون المطلوب هو الحصول على الرياسة والملك، مع وجود تصريحات كثيرة من علي «عليه السلام» تذكر: أنهم طلبوا ذلك..
فلا معنى بعد ذلك كله، لتصوير أبي بكر وعمر بأنهم حمائم سلام في الوقت الذي طفحت فيه اخبار إطلاقهم التهديدات بالقتل، وإعلانهم الحرب على كل من تسول له نفسه مخالفتهم. ومن المفردات التي استخدمت في تلك المرحلة:
«إني أرى عجاجة لا يطفؤها إلا الدم».
«لا يخالفنا أحد إلا قتلناه».
«إلا حطمته بالسيف».
«أحجم القوم وكرهوا الموت».
«من ذا ينازعنا سلطان محمد»؟!
«ما رجعت وفي فيك واضحة».
«اقتلوا سعداً».
«وطئ في بطنه».
«أرميكم وأخضب منكم».
«لنملأن أسيافنا منه».
«لنأخذن الذي فيه عيناه».
«لتأخذن ولتملأن».
«أرميكم وأخضب منكم».
«امتلأت شوارع المدينة بالرجال».
«وبايعت أسلم، فأيقن عمر بالنصر».
«عمر يحتزم بإزاره، ويكبسهم فيبايعون».
«إلا خبطوه وقدَّموه، ومدوا يده ومسحوها على يد أبي بكر».
«وجاؤوا مكرهين إلى البيعة».
و.. و.. و..
فهل هذا كله من مفردات السلام والحوار والتشاور الذي دار في ما بين أهل السقيفة آنذاك، أم أنه من مفردات طلب الرياسة والملك؟!
رابعاً: إن قتال أبي بكر وعمر المرتدين ليس بالأمر المسلَّم من الناحية التاريخية، لأن المدَّعين للنبوة قد ارتد أكثرهم في عهد رسول الله «صلى الله عليه وآله»، فليسوا مصداقاً للآية:﴿ … انْقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ … ﴾ 1 ولا لرويات: ارتدوا على أعقابهم القهقرى، لأنها تتحدث عما بعد موته «صلى الله عليه وآله»..
وأما مانعوا الزكاة، وهم مالك بن نويرة وأصحابه، فهم مسلمون.. وقد قتلهم خالد بعد أن أعطوهم الأمان.
وقد حاول أبو بكر أن يتخلص من تبعات هذا الأمر، فحاول أن يعطي دية مالك، فرفضها أخوه متمم بن نويرة.
واللافت هنا: أن أبا بكر لم يرض بالاقتصاص من خالد، بالرغم من إصرار عمر عليه.. في حين أن من ارتد فعلاً، كالأشعث بن قيس قد كوفئ بتزويجه أخت أبي بكر، وبتقريبه من السلطة؟!
خامساً: لما ثار الناس على عثمان يطالبونه بإنصافهم، وبإعادة الأمور إلى نصابها، فوعدهم ولم يف لهم، نجد أنه كان حين يعدهم يسعى لاستقدام الجيوش من الشام ومن غيرها، للبطش بهم، ولو أنه قدر على قتل أحد من مهاجميه لما قصَّر في ذلك. والسعي لجمع الرجال للقتال دليل على ذلك..
وقد أرسل إليه معاوية بالجيوش التي أرادها، ولكنهم تلكأوا في مسيرهم حتى قتل فرجعوا.
ويدل على ذلك: الكتاب الذي أخذ من رسوله، وكان مختوماً بختمة، وهو مرسل إلى عامل عثمان على مصر يأمره بأن يقتل الوفد الذي جاءه للشكاية. وحين وقف الناس على الأمر وطالبوه به، أنكره، وظهر أن مروان هو كاتب الكتاب، فطالبوه بإجراء حكم الله فيه فأبى..
سادساً: إن من يضرب الصحابة ويدوس في بطونهم حتى يصيبهم الفتق من أمثال عمار، وابن مسعود، وغيرهما لا يمكن أن يقال: إنه سوف يعفّ ويعفو عن غيرهم من الناس العاديين، إذا أرادوا منازعته في الأمر الذي يطلبه..
فضلاً عما كان يصدر منه من الشتم والسب للصحابة، كما جرى لأبي ذر وعلي «عليه السلام» معه..
سابعاً: بالنسبة لقتل علي «عليه السلام» للمسلمين نقول:
إن من المعلوم: أنه «عليه السلام» كان هو الخليفة والإمام، وقد بايعه أولئك الناس ثم نكثوا، فكان لا بد من أن يقاتلهم على نكثهم، ولأجل دفعهم عن نفسه أيضاً.. وأين هذا من مهاجمة جيش أبي بكر لمالك بن نويرة وأصحابه؟!
ولا يمكن الاعتذار عن عثمان بمثل هذا أيضاً، فإن الذين ثاروا على عثمان لم يعلنوا النكث، بل طالبوه بإنصافهم بالعمل بهم وفق الشرع الشريف.. واستمر الخلاف على ذلك إلى أن انتهى الأمر بقتله، ولو أنه وفى بوعوده لهم ولم يخلفها أكثر من مرة لم يبلغ الأمر إلى ما بلغ..
ثامناً: إن الذي يتسلط على الناس لأهداف دنيوية، لا يجب أن يقتلهم ويحاربهم، كما هو مبنى كلام السائل. بل هو يحافظ عليهم، ما دموا خاضعين لسلطته..
وقد يصل إلى السلطة بدون إراقة دماء، فربما يصل إليها بالمال، أو باستمالة الناس إليه، وإغرائهم بالمناصب.. وقد يستميل البعض، ويخوف البعض الآخر، ولا يصل الأمر إلى حد إراقة الدماء..
والصلاة والسلام على عباده الذين اصطفى محمد وآله.. 2.

  • 1. القران الكريم: سورة آل عمران (3)، الآية: 144، الصفحة: 68.
  • 2. ميزان الحق.. (شبهات.. وردود)، السيد جعفر مرتضى العاملي، المركز الإسلامي للدراسات، الطبعة الأولى، 1431 هـ. ـ 2010 م.، الجزء الثاني، السؤال رقم (73).
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى