نص الشبهة:
بسم الله الرحمن الرحيم
هل يحتاج الإمام إلى شيء من العلوم سوى علم الشريعة والأحكام والتفسير؟! وإذا لم يكن بحاجة، فلماذا نفترض أن يكون أعلم الناس بكل شيء؟!
الجواب:
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله الطاهرين.. وبعد..
فقد كنا قد تحدثنا في كتابنا: « خلفيات كتاب مأساة الزهراء (عليها السلام) » عما يفيد في الإجابة على هذا السؤال.. وذلك حين تحدثنا عن موضوع الولاية التكوينية للنبي (صلى الله عليه وآله) والإمام (عليه السلام) وفي حين نحيل السائل إلى ذلك الكتاب، فإننا نكتفي هنا بإلماحة يسيرة إلى بعض عناصر الإجابة فنقول:
إن من الواضح: أن الله حين خلق الإنسان، منحه الفرصة لإعمار الأرض، وفق ضوابط وموازين صحيحة، فإنه قد منحه عقلاً، وإرادة، وزوده بإمكانات من شأنها أن تفضي به لو استفاد منها إلى ذلك الهدف الكبير والخطير، حيث يتمكن حتى من أن يخرج من أقطار السموات والأرض إلى عوالم وكائنات أخرى، من خلال قدراته، وإمكاناته الفكرية، والتسلطية على كل النواميس الحاكمة..
وقد اقتضت حكمته، وعدله تعالى أيضاً، أن يكون هذا الإنسان حراً مختاراً فيما يريد وفيما يفعل، وأن يفسح له المجال ليتصرف وليتعاطى مع كل ما في هذا الكون الفسيح ولم يتركه وحيداً بل كان معه وإلى جانبه في كل موقع حل فيه، هادياً وراعياً ودليلاً، ومعيناً، ومسدداً.. ومهيمناً، وراصداً.. وكان الأنبياء وأوصياؤهم هم حملة هذه الأمانة الإلهية، وهم المسؤولون التنفيذيون إن صح التعبير عن هذا الأمر المهم، من موقع المعرفة والإشراف، والهيمنة والقيمومة.
ولأجل ذلك، كان لا بد لهم من أن يمتلكوا وسائل، وأدوات، وقدرات، وطاقات، تمكنهم من ذلك، وتيسره لهم.
فمهمة الأنبياء (عليهم السلام)، إذن ليس مجرد الهداية والدلالة بالقول، أو بالإشارة بل مهمتهم: تربية وتعليم، وسياسة، وقيادة، وتصرف، وحفظ، ورعاية، وتدبير ليس لهذا الإنسان، وحسب، وإنما لكل ما ومن يمكن أن يتضرر أو أن يستفيد من ممارسات الإنسان، أو غير الإنسان.. إنهم مسؤولون عن حفظ ورعاية وتدبير أكبر شيء إلى أصغر شيء في هذا الكون. حتى النملة والطير، وحتى الحشرات التي تعيش في البراري والقفار. وحتى الشجر والحجر، والإنس والجن.. وكل شيء..
وبعد.. فإنه لا يبقى أي مجال للتعجب إذا رأينا القرآن يحدثنا عن حوار النبي سليمان (عليه السلام) مع النملة، وأن يعطي سليمان (عليه السلام) قدرة سماع صوتها أو فهم لغتها.. وفهم لغة الهدهد، وقد صرح النبي سليمان (عليه السلام) بأنه أوتي من كل شيء. وعلم منطق الطير، فقال: ﴿ … يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ … ﴾ 1.
ومراده بكل شيء آتاه الله إياه هو هذه القدرات التي منحته الهيمنة على الموجودات و مكنته من فرض إرادته عليها، وتسييرها في المهمات التي يريدها، فيتعامل مع الجن، كما يتعامل مع الإنس ومع الطير ومع الريح، ومع الجبال.. و.. و.. ثم هو يفهم لغاتها ويهيمن عليها جميعاً، ويسيرها، ويقرن من شاء في الأصفاد و.. و.. إلخ.. ولم يقتصر التعاطي مع غير الإنس على سليمان (عليه السلام)، إذ قد حارب الإمام علي (عليه السلام) الجن، وقد صرح الشيخ المفيد بأن رواية ذلك مستفيضة عند السنة والشيعة.. ولا عجب أيضاً إذا وجدنا في الآيات والروايات الشواهد الكثيرة الدالة على شاهدية الرسول (صلى الله عليه وآله) والإمام على الخلق.
وكل ذلك يوضح لنا: أن الإمام (عليه السلام) كما يحتاج إلى علوم الشريعة والأحكام، كذلك هو يحتاج إلى معارف وقدرات هي فوق ما يملكه البشر. وذلك لأنه يريد أن يهيمن على مسيرتهم ويرعاهم، ويراقب أعمالهم ويشهد عليهم، ويطلع على أعمالهم ونواياهم ومشاعرهم من أعمالهم يريد أن يفعل ذلك كله بهذه القدرات التي يملكها، لا بواسطة المعجزة، إذ لو كانت المعجزة هي الحاكمة، فلماذا يحتاج إلى تعلم منطق الطير، إذ بإمكانه معرفة ما يريده الطير بالإعجاز، لا بالتعلم والتعليم ولماذا يؤتيه الله من كل شيء، إذ كان يريد أن تسير أموره على سبيل الإعجاز ؟. ولو كانت المعجزة هي المعيار، فلا حاجة إلى إرسال سليمان (عليه السلام) الهدهد إلى مملكة سبأ ليأتيه بأخبارها.. ولينظر ماذا يعملون.. بل كان يعرف كل ما يريد بواسطة الإعجاز..
ولو كانت المعجزة هي الحاكمة لاستغنى سليمان (عليه السلام) عن العفريت، وعن الذي عنده علم من الكتاب، وكان يأتي بعرش بلقيس بالمعجزة.. ولم يكن بحاجة إلى الجن ليبنوا له ما شاء من محاريب وتماثيل، بل كان يبنيها هو بالمعجزة.. ولم يكن بحاجة إلى الغواصين أيضاً، بل كان يستخرج ما يشاء بالمعجزة..
وأما كيفية تمكن النبي والإمام (صلى الله عليه وآله) من هذه العلوم التي يحتاجانها.. فهذا ما لا سبيل لنا إلى معرفته، بل هو من غيب الله سبحانه، وقد قال أمير المؤمنين (عليه السلام) علمني رسول الله (صلى الله عليه وآله) ألف باب من العلم يفتح لي من كل باب ألف باب..
وقد جاء في الروايات أيضاً أنه يرفع عمود من نور ينظر به الإمام أعمال الخلائق.. ونقرأ في الروايات أيضاً بعض المفردات التي تشير إلى وجود طرق غير مألوفة لنا لنيلهم (عليهم السلام) المعارف.
والله هو العالم بالحقائق..
والحمد لله رب العالمين 2.
- 1. القران الكريم: سورة النمل (27)، الآية: 16، الصفحة: 378.
- 2. مختصر مفيد.. ( أسئلة وأجوبة في الدين والعقيدة )، للسيد جعفر مرتضى العاملي، « المجموعة الثانية »، المركز الإسلامي للدراسات، الطبعة الأولى، 1423 2002، السؤال (107).