نص الشبهة:
كيف نرد على من قال : إن الحسين اجتهد فأصاب وله أجران ويزيد اجتهد وأخطأ فله أجر ؟
الجواب:
يُرَد على ذلك بقول الشاعر :
فيا موت زر إن الحياة ذميمة *** ويا نفس جدي إن دهرك هازل
ومن عجبٍ أن يُجعل الإمام الحسين عليه السلام وهو سيد شباب أهل الجنة وسبط الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله ، والإمام بنص الرسول , في كفة ميزان مع يزيد بن معاوية كيف والمقايسة كما يقول الحسين عليه السلام ( إنا أهل بيت النبوة ومعدن الرسالة ومختلف الملائكة بنا بدأ الله وبنا يختم ، ويزيد رجل فاسق شارب الخمر قاتل النفس المحترمة معلن بالفسق .. ) 1 .
وتفصيل الأمر أن يقال :
1 ـ ما هو محل الاجتهاد ؟ فهل يستطيع أحد مثلا من المسلمين أن يجتهد في أمر وجود الله ؟ أو في نبوة النبي محمد صلى الله عليه وآله ؟ فلو توصل مثلا إلى أن الله غير موجود ، أو أن محمدا ليس بنبي فهل يثاب على اجتهاده هذا الذي أخطأ فيه ؟ إن ذلك مما لا يقول به عاقل . وذلك أن للاجتهاد محلا محدودا في الفروع أما في الأصول فلا يمكن الاجتهاد 2 .
والحسين عليه السلام بنص رسول الله صلى الله عليه وآله ، مع أخيه الحسن إمامان قاما أو قعدا وهما سيدا شباب أهل الجنة . وهما من أهل البيت الذي طهروا عن الرجس والدنس ، وفيهم ورد ما ورد حتى عاد كونهم على الحق من الضروريات وشبهها عند الفريقين . وللحديث عن ما ورد في مناقبهم وفضائلهم مجال آخر .
فلا يمكن أن يدعي أحد أن أحدا يستطيع أن يجتهد في أمر قتل النبي صلى الله عليه وآله ، فيقاتله ثم يقال له إن أخطأ فله أجر وإن أصاب فله أجران . ومثل ذلك قتال أمير المؤمنين عليه السلام ، والحسين .
2 ـ من هو المجتهد ؟ لو فرضنا أن هناك مجالا للاجتهاد ـ وهو الفروع ـ فهل يستطيع كل مسلم أن يجتهد فيها ؟ إن الاجتهاد يحتاج إلى طي مراحل مهمة في العلوم الممهدة له حتى يصل المرء إلى مرتبة المجتهد ، القادر على فهم أحكام الدين من خلال استنطاق النصوص ، ومعرفة القواعد ، وأين يزيد بن معاوية من هذا ؟ هل يحتمل أحد أن يكون يزيد من هذا القسم ؟ لقد قال الحسين عليه السلام مبينا شخصية يزيد ومستواه ، واهتماماته عندما خطب معاوية ذاكرا ليزيد أمورا كاذبة يؤهله فيها للخلافة ، قام الحسين عليه السلام فقال :
هيهات يا معاوية : فضح الصبح فحمة الدجى ، وبهرت الشمس أنوار السرج ، ولقد فضلت حتى أفرطت ، واستأثرت حتى أجحفت ، ومنعت حتى محلت ، وجزت حتى جاوزت ما بذلت لذي حق من اسم حقه بنصيب ، حتى أخذ الشيطان حظه الأوفر ، ونصيبه الأكمل ، وفهمت ما ذكرته عن يزيد من اكتماله ، وسياسته لأمة محمد، تريد أن توهم الناس في يزيد ، كأنك تصف محجوبا ، أو تنعت غائبا ، أو تخبر عما كان مما احتويته بعلم خاص ، وقد دل يزيد من نفسه على موقع رأيه فخذ ليزيد فيما أخذ فيه ، من استقرائه الكلاب المهارشة عند التهارش ، والحمام السبّق لاترابهن ، والقيان ذوات المعازف وضرب الملاهي تجده باصرا ، ودع عنك ما تحاول ..) 3 .
هذا هو يزيد فهل يتفرغ والحال هذه للاجتهاد ؟
إننا نعتقد أن مثل هذه الأفكار هي التي تمهد الارضية لأن يأتي بعض الجهلة من المسلمين لكي يفسّقوا الآخرين ويبدّعوهم ، وينسبونهم إلى الجاهلية أو الكفر ، ثم يقومون بقتلهم .. ولا يتقون الله في دماء المسلمين ولا أعراضهم ولا أموالهم .. وقد شهد عالمنا الإسلامي في هذه الفترة الأخيرة ما يشيب لهوله ناصية الطفل من الجرائم القائمة على هذا الأساس .. فقتل المسلمين وهو مما ثبت بالضرورة حرمته يصبح ميدانا لاجتهاد أشخاص مثل يزيد ، وانتهاك أعراضهم يصبح محلا لفتوى من ليس له نصيب من العلم بمقدار ما له نصيب من الشهوات والانحراف !! .
ثم إن نفس هذا الكلام غير صحيح حتى على مسلك القوم ، فإن مسلكهم هو التصويب ـ لا أقل في بعض الصور ـ بمعنى أن ما أدى إليه نظر المجتهد فهو الحق ، كما قال الغزالي : (فإذا صدر الاجتهاد التام من أهله وصادف محله ( أي ما يجوز فيه الاجتهاد ) كان ما أدى إليه الاجتهاد حقا وصوابا ) 4 . فإما أن يقال أن يزيد مجتهد واجتهاده صحيح لأن ما أدى إليه نظر المجتهد فهو صحيح ، فكيف يكون خطأ ؟؟ لكن الحق هو ما عرفت من أن مجال الاجتهاد لا يشمل مثل قتل الحسين عليه السلام ، كما أن المجتهد هو شخص خاص قد عرف من العلوم المرتبطة بمسائل الدين ما يؤهله لاستنباط الحكم الشرعي في الواقعة . وهو لا ينطبق على يزيد قطعا 5.
- 1. اللهوف في قتلى الطفوف للسيد بن طاووس ـ 17 .
- 2. قال أحمد بن علي الجصاص في كتابه الفصول في الأصول ج 4 ص 11 :
الاجتهاد : هو بذل المجهود فيما يقصده المجتهد ( و ) يتحراه ، إلا أنه قد اختص في العرف بأحكام الحوادث التي ليس لله تعالى عليها دليل قائم يوصل إلى العلم بالمطلوب منها ، لان ما كان لله عز وجل ( عليه ) دليل قائم ، لا يسمى الاستدلال في طلبه اجتهادا ألا ترى أن أحدا لا يقول : إن علم التوحيد وتصديق الرسول صلى الله عليه وسلم من باب الاجتهاد وكذلك ما كان لله تعالى عليه دليل قائم من أحكام الشرع ، لا يقال : إنه من باب الاجتهاد ، لان الاجتهاد اسم قد اختص في العرف وفي عادة أهل العلم ، بما كلف الإنسان فيه غالب ظنه ، ومبلغ اجتهاده ، دون إصابة المطلوب بعينه ، فإذا اجتهد المجتهد ، فقد أدى ما كلف ، وهو ما أداه إليه غالب ظنه ، وعلم التوحيد وما جرى مجراه ، مما لله عليه دلائل قائمة كلفنا بها : إصابة الحقيقة ، لظهور دلائله ، ووضوح آياته . - 3. الإمامة والسياسة لابن قتيبة الدينوري 1ـ 208 .
- 4. المستصفى للغزالي 345 .
- 5. من قضايا النهضة الحسينية ( أسئلة وحوارات ) : الجزء الأول .