نص الشبهة:
هل الذهاب إلى العمل يوم العاشر حرام ؟ وهل يجب التصدق بما كسبه ذلك اليوم ؟
الجواب:
ليس حراما ، ولكن يستفاد من بعض الروايات استحباب ترك السعي في الأمور الدنيوية ، وعدم الانشغال بها واستحباب التفرغ لإحياء الذكرى الحسينية ، فقد روى الشيخ الصدوق في الأمالي 1 عن أبي الحسن علي بن موسى الرضا ( عليه السلام ) ، قال : من ترك السعي في حوائجه يوم عاشوراء قضى الله له حوائج الدنيا والآخرة ، ومن كان يوم عاشوراء يوم مصيبة وحزنه وبكائه جعل الله عز وجل يوم القيامة يوم فرحه وسروره ، وقرت بنا في الجنان عينه .
كما روى شيخ الطائفة الطوسي رحمه الله بسنده 2 عن أبي جعفر عليه السلام في حديث زيارة الحسين عليه السلام يوم عاشوراء من قرب وبعد … إلى أن قال : قلت : وكيف يعزي بعضنا بعضا ؟ قال : تقول : عظم الله أجورنا بمصابنا بالحسين عليه السلام ، وجعلنا وإياكم من الطالبين بثأره مع وليه الإمام المهدي من آل محمد ، وإن استطعت أن لا تنشر ( لا تنتشر ) يومك في حاجة فافعل ، فإنه يوم نحس لا تقضى فيه حاجة مؤمن ، وإن قضيت لم يبارك له فيها ، ولا يرى فيها رشدا..) .
هذا لو كان عمل الإنسان مملوكا له ، كما هو حال من يعملون في ( الأعمال الحرة ) والتجارة لأنفسهم فإنه يحسن بهم في مثل ذلك اليوم أن يتوجهوا لإحياء الذكرى ، ما لم ينطبق على سعيهم للعمل ذاك عنوان ملزم .
وأما بالنسبة لغيرهم وهم الأكثر ابتلاء ، كالعاملين في مؤسسات مملوكة لأشخاص أو تابعة للحكومات ، فلا يستطيع الشخص الغياب في ذلك اليوم من غير أن يأذن له رب العمل ، وإلا كان غير مالك لأجرة ذلك اليوم في المؤسسات والشركات الأهلية والشخصية ، حيث أن مقتضى عقده معهم أن يعمل في الأيام المتعارفة ، باستثناء التعطيلات الرسمية أو ما أذنوا له في التغيب ، وليس العاشر منها ـ بحسب الفرض ـ وإخلاله بهذا العقد بمقدار ذلك اليوم ، يجعله غير مستحق لأجرته ولا يملكها . فلا بد من استئذان رب العمل أو إخباره عن غيابه ذاك واسترضائه في أمر المال أو إرجاعه عليه .
وبالنسبة للمؤسسات الحكومية ، فإن الحكومات غير الخاضعة للفقيه ، وإن لم تملك ـ كما هو المشهور بين المعاصرين من الفقهاء ـ فلا ولاية لها مالكية ولا شرعية 3 ، على التعاقد وإعطاء المال ، واستحصال العمل ، إلا أن ذلك لا يسوغ للعامل وهو طرف العقد أن يتملك أجرة في مقابل يوم عمل لم يذهب إليه ، ولم يقم به . ولذا فإنه يشكل أمر تملكه من قبله ، حيث أن الفقهاء قد صرحوا في فتاواهم بأنهم لا يأذنون في الاستلام إلا مع قيام العامل بواجباته بحسب ما ورد في العقد . ولذا لا بد في ذلك من التصدق بذلك المقدار من المال على الفقير المؤمن والأحوط أن يكون بإذن الحاكم الشرعي ( المجتهد ) الذي له ولاية على مجهول المالك 4 .
- 1. ( حدثنا محمد بن إبراهيم بن إسحاق ( رحمه الله ) ، قال : أخبرنا أحمد بن محمد الهمداني ، عن علي بن الحسن بن علي بن فضال ، عن أبيه عن الرضا عليه السلام ..) والرواية يمكن أن تكون معتبرة ، فإن محمد بن ابراهيم هو الطالقاني وقد روى عنه الصدوق مترضيا عليه ، بناء على أن ترضي مثل الصدوق كاشف عن حسن حال المترضى عنه ـ وإن ناقش في ذلك بعض العلماء ـ ، وأحمد بن محمد بن سعيد الهمداني هو أبو العباس بن عقدة ، قالوا عنه أنه جليل القدر عظيم المنزلة وأمره في الحفظ والجلالة أشهر من أن يذكر توفي سنة 333 هـ . وعلي بن الحسن بن فضال فقيه أصحابنا بالكوفة ووجههم وثقتهم كما ذكر النجاشي ، وأبوه الحسن بن علي ثقة عظيم القدر ، قيل إنه كان فطحيا وعاد عن ذلك ..
ولا نحتاج إلى هذا بعدما كانت الرواية من الروايات الواعدة بالثواب ، وهي مشمولة لقاعدة التسامح في أدلة السنن . - 2. نقله في وسائل الشيعة الحر العاملي ج 14 ص 509 : محمد بن الحسن ، في ( المصباح ) عن محمد بن إسماعيل ، عن صالح بن عقبة عن أبيه ، عن علقمة . والرواية من حيث السند غير تامة ، فإن صالح بن عقبة ( بن قيس بن سمعان ) وإن كان من رجال تفسير علي ابن ابراهيم ـ القسم الأول ـ ويكون ثقة على المبنى ، إلا أنه قد ضعف واتهم بالكذب ، كما عن الخلاصة ، إلا أن يقال أن يونس بن عبد الرحمن والذي هو من أصحاب الاجماع قد روى عنه ، ويكون على المبنى المعروف مقبول الرواية ، وقد يناقش ما ذكر في الخلاصة بأنه معتمد في جرحه ذاك على كتاب ابن الغضائري ، والمعروف عندهم التشكيك في كون كل ما في الكتاب الموجود صحيح النسبة إلى الشيخ ابن الغضائري ( والمسألة بحاجة إلى بحث أكثر ، وللتفصيل مقام لا يتسع له هذا المختصر ) . وابوه عقبة بن قيس أيضا لم يوثق لا بتوثيق عام ولا خاص ، ومثله علقمة ( بن محمد الحضرمي ) .
- 3. أمضى بعض المراجع المعاصرين العقود القائمة بين الموظفين وبين الحكومات ، وبناء عليه ترجع المسألة إلى القسم السابق .
- 4. من قضايا النهضة الحسينية ، ( أسئلة و حوارات ) ، الجزء الثاني .