في العاشر من رجب عام (195هـ) بالمدينة المنورة، عمر بيت الرسالة الطاهرة موج من السرور والبهجة إحتفاء بميلاد الإمام محمد الجواد عليه السلام، وهو الإمام أبو جعفر محمد بن علي الرضا ابن الامام موسی الکاظم ابن الامام جعفر الصادق ابن الامام محمد الباقر ابن الامام علي السجاد ابن الامام الحسين سبط رسول الله صلی الله عليه وآله وسلم وابن الامام علي بن أبي طالب عليهم السلام جميعا.
اما امه فهي من اهل بيت مارية القبطية (ام إبراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم) وکانت افضل نساء زمانها حسب شهادة الامام العسکري عليه السلام وسمّاها الامام الرضا عليه السلام “خيزران”.
ولد الإمام محمد الجواد عليه السلام في السنة التي بويع فيها للمأمون العباسي، وعاش في ظل أبيه الإمام الرضا عليه السلام حوالي سبع سنين، وعاصر أحداث البيعة بولاية العهد لابية الامام الرضا عليه السلام وماصاحبها وتلاها من حوادث ومحن حتى تجلت آخر محن ابيه عليه السلام في اغتيال المأمون للرضا عليه السلام.
وتقلد الإمامة العامة وهو في السابعة من عمره الشريف وليس في ذلك ما يدعو الی العجب، فقد تقلد النبي عيسی بن مريم عليه السلام النبوة وهو في المهد.
وبقي الإمام محمد الجواد عليه السلام بعد حادث استشهاد ابيه عليه السلام في منعة من كيد المأمون الذي قتل الإمام الرضا عليه السلام وبقي عند الناس متهما بذلك، لكنه لم ينج من محاولات التسقيط لشخصيته ومكانته المرموقة في القلوب، وقد تحدّى كل تلك المحاولات إعلاه لمنهج أهل البيت عليهم السلام وشيعتهم في عقدة الإمامة والزعامة ومايترب عليها من الآثار السياسية والاجتماعية.
وينتهي عهد المأمون العباسي في سنة (218هـ) ويتربع اخوه المعتصم على كرسي الخلافة حتى سنة (227هـ) ولم يسمح للإمام الجواد عليه السلام بالتحرك ويراقب- بكل دقة- النشاط الاجتماعي والسياسي للامام الجواد عليه السلام ثم يغتاله على يد ابنة اخيه المأمون، المعروفة باُم فضل والتي زوجها المأمون من الامام الجواد عليه السلام، ولم تنجب له من الاولاد شيئا، وذلك في سنة (220هـ) وهكذا قضى المعتصم على رمز الخط الهاشمي وعميده، الامام محمد التقي أبي جعفر الجواد عليه السلام.
اذن يمكن تقسيم الحياة القصيرة لهذا الامام الهمام المظلوم الى قسمين وثلات مرحل:
القسم الاول: حياته في عهد ابيه وهي المرحلة الاولى من حياته القصيرة والمباركة وتبلغ سبع سنوات تقريبا.
القسم الثاني: حياته بعد استشهاد ابيه حتى شهادته وتبلغ حوالي سبع عشرة سنة. وينقسم هذا القسم بدوره الى مرحلتين متميزتين:
المرحلة الاولى: حياته في عهد المأمون وهي المرحلة الثانية من حياته وتبلغ حوالي خمس عشرة سنة، وهي اطول مرحلة من مراحل حياته القصيرة.
المرحلة الثانية: وهي مدة حياته في عهد المعتصم العباسي وتبلغ حوالي سنتين وتمثل المرحلة الثالثة من حياته الشريفة.
اما فيما يتعلق بمقام الإمام الجواد العلمي، فلقد ساهم طيلة فترة امامته التي دامت نحو سبعة عشر عاما في أغناء مدرسة اهل البيت العلمية وحفظ تراثها والتي امتازت في تلك المرحلة بالاعتماد علی النص والرواية عن رسول الله صلی الله عليه وآله وسلم وعلی الفهم والاستنباط من الکتاب والسنة بالاضافة الی اهتمامها بالعلوم والمعارف العقلية التي ساهم الإئمة وتلامذتهم في انمائها واثرائها وتوسيع مداراتها حتی غدت صرحا شامخا وحصنا منيعا للفکر الاسلامي وللشريعة الإسلامية.
اما الوضع السياسي في حياة الإمام الجواد عليه السلام، فقد امتازت هذه الفترة -وهي زمان الخليفتين العباسيين المأمون والمعتصم- بانها فترة خف فيها بحسب الظاهر الاضطهاد والارهاب نسبة إلی الفترات السابقة وان کان الخط العام للسياسة العباسية امتدادا لما سبق، ولکن هذه السياسة لم تستمر طويلا وسرعان ما لجأ الحکام العباسيون إلی أذی أهل البيت عليهم السلام والتضييق عليهم. ورغم کل هذا فان التاريخ يؤکد لنا من خلال استقراء الوثائق السياسية التي صدرت عن الامام الجواد عليه السلام (الرسائل والاحاديث) والمواقف التي صدرت من السلطة العباسية تجاه الامام ودراستها نستطيع ان ندرك ان الامام کان يمارس نشاطه في الخفاء وکان له مقام قيادي عميق الاثر في وجدان الامة ووعيها.
إن دراسة وتحليل موقف الخليفتين العباسيين المأمون والمعتصم من الإمام الجواد عليه السلام يشير بوضوح إلى أهمية شخصية الإمام عليه السلام القيادية وموقعه الرفيع في النفوس وميل الأمة إليه باعتباره الرمز الممثل لإمامة أهل البيت عليهم السلام في تلك المرحلة، لذلك نجد المأمون يستقدم الإمام الجواد عليه السلام من المدينة سنه (211 هـ) ويقوم بتزويجه من ابنته ام الفضل ويدخل في نزاع مع اعمامه بني العباس بسبب ذلك التزويج، في محاولة منه لاستيعاب موقف الإمام الجواد عليه السلام وضمه الی حاشيته واحتواء حرکته الجماهيرية في المجالين الفکري والسياسي. لکن الإمام عليه السلام کان علی العکس من ذلك، يرفض البقاء في بغداد ليکون بعيدا عن حصار السلطة ومراقبتها ويعود الی المدينة المنورة ليسقط الخطة ويحقق الاهداف المرتبطة به کامام للامة ورائد من رواد الشريعة.
وبعد موت المأمون جاء المعتصم للسلطة، فکان کاسلافه العباسيين علی خوفه من امامة أهل البيت عليهم السلام ومکانتهم العلمية والسياسية، فاستدعی الإمام الجواد عليه السلام من المدينة الی بغداد عام (219هـ) خوفا من تألق نجمه واتساع تاثيره، وليکون علی مقربة من مرکز السلطة والرقابة ولعزله عن ممارسة دوره العلمي والسياسي والشعبي. وفعلا تم استقدام الإمام الجواد عليه السلام من المدينة الی بغداد ولم يبق في بغداد الا مدة قصيرة حتی اقترف المعتصم جناية قتل الإمام عن طريق دسه السم اليه في اواخر شهر ذي القعدة عام (220 هـ).
فسلام عليه يوم ولد ويوم استشهد ويوم يبعث حيّا.
المصدر: http://www.alkawthartv.com/