باسمه تعالى
قال تعالى﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا … ﴾ 1.
سوء الظن من أكثر الرذائل بشاعة، لأنها تؤدي إلى سوء الظن هو “فقدان الثقة” بين الناس، لأن سوء الظن يجعلهم غير قادرين من الحكم على الكثير من القضايا التي يسمعونها أو يسرونها أو يعلمون بها، لأنهم غير عارفين بحقائق الأمور التي تصلهم، وبالتالي يقفون حائرين وعاجزين.
والآية الكريمة نرى أنها تدل على ثلاثة أمور هي:
- حرمة سوء الظن.
- حرمة التجسس.
- حرمة الغيبة.
والعنوان الجامع لهذه المحرمات الثلاثة هو “الفساد في روح الإنسان وعقله وقلبه وخبث سريرته وفطرته الإنسانية، لأن الروح عندما تكون نظيفة لا ترتكب تلك الحرمات المدمرة للحياة الاجتماعية، والمفككة لأواصر التقارب بين أبناء المجتمع، فضلاً عن النزاعات والخلافات وبذر بذور الشقاق والفرقة التي تسبب بها تلك الآفات الرذيلة والفاسدة والمفسدة.
وإذا أردنا أن نبين المفاسد الناتجة عنها بالتفصيل لا بد من الرجوع إلى أحاديث النبي (ص) وأهل بيته عليهم السلام الذين حذرونا كما حذرنا الله في كتابه من الابتلاء بهذه الرذائل.
- هتك حرمات الناس: فعن النبي (ص) (شر الناس الظانون، وشر الظانون المتجسسون، وشر المتجسسون القوالون، وشر القوالين الهتاكون) حيث نرى أن الحديث شمل سوء الظن والتجسس والغيبة.
- فقدان الثقة بالناس: عن أمير المؤمنين (ع) (الرجل السوء لا يظن بأحد خيراً، لأنه لا يراه إلا بوصف نفسه).
- سوء الظن أكذب الكذب: عن النبي (ص) (قال: إياكم والظن فإن الظن أكذب الكذب…).
- تدمير الصداقات: فعن أمير المؤمنين (ع) (ولا يغلبن عليك سوء الظن فإنه لا يدع بينك وبين صديق صفحاً).
- عدم الإيمان: عن أمير المؤمنين (ع) (لا إيمان مع سوء ظن).
- تفشي الشر بين الناس: عن أمير المؤمنين (ع) (سوء الظن يفسد الأمور ويبعث على الشرور).
- توهم الخيانة: فعن علي (ع) (من ساءت ظنونه اعتقد الخيانة بمن لا يخونه).
- فساد العبادة: ففي الحديث (إياك أن تسيء الظن، فإن سوء الظن يفسد العبادة ويعظِّم الوزر).
- الإساءة إلى الله تعالى: فعن النبي (ص) (من أساء الظن بأخيه فقد أساء بربه، إن الله تعالى يقول ﴿ … اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ … ﴾ 1.
- أقبح الظلم: فعن أمير المؤمنين (ع) (سوء الظن بالمحسن شر الإثم وأقبح الظلم).
وبناء على كل ما ذكرناه، فلا يليق بالمؤمن فرداً أو جماعة أن يكونوا من ذوي الظن السيء، لأنه خلاف أخلاقيات المؤمن ومعارض لما أكد عليه نبينا (ص) وأئمتنا (ع) من أن نكون متآخين ومتحابين ومتضامنين في المجتمع وفي العلاقات بين أفراده لنشر الأمن والأمان والسلام عند الناس، لأنه إذا تفشت آفة سوء الظن بين الناس خربت حياتهم وخرب دينهم أيضاً، لأن هذه الرذيلة القبيحة ستنشر بين الناس أجواء من عدم الثقة والإلفة والمودة من خلال ما تبثه بينهم من أحاديث كاذبة وملفقة، لأن سوء الظن ينتج عنه مثل هذه الافتراءات التي تدفع بالناس إلى التصادم والتشاحن والبغضاء والكراهية والحقد، وعندها لن يكون هناك مجال للإصلاح، لأن تخريب حياة المجتمع بسوء الظن وآثاره المدمرة تكون قد أكلت الأخضر واليابس من حياة الناس وحولتها إلى جحيم لا يطاق من الشك الفتاك بكل العلاقات العائلية والاجتماعية.
والحمد لله رب العالمين2