وصف سمك الكنعت(الكنعد)بسوء الخلق في أحاديث أهل البيت عليهم السلام،فقد رُوِيَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ عُثْمَانَ أنَّهُ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ1عليه السلام:جُعِلْتُ فِدَاكَ،مَا تَقُولُ فِي الْكَنْعَتِ؟
قَالَ:”لَا بَأْسَ بِأَكْلِهِ”.
قُلْتُ:فَإِنَّهُ لَيْسَ لَهُ قِشْرٌ2؟!
قَالَ: “بَلَى، وَ لَكِنَّهَا حُوتَةٌ سَيِّئَةُ الْخُلُقِ تَحْتَكُّ بِكُلِّ شَيْءٍ، فَإِذَا نَظَرْتَ فِي أَصْلِ أُذُنَيْهَا وَجَدْتَ لَهَا قِشْراً”3.
و لعل بعض الناس يستغرب من هذا الوصف المذكور في الحديث بأن سمكة الكنعت سيئة الخُلق، لكن إذا تمعَّنا قليلاً و رجعنا إلى الصيادين القدماء عرفنا بأن الامام عليه السلام بعد أن بيَّنَ الحكم الشرعي لأكل سمك الكنعت أراد أن يوضح للسائل و هو حماد بن عثمان أن هذا النوع من السمك له قشر فهو من الصنف المحلل أكله، لكن الناس لدى اصطيادهم أو شرائهم لهذا السمك لا يجدون عليه قشراً، فلذلك أراد الامام عليه السلام أن يُشير إلى السبب في زوال القشور و تساقطها عنه بشكل يفهمه الناس و الصيادون لكونهم يعرفون صفة هذا النوع من السمك، فقال للسائل: ” لَكِنَّهَا حُوتَةٌ سَيِّئَةُ الْخُلُقِ تَحْتَكُّ بِكُلِّ شَيْءٍ” موضحاً أن سبب تساقط القشور هو إحتكاكها بكل شيء، فهي تبدو لمن يراقبها و كأنها عصبية المزاج غير مستقرة و غير هادئة تتحرك بسرعة و بشكل غير منتظم يبدو عليها الاضطراب، و الإمام بيَّنَ كل هذا من باب ذكر الوصف الذي يفهمه الصيادون، و يكون مصطلحاً لديهم في لغتهم العامية و محاوراتهم، ذلك لأنه يتم التواصل بين أفراد المجتمع بلغة معينة و بألفاظ تعارفوا عليها ورثوها عن أجدادهم جيلاً بعد جيل، هذه الكلمات تسمى اصطلاحاً عامياً، و قد تصوغ العامة مفاهيم ليست علمية لكنها تصبح مصطلحاً معروفاً لا يُستغى عنها لتبيين بعض الحقائق و الأحكام.
سمك الكنعت و مرض الاعصاب
يقول حسين محمد حسين و قد كتب مقالاً في صحيفة الوسط البحرينية بعنوان: دلالة المصطلح بين توصيف العامة و التوصيف العلمي:
روى لي بعض أهل الاختصاص بصيد الأسماك من العامة أن سمك الكنعد به عصب (أي أعصاب) بمعنى أنه مريض بالعصبية فإذا اقترب من الشبك لا يستطيع الرجوع إلى الخلف و ما أن تلامس مقدمة رأسه الشبك يقوم الكنعد بقتل نفسه.
قلت و هذه أسطورة طريفة في تعليل ظاهرة شاهدها الصيادون و هي موت الكنعد حال خروجه و هو مصطاد بالشبك، إلا أن هناك تفسيراً علمياً لهذه الظاهرة فالكنعد و جميع أفراد العائلة التي ينتمي لها الكنعد و كذلك أسماك القرش جميعها تختلف في طريقة تنفسها عن باقي الأسماك، فحتى تحصل هذه الأسماك على الأوكسجين الذائب في الماء يتوجب عليها أن تسبح باستمرار لكي يمر الماء المحمل بالأوكسجين على خياشيمها، و هذا يعني أنه في حال توقفت هذه الأسماك فإنها تختنق و تموت. فالكنعد يبدأ بالموت أول ما يتم إيقافه و حال إخراجه من الماء يموت. و هذه الطريقة في التنفس تسمى علمياً 4ram ventilatio .
إذن فلا غرابة في وصف سمك الكنعت بسوء الخلق، و لا مجال لجعل هذا الوصف الدقيق المنطبق على الواقع المعروف لدى ذوي الاختصاص من الصيادين حتى في العصر الحاضر مادة للسخرية و الاستهزاء!
- 1. أي الإمام جعفر بن محمد الصَّادق (عليه السَّلام)،سادس أئمة أهل البيت (عليهم السلام).
- 2. كقاعدة عامة حسب الفقه الجعفري فإن كل الكائنات التي تعيش في الماء سواءً ما تعيش في المياه المالحة، أو التي تعيش في المياه العذبة يحرم أكلها إلا الروبيان و الأسماك التي لها فلس،و الفلس هو قشر دائري الشكل في الغالب يغطي جلد السمكة،أما سائر الكائنات المذكورة فهي مُحرمة جميعها حسب مذهب أهل البيت (عليهم السلام).
فقد رُوِيَ عن الإمام جعفر بن محمد الصادق(عليه السلام)أنه كَانَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ(عليه السلام)بِالْكُوفَةِ يَرْكَبُ بَغْلَةَ رَسُولِ اللَّهِ(صلى الله عليه وآله)ثُمَّ يَمُرُّ بِسُوقِ الْحِيتَانِ فَيَقُولُ: “لَا تَأْكُلُوا وَ لَا تَبِيعُوا مِنَ السَّمَكِ مَا لَمْ يَكُنْ لَهُ قِشْرٌ”(الكافي: 6 / 220، للشيخ أبي جعفر محمد بن يعقوب بن إسحاق الكُليني، المُلَقَّب بثقة الإسلام، المتوفى سنة: 329 هجرية، طبعة دار الكتب الإسلامية، سنة: 1365 هجرية / شمسية، طهران / إيران.). - 3. من لا يحضره الفقيه: 3 / 341، للشيخ أبي جعفر محمد بن علي بن حسين بن بابويه القمي المعروف بالشيخ الصدوق، المولود سنة: 305 هجرية بقم، و المتوفى سنة: 381 هجرية، طبعة انتشارات اسلامي التابعة لجماعة المدرسين، الطبعة الثالثة، سنة: 1413 هجرية، قم / إيران.
- 4. صحيفة الوسط البحرينية: العدد 3134 – الخميس 07 أبريل 2011م الموافق 04 جمادى الأولى 1432هـ.