سجدة الشكر هي سجدة مستحبة يمكن أن يأتي بها الإنسان في كل وقت، و تتأكد بصورة خاصة عند تجدد النعمة أو عند دفع البلاء، و تتأكد أيضاً بعد أداء الفرائض، و لها آثار و فوائد كثيرة نذكر أهمها.
فوائد و آثار سجدة الشكر
- سجدة الشكر من تمام الصلاة، أي تجعل الصلاة تامة، كما و تجبر ما قد يقع في الصلاة من التقصير.
- سجدة الشكر هي من أداء الشكر لله عَزَّ و جَلَّ على توفيقه لأداء فرض من الفرائض.
- سجدة الشكر تُستنزل بها الرحمة الالهية و نِعَم الله سبحانه و تعالى على عباده كالرزق الحلال و البركة في العمر و المال و العافية و غيرها.
- سجدة الشكر تدفع عن الإنسان السوء و البلاء و تُسهل الصعاب و تكفي المهمات.
- سجدة الشكر تجعل الساجد في مظان رحمة الله عَزَّ و جَلَّ.
ثواب سجدة الشكر
رَوى مُرَازِم عَنْ الامام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام أنَّهُ قَالَ: “سَجْدَةُ الشُّكْرِ وَاجِبَةٌ 1 عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ، تُتِمُّ بِهَا صَلَاتَكَ، وَ تُرْضِي بِهَا رَبَّكَ، وَ تَعْجَبُ الْمَلَائِكَةُ مِنْكَ، وَ إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا صَلَّى ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَةَ الشُّكْرِ فَتَحَ الرَّبُّ تَعَالَى الْحِجَابَ بَيْنَ الْعَبْدِ وَ بَيْنَ الْمَلَائِكَةِ، فَيَقُولُ يَا مَلَائِكَتِي انْظُرُوا إِلَى عَبْدِي أَدَّى قُرْبَتِي وَ أَتَمَّ عَهْدِي ثُمَّ سَجَدَ لِي شُكْراً عَلَى مَا أَنْعَمْتُ بِهِ عَلَيْهِ، مَلَائِكَتِي مَا ذَا لَهُ؟
قَالَ: فَتَقُولُ الْمَلَائِكَةُ: يَا رَبَّنَا رَحْمَتُكَ.
ثُمَّ يَقُولُ الرَّبُّ تَعَالَى: ثُمَّ مَا ذَا لَهُ؟
قَالَ فَتَقُولُ الْمَلَائِكَةُ: يَا رَبَّنَا جَنَّتُكَ؟
فَيَقُولُ الرَّبُّ تَعَالَى: ثُمَّ مَا ذَا؟
فَتَقُولُ الْمَلَائِكَةُ: يَا رَبَّنَا كِفَايَةُ مُهِمِّهِ؟
فَيَقُولُ الرَّبُّ: ثُمَّ مَا ذَا؟
فَلَا يَبْقَى شَيْءٌ مِنَ الْخَيْرِ إِلَّا قَالَتْهُ الْمَلَائِكَةُ.
فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: يَا مَلَائِكَتِي ثُمَّ مَا ذَا؟
فَتَقُولُ الْمَلَائِكَةُ: يَا رَبَّنَا لَا عِلْمَ لَنَا.
فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: لَأَشْكُرَنَّهُ كَمَا شَكَرَنِي، وَ أُقْبِلُ إِلَيْهِ بِفَضْلِي وَ أُرِيهِ رَحْمَتِي” 2.
و رُوِيَ عن الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام أَنَّهُ قَالَ: “مَنْ سَجَدَ سَجْدَةَ الشُّكْرِ وَ هُوَ مُتَوَضِّئٌ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ بِهَا عَشْرَ صَلَوَاتٍ وَ مَحَا عَنْهُ عَشْرَ خَطَايَا عِظَامٍ” 3.
كيفية سجدة الشكر
أدنى ما يتحقق به سجدة الشكر هو أن يسجد و يقول حال سجوده: شكراً لله شكراً لله شكراً لله، فقد رُوِيَ عَنْ الامام علي بن موسى الرضا عليه السلام أنَّهُ قَالَ: “السَّجْدَةُ بَعْدَ الْفَرِيضَةِ شُكْراً لِلَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ عَلَى مَا وَفَّقَ لَهُ الْعَبْدَ مِنْ أَدَاءِ فَرْضِهِ، وَ أَدْنَى مَا يُجْزِي فِيهَا مِنَ الْقَوْلِ أَنْ يُقَالَ: شُكْراً لِلَّهِ شُكْراً لِلَّهِ شُكْراً لِلَّهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ”.
قُلْتُ: فَمَا مَعْنَى قَوْلِهِ شُكْراً لِلَّهِ؟
قَالَ: “يَقُولُ هَذِهِ السَّجْدَةُ مِنِّي شُكْراً لِلَّهِ عَلَى مَا وَفَّقَنِي لَهُ مِنْ خِدْمَتِهِ وَ أَدَاءِ فَرْضِهِ، وَ الشُّكْرُ مُوجِبٌ لِلزِّيَادَةِ، فَإِنْ كَانَ فِي الصَّلَاةِ تَقْصِيرٌ لَمْ يَتِمَّ بِالنَّوَافِلِ تَمَّ بِهَذِهِ السَّجْدَةِ” 4.
وَ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ حَفْصٍ الْمَرْوَزِيِّ أَنَّهُ قَالَ: كَتَبَ إِلَيَّ أَبُو الْحَسَنِ الرِّضَا عليه السلام: “قُلْ فِي سَجْدَةِ الشُّكْرِ مِائَةَ مَرَّةٍ شُكْراً شُكْراً، وَ إِنْ شِئْتَ عَفْواً عَفْواً” 5.
سجدتا الشكر
و أما إذا أراد أن يأتي بسجدة الشكر المفصلة فهي سجدتان بكيفية خاصة، قال الشيخ المفيد 6 قدس الله نفسه الزكية في بيان كيفية سجدتي الشكر:
ثم يسجد سجدتي الشكر، فليلصق فيهما ذراعيه بالأرض، في سجوده: ” اللهم إليك توجهت، و بك اعتصمت، و عليك توكلت، اللهم أنت ثقتي و رجائي فاكفني ما أهمني، و ما لا يهمني، و ما أنت أعلم به مني، عز جارك و جل ثنائك، و لا إله غيرك، صل على محمد و آل محمد، و عجل فرجهم”.
ثم يرفع جبهته عن الارض، و يضع خده الايمن على موضع سجوده، و يقول: ” ارحم ذلي بين يديك و تضرعي إليك، و وحشتي من الناس، و أنسي بك يا كريم يا كريم “.
ثم يرفع خده الايمن عن الأرض و يضع مكانه خده الأيسر و يقول: ” لا إله إلا أنت ربي حقا حقا، سجدت لك يا رب تعبدا و رقا، اللهم إن عملي ضعيف فضاعفه لي يا كريم يا كريم يا كريم “.
ثم يرفع خده عن الأرض و يعود إلى السجود، فيقول في سجوده: ” شكرا شكرا ” مائة مرة، و إن قالها ثلاث مرات أجزأه، و أكثر من ذلك أفضل، و المائة فيها أفضل، و بها جاءت السنة.
ثم يرفع رأسه 7.
أحكام سجدة الشكر
- لا يشترط في سجدة الشكر الوضوء و لا الطهارة من الحدث الأكبر و لا الطهارة من الخبث و لا استقبال القبلة و لا غيرها من الشروط الواجبة مراعاتها في الصلاة، لكن الافضل مراعاتها 8.
- لا يشترط في سجدة الشكر أن يكون السجود على ما يصح السجود عليه أو وضع المواضع السبعة 9 على الأرض و إن كان ذلك أفضل.
- يُستحب في سجدة الشكر إلصاق الساعدين و البطن بالأرض عكس ما يعمل في سجود الصلاة من استحباب التجافي عن الأرض.
- يُستحب في سجدة الشكر وضع الجبهة على الأرض أي ما يصح السجود عليه.
- يُستحب في سجدة الشكر التعفير 10، و المراد بالتعفير هنا وضع الخدين على التراب ثم العودة الى السجود بوضع الجبهة على الأرض 11.
- 1. أي أنَّ سجدةَ الشكر من السُنَنِ الثابتة و المؤكدة.
- 2. تهذيب الأحكام: 2 / 110، للشيخ أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي، المولود بخراسان سنة: 385 هجرية، و المتوفى بالنجف الأشرف سنة: 460 هجرية، طبعة دار الكتب الإسلامية، سنة: 1365 هجرية/شمسية، طهران/إيران.
- 3. من لا يحضره الفقيه: 1 / 332، للشيخ أبي جعفر محمد بن علي بن حسين بن بابويه القمي المعروف بالشيخ الصدوق، المولود سنة: 305 هجرية بقم، و المتوفى سنة: 381 هجرية، طبعة انتشارات اسلامي التابعة لجماعة المدرسين، الطبعة الثالثة، سنة: 1413 هجرية، قم/إيران.
- 4. وسائل الشيعة (تفصيل وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة): 7 / 5، للشيخ محمد بن الحسن بن علي الحُر العاملي، المولود سنة: 1033 هجرية بجبل عامل لبنان، و المتوفى سنة: 1104 بمشهد الإمام الرضا و المدفون بها، طبعة: مؤسسة آل البيت، سنة: 1409 هجرية، قم / إيران.
- 5. وسائل الشيعة: 7 / 15.
- 6. هو الشيخ محمد بن محمد النُعمان المُلقَّب بالشيخ المُفيد، المولود سنة: 336 هجرية ببغداد، و المتوفى بها سنة: 413 هجرية.
- 7. المقنعة: 108، للشيخ المفيد.
- 8. تنقسم الطهارة في المصطلح الفقهي من حيث نوعيتها الى نوعين هما:
1 _ الطهارة الخَبَثيَّة: و هي التي تحصل بعد ارتفاع أثر النجاسة من الشيء النَّجِس أو المتُنجِّس، و تتحقق هذه الطهارة بالغَسل و بأمور أخرى تختلف باختلاف نوع النجاسة و المتنجِّس و كيفية تطهيره.
2 _ الطهارة الحَدَثيَّة: و هي طهارة معنوية مسوغة لأعمال لا يجوز القيام بها إلا بعد حصول هذه الطهارة، و بحصولها يقع العمل صحيحاً.
أقسام الطهارة الحدثية:
و تنقسم الطهارة الحدثية الى:
1 _ الطهارة المائية: و هي الوضوء و الغُسل.
2 _ الطهارة الترابية: و هي التيمم بدلا عن الوضوء أو الغُسل. - 9. على المصلي أن يضع المواضع السبعة حال السجود على الأرض، و المواضع السبعة هي:
1. الجبهة.
2. الكفان.
3. الركبتان.
4. إبهامي الرجلين.
لكن الجبهة تنفرد في فقه الشيعة الإمامية بأحكام خاصة مستقاة من الأحاديث النبوية الشريفة، و مأخوذة عن السنة النبوية المباركة المذكورة في الكتب المعتبرة لدى أهل السنة و المؤيدة من قبل أئمة أهل البيت ( عليهم السَّلام ).
أما الحكم الخاص بالجبهة حال السجود فهو و ضعها على الأرض مباشرة دون حائل بينها و بين الأرض أو ما يصح السجود عليه، فالواجب وضع الجبهة على الأرض. - 10. أي وضع الجبهة و أطرافها حال السجود على الأرض و التراب، و تَعْفِيرُ الجَبِينِ : تَمْرِيغُهُ فِي التُّرَابِ، و التعفير : أن يمسح المصلي جبينه حال السجود على العفر و هو التراب تذللاً لله عزوجل، و الجبين : فوق الصدغ و هما جبينان عن يمين الجبهة و شمالها يتصاعدان من طرفي الحاجبين إلى قصاص الشعر فتكون الجبهة بين جبينين.
- 11. و هكذا يتحقق تعدد سجود الشكر، لاَن العودة إلى السجود بعد التعفير يعني تحقق سجدة شكر اُخرى و هي مستحبة اتفاقاً، و لأجل هذا يقال سجدتا الشكر.