بسم الله الرحمن الرحيم
وردني هذا السؤال من أحد المؤمنين، وقال إنه وصله من عند إخوتنا الزيدية، قالوا:
إذا كان الأئمة الاثنا عشر يعلمون المغيبات، فلماذا مات الإمامان موسى بن جعفر وعلي بن موسى بالسم؟
فالجواب ـ وبالله التوفيق ـ :
أوَّلاً: يلزم أن يعلم السائل الكريم أنَّ الاثنا عشرية لا يدعون علم الغيب لأئمتهم، بل يقولون إنهم يعلمون بالأمور الغيبية بإعلام الله تعالى، وهذا ليس خاصًّا بهم عليهم السلام، بل هو أمر في متناول سائر الأنبياء والأوصياء والأولياء بمختلف الطرُق، اللهم إلَّا أنَّهم يتفاوتون فيما بينهم في مقدار الاطلاع وسعة العلم، ولمحمد وآل محمد ـ صلوات الله عليهم ـ الحظ الأوفى من كل فضل، والسهم الأوفر في كل مضمار بفضل الله تعالى وجوده.
ثانياً: لا علاقة لعلم الغيب بانتفاء الموت بالسم، أي إنَّ العلم بالمغيب لا يستلزم عدم الموت بالسم. وإنما تخيل السائل الكريم ذلك لتصوره أنَّ الإمام حين تناول السم لم يكن يعلم به لكونه من الأمور الغائبة عنه. وبيان ذلك بمثال الشهيد الذي يقتل في سبيل الله تعالى، وأبرز مثال على ذلك مقتل الإمام الحسين عليه السلام في كربلاء، فإنه كان يعلم بذلك، ومع ذلك فإنه أقدم عليه، مما يدل على أنَّ الإقدام على سبب الموت لا يتنافى مع العلم بالسبب وسببيته.
فكذلك نقول فيما يرتبط بتناول الإمام المعصوم للسم الذي يؤدي إلى موته.
فإن قيل: الشهيد مكلف بالقتال، ولكن تناول السم ليس مما يُكلَّف به الإنسان، بل هو من المحرمات في الشريعة الإسلامية.
قلنا: الإقدام على سبب القتل حرام في الشريعة الإسلامية أيضاً، واستُثنيَ منه القتال في سبيل الله وما شابهه بالدليل، والخاص لا يتنافى مع العام. وكذلك شرب السم القاتل، هو محرم في الشريعة الإسلامية، إلا أن هذا لا ينفي أن يكون الإمام المعصوم مكلَّفاً بالشرب بتكليف خاص استثنائي لا يتنافى مع التكليف العام لحرمة الشرب. وكونه معصوماً مطلعاً على المغيبات قرينة قطعيَّة على أنَّ له تكليفاً خاصاً في الموضوع.
والحمد لله ربِّ العالمين.
