“زوروا موتاكم…”1.
إنّها كلمة لأمير المؤمنين (ع) تنطلق من الإيمان بأنّ الإنسان بعد موته لا يُعدم بل يبقى في حياة برزخية فيها حساب ونعيم وعذاب إلاّ من يُلهى عنهم ممن لم يُمحّص الإيمان والكفر،
بسم الله الرحمن الرحيم
زيارة القبور
“زوروا موتاكم…”1.
إنّها كلمة لأمير المؤمنين (ع) تنطلق من الإيمان بأنّ الإنسان بعد موته لا يُعدم بل يبقى في حياة برزخية فيها حساب ونعيم وعذاب إلاّ من يُلهى عنهم ممن لم يُمحّص الإيمان والكفر، وبالتالي فإنّ الميّت – وهو في تلك الحياة- يستفيد من زيارة محبّيه، كما يستفيد الزائر له.
فوائد الزيارة للميّت
1- أنس الميّت بالزائر
عن أمير المؤمنين (ع) بقوله: “زوروا موتاكم؛ فإنّهم يفرحون بزيارتكم”2.
عن الإمام الصادق (ع) في حديثه عن زيارة القبور: “إنّهم يأنسون بكم، فإذا غبتم عنهم استوحشوا”3.
عن إسحاق بن عمّار عن أبي الحسن (ع): “قلت له: المؤمن يعلم بمن يزور قبره؟ قال: نعم، ولا يزال مستأنساً به ما دام عند قبره، فإذا قام وانصرف من قبره دخله من انصرافه عن قبره وحشة”4.
وعن داود الرقّي، قال: “قلت لأبي عبد الله يقوم الرجل على قبر أبيه وقريبه وغير قريبه هل ينفعه ذلك؟ قال: نعم، إنّ ذلك يدخل عليه كما يدخل على أحدكم الهدية”5.
2- التوسعة على الميّت
عن عبد الله بن سليمان أنّه سأل الإمام الباقر (ع) عن زيارة القبور، فأجابه (ع): “إذا كان يوم الجمعة فزرهم؛ فإنّه من كان منهم في ضيق وسع عليه ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس يعلمون بمن أتاهم في كلّ يوم”6.
3- رحمة الله للميّت
إنّ زيارة قبر الميّت من موجبات رحمة الله تعالى له وذلك من خلال أعمالٍ يقوم بها الزائر، منها:
أ- قراءة القرآن لأجله
عن الإمام الرضا (ع): “من أتى قبر أخيه ثمّ وضع يده على القبر وقرأ إنّا أنزلناه في ليلة القدر سبع مرات أمن يوم الفزع الأكبر”7.
ب- دعاء الزائر له
عن عمرو بن أبي المقدام قال: مررت مع أبي جعفر (ع) بالبقيع، فقال (ع): “اللهمّ ارحم غربته، وصل وحدته، وآنس وحشته، واسكن إليه من رحمته ما يستغني بها عن رحمةٍ من سواك، وألحقه بمن كان يتولاّه”8.
فوائد الزيارة للزائر
1- العبرة والاتعاظ
عن الرسول الأكرم (ص) في حديث عن القبور: “…زوروها؛ فإنّ فيها عبرة”9.
وعن أمير المؤمنين (ع) وقد رجع من صفّين فأشرف على القبور بظاهر الكوفة وقال: “يا أهل الديار الموحشة، والمحالّ المقفرة، والقبور المظلمة، يا أهل التربة، يا أهل الغربة، يا أهل الوحدة، يا أهل الوحشة، أنتم لنا فرط سابق، ونحن لكم تبع لاحق، أما الدور فقد سكنت، وأما الأزواج فقد نكحت، وأمّا الأموال فقد قسمت، هذا خبر ما عندنا، فما خبر ما عندكم؟ ثمّ التفت إلى أصحابه فقال: أما لو أذن لهم في الكلام لأخبروكم أنّ خير الزاد التقوى”10.
2- الزهد في الدنيا
عن الرسول الأكرم (ص) في حديثه عن زيارة القبور: “… فزوروها؛ فإنّها تزهد في الدنيا”11.
3- ذكر الموت
ورد أنّ النبي (ص) زار قبر أمّه فبكى وأبكى من حوله… ثمّ قال: “استأذنت ربي في أن أزور قبرها، فأذن لي فزوروا القبور؛ فإنّها تذكّركم الموت”12.
وذكر الموت ممّا دعا إليه رسول الله (ص) وأهل بيته (ع) إليه وحثّوا عليه ليكون رادعاً للإنسان عن المعاصي داعياً للتفكير بكماله الأخروي من عبادة لله وخدمة للمجتمع، لذا ورد عن النبي الأكرم (ص) أنّه قال: “أفضل الزهد في الدنيا ذكر الموت، وأفضل العبادة ذكر الموت، وأفضل التفكّر ذكر الموت، فمن أثقله ذكر الموت، وجد قبره روضة من رياض الجنّة”13، وعن الإمام علي (ع) في ما ورد عنه: “أكثروا ذكر الموت، ويوم خروجكم من القبور وقيامكم بين يدي الله عزّ وجل يهوّن وكان ثلّة من المؤمنين محافظين على هذه السُنّة، سُنّة ذكر الموت، فقد رُوي أنّ شاباً من الأنصار كان يأتي عبد الله بن العبّاس، وكان عبد الله يكرمه ويدنيه، فقيل له: إنّك تكرم هذا الشاب وتدنيه، وهو شاب سوء يأتي المقابر فينبشها بالليالي، فقال عبد الله بن العبّاس، إذا كان ذلك فأعلموني، فخرج الشابّ في بعض الليالي يتخلّل القبور، فأعلم عبد الله بن العبّاس بذلك، فخرج لينظر ما يكون من أمره، ووقف ناحية ينظر إليه من حيث لا يراه الشابّ فدخل الشابّ قبراً قد حُفر، ثمّ اضطجع في اللّحد، ونادى بأعلى صوته: (يا ويحي إذا دخلت لحدي وحدي، ونطقت الأرض من تحتي فقالت: لا مرحباً بك ولا أهلاً، قد كنت أبغضك وأنت على ظهري، فكيف وقد صرت في بطني؟! بل ويحي إذا نظرت إلى الأنبياء وقوفاً والملائكة صفوفاً، فمن عدلك غداً من يُخلّصني، ومن المظلومين من يستنقذني، ومن عذاب النار من يجبرني، عصيتُ من ليس بأهلٍ أن يُعصى، عاهدت ربّي مرّة بعد أخرى، فلم يجد عندي صدقاً ولا وفاءً”، وجعل يردّد هذا الكلام ويبكي، فلمّا خرج من القبر التزمه ابن العباس وعانقه ثمّ قال: نِعمَ النبّاش! نِعمَ النبّاش! ما أنبشك للذنوب والخطايا”14.
4- تذكر الآخرة
عن الإمام علي (ع) أنّ رسول الله (ص) رفض في زيارة القبور وقال: “وتذكركم الآخرة”15.
5- غفران الذنوب
عن اصبع بن نباتة، قال: كنت مع علي بن أبي طالب فمرّ بالمقابر فقال: “السلام على أهل لا إله إلاّ الله، من أهل لا إله إلاّ الله، يا أهل لا إله إلاّ الله، كيف وجدتم كلمة لا إله إلاّ الله؟، يا لا إله إلاّ الله بحقّ لا إله إلاّ الله، اغفر لمن قال لا إله إلاّ الله واحشرنا في زمرة من قال لا إله إلاّ الله.
قال علي (ع) سمعت رسول الله (ص) يقول: من قالها إذا مرّ بالمقابر غفر له ذنوب خمسين سنة قال: لوالديه وإخوانه ولعامة المسلمين”16.
6- تنمية العاطفة
عن الرسول الأكرم (ص) في حديثه عن القبور: “…فزوروها، فإنّه يرقّ القلب وتدمع العين، وتذكر الآخرة…”17.
7- قضاء حوائج الزائر
عن الإمام علي (ع) في حديثه عن استجابة زيارة الموتى: “…وليطلب الرجل حاجته عند قبر أبيه وأمّه بعد ما يدعو لهما”18.
8- استذكار سير أهل الفضل
عن الإمام الصادق (ع): “عاشت فاطمة (ع) بعد أبيها خمسة وسبعين يوماً لم تر كاشرة ولا ضاحكة، تأتي قبور الشهداء في كل جمعة مرتين: الاثنين والخميس، فتقول ههنا كان رسول الله (ص)، ههنا كان المشركون”19.
1 المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار، تحقيق يحيى العابدي الزنجاني وعبد الرحيم الرباني الشيرازي، ط2، بيروت، مؤسسة الوفاء، 1983، ج75، ص347.
2 المصدر السابق.
3 الكليني، محمد بن يعقوب، الكافي، ج3، ص228.
4 المصدر السابق.
5 المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار، ج79، ص 64.
6 الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج7، ص 415.
7 الكليني، محمد بن يعقوب، الكافي، ج3، ص229.
8 المصدر السابق.
9 المتقي الهندي، كنز العمال، تحقيق بكري حياني، (لا،ط)، بيروت، مؤسسة الرسالة، 1989، ج5، ص108.
10 المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار، ج79، ص180.
11 المتقي الهندي، كنز العمال، ج15، ص646.
12 المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار، ج22، ص530.
13 المصدر السابق، ج6، ص127.
14 المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار، ج6، ص12.
15 النوري، مستدرك الوسائل، ص 364.
16 المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار، ج90، ص 203.
17 الحاكم النيسابوري، المستدرك، ج1، ص376.
18 المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار، ج10، ص97.
19 الكليني، محمد بن يعقوب، الكافي، ج3، ص228.
المصدر:موقع سراج القائم