نص الشبهة:
ما هو حكم إقامة مجلس الأربعين للمؤمنين بعد مرور أربعين يوما على وفاتهم؟! هل هو مأثور عن أهل البيت؟ هل هو من السنن المستحبة في الشريعة الإسلامية؟ أم أنه كما يزعم البعض: «ربما يكون أصلها يهودياً»؟
الجواب:
1 ـ زيارة الأربعين
إنه لا ريب في استحباب زيارة الأربعين للإمام الحسين عليه الصلاة والسلام . . وقد دلت على ذلك النصوص ، حتى إن ثمة روايات ذكرت نص الزيارة التي يستحب أن يزور بها المؤمن الإمام الحسين (عليه السلام) في هذا اليوم 1 .
هذا بالإضافة إلى ما روي من أن من علامات المؤمن خمس : صلاة إحدى وخمسين ، وزيارة الأربعين ، والجهر بـ ﴿ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ ﴾ 2 ، والتختم في اليمين ، وتعفير الجبين 3 . وقد حكم العلماء باستحباب هذه الزيارة ، فراجع كتبهم رضوان الله تعالى عليهم 4 . فزيارة الأربعين إذن ليس أصلها يهودياً . .
2 ـ مجلس الأربعين
أما بالنسبة لمجلس الأربعين للمؤمنين ، فهو أيضاً ليس يهودياً ، إذ أن اليهود حسبما ذكرت بعض المصادر إنما يعيدون الحداد على فقيدهم بعد مرور ثلاثين يوما ، وبمرور تسعة أشهر ، وعند تمام السنة 5 .
على أنه ليس بالضرورة أن يكون كل ما عند اليهود باطلاً ، فقد تكون لديهم بعض الأمور الصحيحة ، التي بقيت من دين موسى . . تماما كما بقيت بعض اللمحات من دين الحنيفية في عرب الجاهلية . .
أضف إلى ما تقدم : أن في الروايات الواردة عن أهل البيت (عليهم السلام) ما يشير إلى الأربعين ، فقد روي عن أبي ذر ، وابن عباس ، عن النبي (صلى الله عليه وآله) قوله : « إن الأرض لتبكي على المؤمن أربعين صباحاً » 6 .
وقد روي نظير ذلك بالنسبة للإمام الحسين (عليه السلام) ، فعن زرارة عن أبي عبد الله : « إن السماء بكت على الحسين أربعين صباحا بالدم ، والأرض بكت عليه أربعين صباحا بالسواد ، والشمس بكت عليه أربعين صباحا بالكسوف والحمرة ، والملائكة بكت عليه أربعين صباحا الخ » 7 . .
وعن أبي جعفر (عليه السلام) :
« ما بكت السماء على أحد بعد يحيى بن زكريا إلا على الحسين بن علي (صلوات الله عليهما) ، فإنها بكت عليه أربعين يوماً » 8 .
وهناك رواية أخرى عن أبي عبد الله (عليه السلام) فراجع 9 . ولسنا هنا بصدد تتبع الروايات .
وقد ورد في الروايات : « أن آدم (عليه السلام) قد بكى على هابيل أربعين ليلة » 10 .
عن محمد بن الوليد قال : « إن صاحب المقبرة سأله عن قبر يونس بن يعقوب قال : من صاحب هذا القبر ؟ فإن أبا الحسن علي بن موسى الرضا (عليه السلام) أمرني أن أرش قبره أربعين شهرا ، أو أربعين يوما في كل يوم مرة » 11 .
وقال السيد هاشم البحراني في معالم الزلفى : « إذا قبض الله نبياً من الأنبياء بكت عليه السماء والأرض أربعين سنة ، وإذا مات العالم العامل بعلمه بكت عليه أربعين يوما الخ » 12 .
وعلى كل حال ، فإن الإجتماع بعد أربعين يوماً إنما يراد به تذكُّر الميت ، وإتحافه بالهدايا عبر الدعاء له بالرحمة والمغفرة ، وإهدائه ثواب قراءة القرآن ، وليس في ذلك غضاضة . . خصوصا إذا لم يقصد التعبد والإستحباب .
بل إنه حتى لو قصد ذلك ، استنادا إلى بعض ما ذكرناه آنفا ، مما أشار إلى خصوصية في الأربعين .
أو للتأسي بالأئمة في ما أعلنوه من ذكرى أربعين الإمام الحسين (عليه السلام) ، على اعتبار أنهم هم الأسوة والقدوة ، إذا لم يثبت أن ذلك مختص بالحسين (عليه السلام) .
نعم . . لو قصد ذلك استناداً إلى ذلك ، فإن فاعل ذلك لا يكون قد تجاوز الحد فيه ، خصوصا مع الأخذ بقاعدة التسامح في أدلة ما هو من هذا القبيل .
3 ـ ذكرى الأسبوع
وأما ذكرى الأسبوع فلم نجد بحسب سبرنا المحدود الناقص جداً للأحاديث ما يدل على استحباب إقامتها .
نعم قد ورد : أن المؤمن يفنن (لعل الصحيح يفتن) في قبره سبعة أيام ، والكافر أربعون يوماً 13 .
4 ـ الذكرى السنوية
وأما ما دل على الذكرى السنوية ، فهو كثير أيضاً .ومن ذلك : «أن الإمام الرضا (عليه السلام) أوصى بثمان مئة درهم لنوادب يندبنه في منى ، في أيام منى ، لمدة عشر سنوات» 14 . وكانت فاطمة (عليها السلام) تزور قبر حمزة ، وتقوم عليه .
وكانت في كل سنة تأتي قبور الشهداء مع نسوة معها يدعون ويستغفرون 15 .
وقد ذكرت بعض الروايات : « أن الإمام الصادق (عليه السلام) ناح سنة على بنت له ماتت ، وناح سنة أيضاً على ابن له مات » 16 .
والحمد لله ، والصلاة والسلام على محمد وآله . . 17 .
- 1. راجع : تهذيب الأحكام ج6 ص113 و114 وإقبال الأعمال ص590 و591 ومصباح الزائر ص152 154 والبحار ج98 ص331 333 والمزار للشهيد ص57 و58 .
- 2. القران الكريم: سورة الفاتحة (1)، من بداية السورة إلى الآية 1، الصفحة: 1.
- 3. راجع : إقبال الأعمال ص589 وتهذيب الأحكام للطوسي ج6 ص52 والمزار للمفيد ص60 والحدائق الناضرة ج18 ص337 ومنتهى المطلب . كتاب الزيارات ، الملحق بكتاب الحج ووسائل الشيعة ج14 ص478 ومصباح المتهجد ص730 .
- 4. راجع : زيارة الأربعين لكمال زهر . فإنك تجد شطراً من المصادر لذلك .
- 5. راجع : مقتل الحسين للسيد عبد الرزاق المقرم هامش ص365 من نهر الذهب في تاريخ حلب ج1 ص267 .
- 6. مجموعة ورام ج2 ص60 عن أبي ذر والبحار ج ص ومقتل الحسين للمقرم ص364 وعن ورام عن أبي ذر ، وابن عباس .
- 7. مستدرك الوسائل ج10 ص313 وكامل الزيارات ص81 والبحار ج45 ص206 .
- 8. البحار ج45 ص211 عن كامل الزيارات .
- 9. البحار ج45 ص211 عن كامل الزيارات وراجع ص210 عنه أيضاً وص 213 والأربعينيات ص158 و159 عن مجمع البيان ، وعن المثاقب ج2 .
- 10. راجع : سفينة البحار ج1 ص504 وناسخ التواريخ ج4 ص379 ومجمع البحرين .
- 11. الأربعينيات ص148 عن لآلئ الأخبار وعن رجال الكشي .
- 12. الأربعينيات ص157 .
- 13. لآلئ ج4 ص252 والأربعينيات ص24 .
- 14. راجع : البحار ج79 ص106 و107 والكافي ج3 ص217 ومن لا يحضره الفقيه ج1 ص116 و تهذيب الأحكام .
- 15. البحار ج79 ص169 و دعائم الإسلام ج1 ص239 .
- 16. البحار ج79 ص84 و اكمال الدين ج1 ص162 .
- 17. مختصر مفيد . . ( أسئلة و أجوبة في الدين والعقيدة ) ، للسيد جعفر مرتضى العاملي ، « المجموعة الأولى » المركز الإسلامي للدراسات ، الطبعة الأولى ، 1423 ـ 2002 ، السؤال (70) .