مقالات

زكاة الفطرة وجوبها مصرفها …

ورد في القرآن الكريم العديد من الآيات التي تربط بين الصلاة والزكاة كما في قوله تعالى ﴿ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ … ﴾ 1، وقد ورد عن الزكاة آيات خاصة بها ومنها ﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ 2 حيث ورد أن هذه الآية نزلت في شهر رمضان المبارك، فأمر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) مناديه فنادى في الناس “إن الله تبارك وتعالى قد فرض عليكم الزكاة كما فرض عليكم الصيام”، ثم لم يتعرض لشيء من أموالهم حتى حال عليهم الحول من “قابل” فصاموا وأفطروا، فأمر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) مناديه فنادى في المسلمين “أيها المسلمون زكوا أموالكم تُقْبَل صلاتكم).
وورد في علة وجوب الزكاة ما يلي من الحديث: (إنما وُضعتِ الزكاة اختباراً للأغنياء ومعونة للفقراء، ولو أن الناس أدوا زكاة أموالهم ما بقي مسلم فقيراً محتاجاً، ولاستغنى بما فرض الله، وإن الناس ما افترقوا ولا احتاجوا ولا جاعوا ولا عروا إلا بذنوب الأغنياء). وفي حديث آخر (إن الله فرض للفقراء في أموال الأغنياء ما يكتفون به ولو علم أن الذي فرض لهم لم يكفهم لزادهم).
وقد ورد في زكاة الفطرة بالخصوص حديث لافت للنظر وهو (إن من تمام الصوم إعطاء الزكاة يعني “الفطرة” كما أن الصلاة على النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) من تمام الصلاة، لأنه من صام ولم يؤدِّ الزكاة فلا صوم له إذا تركها متعمداً).
من هذه الأحاديث يمكن الجزم بأن وجوب الزكاة عامة، وزكاة الفطرة خاصة في ليلة العيد “عيد الفطر” وإلى الزوال من يوم العيد” وهو “وقت الوجوب والإخراج لزكاة الفطرة” هو من أجل تمكين الفقير المحتاج والمسكين البائس من أن يعيش أجواء الفرح والسرور التي يعيشها المقتدرون الاغنياء، وما يؤكد أن الإسلام قد نظر إلى هذا الهدف في بعض معاني وجوب زكاة الفطرة هو جواز تقديم دفعها قبل ليلة العيد ولو بعناوين أخرى غير عنوان الزكاة، ومن ثم احتسابها زكاة فطرة ليلة العيد بعد التأكد من دخول شهر شوال بالإثباتات المقررة شرعاً.
ولذا ورد في الحديث عن الإمام الصادق (عليه السلام): (من ختم صيامه بقول صالح أو عمل صالح تقبَّل الله منه صيامه، فقيل: يا ابن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) ما القول الصالح؟ قال: شهادة أن لا إله إلا الله، والعمل الصالح إخراج الفطرة)، ولا شك أن المواساة من المؤمنين القادرين الذين أنعم الله عليهم إلى إخوانهم الفقراء المعوزين من دون تفضُّلٍ وتمننٍ عليهم هي من أفضل العمل الصالح عند الله لما فيه من تقوية للفقير على الاستقواء بإيمانه على الفقر وما قد يدفع إليه الإنسان من أفكار وأعمال منحرفة أحياناً.
والذي يؤكد معنى التكافل الاجتماعي في زكاة الفطرة لعيد الفطر هو ما ورد من عدم نقل هذه الزكاة من بلد إلى بلد آخر مع وجود المستحقين في بلد الزكاة، إذ لا معنى لكي تُنقَل الزكاة وهي حق الفقراء إلى بلد آخر مع وجود الفقراء، لأن الزكاة في نهاية الأمر هي لهذا العنوان الشرعي “الفقير” وهو سواء في كل البلدان “بلد الزكاة أو غيره”.
إلى هنا نفهم أن هذه الزكاة هي واجبة على الغني، والغني “شرعاً” هو من كان عنده احتياجاته المعيشية السنوية دفعة واحدة أو بالتدريج كمن يقبض راتباً شهرياً مثلاً ويكفيه ولا يحتاج لمساعدة من غيره، وهذا هو الحد الأدنى للغني شرعاً، فما دون ذلك فهو “الفقير” شرعاً، والمسكين وهو الأشد سوءاً وفقراً من الفقير، وما فوق ذلك فهو الغني الواجب عليه دفع الزكاة “زكاة الفطرة”.
ويجب دفعها عن كل إنسان يعيله الغني شرعاً ليلة العيد “زوجته وأولاده البالغون وغير البالغين، وضيوفه الذين يبيتون عنده بحيث يصدق عليه أنه معيل لهم ولو بحدود وتلك الليلة فقط، وخادمه إن كان موجوداً وسواء أكان مسلماً هذا الخادم أو غير مسلم.
ومقدار زكاة الفطرة هو “ثلاثة كيلوغرامات” المساوية “للصاع الشرعي” عن كل شخص صغيراً كان أو كبيراً، فلو فرضنا أن شخصاً لديه زوجة وولدان صغيران غير بالغين فالواجب هنا دفع “اثني عشر كيلوغراماً”، وهنا كما يجوز دفع نفس المواد العينية يجوز تقدير قيمتها وفق سعر السوق ودفعها إلى الفقراء المحتاجين، والمستحب شرعاً هنا اختيار الأقرباء إلى الإنسان على قاعدة قوله تعالى ﴿ … وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ … ﴾ 3، وما يجوز دفعه من المواد العينية يشمل كل ما هو عنوان الطعام القابل لأن يكون غذاء للإنسان سواء أكان قليل القيمة أو كثيرها بلا فرق، والإسلام لم يفرض في هذا المجال نوعاً محدداً من الطعام بخصوصه.
ولا بد من إلفات النظر إلى أن زكاة الفطرة من العبادات تجب حين دفعها إلى الفقير نية التقرب إلى الله أو الامتثال لأمر الله عز وجل من دون رياء أو نفاق أو إشراك شيء مع الله في تلك النية التي ينبغي أن تكون خالصة لوجه الله تعالى.
ولا بد من التذكير أيضاً بأن المستحق لزكاة الفطرة كلما كان مستجمعاً للصفات الشرعية المطلوبة من الإيمان والالتزام والتقوى كلما كان أجر الزكاة وثوابها أكبر لأنها صدرت من أهلها ووقعت في محلها المرغوب، ولذا لا يجوز دفع الزكاة لمن يشرب الخمر أو لمن يتجاهر بارتكاب الكبائر، ولا يجوز دفعها أيضاً لمن نعلم أنه سيصرف مال الزكاة فيما هو مُحرَّمٌ في الإسلام كالقمار وما شابه ذلك.
ولا بأس بأن نعود لنختم الحديث عن “زكاة الفطرة” بما ورد عن أهل بيت النبوة والعصمة عليهم السلام، فقد ورد عن الإمام علي (عليه السلام): (فاذكروا الله يذكركم، وادعوه يستجب لكم، وأدوا فطرتكم فإنها سنة نبيكم، وفريضة واجبة من ربكم)، وهذا الحديث هو بعضٌ من تفسير كلام رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) حول “زكاة الفطرة” حيث ورد عنه (صلى الله عليه وآله وسلّم) أنه قال: (من صام شهر رمضان وختمه بصدقة “زكاة الفطرة” وغدا إلى المصلى بغسل رجع مغفوراً له).
والحمد لله رب العالمين4.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى