في أول اجتماع سياسي عام لأبي بكر الخليفة الأول أمر المسلمين ” بأن لا يحدثوا شيئا عن رسول الله ” 1.
و كلام الخليفة الأول من الوضوح بحيث أنه لا يحتاج إلى تأويل فهو يمنع علنا رواية سنة الرسول ، و في الوقت نفسه الذي منع فيه الخليفة الأول رواية سنة الرسول منع ضمنا كتابة سنة الرسول حيث أحرق الأحاديث التي سمعها بنفسه من رسول الله و كتبها بخط يده 2 و تلك رسالة واضحة إلى المسلمين مفادها ” لا ترووا سنة الرسول و لا تكتبوها !!! ” .
لم تكن هذه سياسة الخليفة الأول فحسب بل كانت سياسة ولي عهده و شريكه في أمره عمر بن الخطاب ، و من يتتبع سيرة عمر ، و ما ذكرناه في الفصول السابقة ، لا يشك إطلاقا بأن عم هو الذي زرع في ذهن الخليفة فكرتي ، منع رواية السنة ، و إحراق الأحاديث التي كتبها !! لأن عمر بن الخطاب هو أول مخترع لشعار ” حسبنا كتاب الله ” !!! و هو الشعار الذي برر به أبو بكر ما فعل !!!
و لما آلت الأمور إلى عمر بن الخطاب ، و تولى الخلافة خالف صاحبه شكلا و اتفق معه بالمضمون !!! و وسع إطار المنع و الإحراق ، و جعلهما سياسة علنية عامة لدولته !!!
فأبو بكر منع رواية سنة الرسول أولا ، ثم أحرق سنة الرسول المكتوبة عنده ، أما عمر فقد جمع سنة الرسول المكتوبة عند الناس و الكتب المحفوظة لديها فأحرقها أولا ” 3 .
ثم عمم على كافة الأمصار الخاضعة لحكمه ” إن من كان عنده شئ من سنة الرسول فليمحه ” 4 كما فصلنا ذلك من قبل !!
و لما تصور الخليفة عمر بن الخطاب أنه قد أحرق سنة الرسول المكتوبة عند المسلمين ، و الكتب المحفوظة لديهم ، تفرغ لمنع رواية سنة الرسول و قد اتخذ هذا المنع أشكالا متعددة ، و بالرغم من تعدد الأشكال فإنها تخدم غاية واحدة لا تخفى حتى على عامة الناس و جهلتهم و هي رغبة الخليفة بأن يجتث سنة الرسول من الوجود ، و أن لا يبقى منها إلا تلك التي لا تتعارض مع توجيهات الدولة و وجودها و سياستها ، أو التي تخدم مصالح الدولة كما سنرى !!
و لأن الخليفة هو الرئيس العام للمجتمع الإسلامي ، و هو الخليفة الواقعي لرسول الله ، كان لا بد له من ذريعة أو شعار مقنع للناس ليبرر هجومه الضاري على سنة الرسول و ليبعد عن نفسه ظنون الناس و تقولاتهم ، فأوجد شعار ” حسبنا كتاب الله ، و لا كتاب مع كتاب الله !! ” و هو أول من أوجد هذا الشعار !! فعمر يريد القرآن ، و القرآن وحده ، و لا شئ سواه ، و لا شئ معه ، و لا يريد عمر أن يشغل المسلمين عن القرآن شاغل فالقرآن هو كتاب الله النافذ الأوحد ، و قانون المجتمع فلا كتاب معه ، و لا قانون سواه !!
و سنرى أن تلك شعارات للتبرير و لكن لا يمكن تطبيقها ، ولم يكن الخليفة جادا بتطبيقها !!
أشكال منع الخليفة عمر لرواية سنة الرسول
النهي عن رواية الحديث
1 ـ روي عن قرظة بن كعب أنه قال : ” لما سيرنا عمر إلى العراق مشى معنا إلى حرار ، ثم قال : أتدرون لما شيعتكم ؟ قلنا : أردت أن تشيعنا و تكرمنا فقال عمر : إن مع ذلك لحاجة ، إنكم تأتون أهل قرية لهم دوي بالقرآن كدوي النحل ، فلا تصدوهم بالأحاديث عن رسول الله و أنا شريككم ، قال قرظة فما حدثت بعده حديثا عن رسول الله ” 5 .
و في رواية أخرى ، فلما قدم قرظة بن كعب قالوا : ” حدثنا فقال قرظة : نهانا عمر ” 6 .
فقرظة قد فهم بأن عمر ينهى عن الحديث عن رسول الله بدليل قوله :
” فما حدثت بعده حديثا عن رسول الله ” .
2 ـ قال عبد الرحمن بن عوف : ” ما مات عمر بن الخطاب حتى بعث إلى أصحاب رسول الله فجمعهم من الآفاق ، عبد الله بن حذيفة ، و أبو الدرداء ، و أبو ذر و عقبة بن عامر فقار : ما هذه الأحاديث التي أفشيتم عن رسول الله في الآفاق ؟ فقالوا تنهانا !! قال : لا ، أقيموا عندي ، لا والله لا تفارقوني ما عشت ، فنحن أعلم نأخذ منكم ، و نرد عليكم ” 7 .
3 ـ و وصى عمر أبا موسى الأشعري عندما بعثه إلى العراق بمثل ما وصى به قرظة بن كعب 8 .
4 ـ خطب عمر بن الخطاب فقال : ” . . . من قام منكم فليقم بكتاب الله ، و إلا فليجلس فإنكم قد حدثتم الناس ، حتى قيل قال فلان و قال فلان ، و ترك كتاب الله ” 9 .
5 ـ قال الشعبي : ” جالست ابن عمر سنة فما سمعته يحدث عن رسول الله شيئا ” 10 .
6 ـ قال سعيد بن المسيب : ” كتب إلى أهل الكوفة مسائل ألقى فيها ابن عمر ، فلقيته فسألته من الكتاب ، و لو علم أن معي كتابا لكانت الفيصل بيني و بينه ” و هذا يعني أن عبد الله بن عمر ملتزم التزاما تاما بنهي أبيه عن سنة رسول الله !! و يجدر بالذكر أيضا أن حفصة بنت عمر كانت تعارض التدوين ، و كأن معارضة كتابة و رواية سنة رسول الله خلق في آل عمر !! 11 .
التهديد و الضرب
1 ـ قال عمر بن الخطاب لأبي هريرة : ” لتتركن الحديث عن رسول الله أو لألحقنك بأرض دوس ” 12 و قال له أيضا : ” لتتركن الحديث عن رسول الله أو لألحقنك بأرض الفيح يعني أرض قومه ” 13 .
2 ـ يبدو أن أبا موسى قد روى حديثا ، فسمعه عمر بن الخطاب ، أو سمع به عمر بن الخطاب فقال لأبي موسى : ” والله لتقيمن عليه البينة ” ، و في لفظ مسلم ” أقم عليه البينة و إلا أو جعلتك ” 14 .
3 ـ و يبدو أيضا أن عمر بن الخطاب قد سمع بأن أبي بن كعب قد روى حديثا عن رسول الله فأخذ عمر بمجامع أبي بن كعب و قال له :
” لتخرجن مما قلت !!! أي يجب أن تتنصل من رواية هذا الحديث !! و قاد أبي إلى المسجد ، فأوقفه على حلقة من أصحاب الرسول ، منهم أبو ذر ، فقال أبو ذر : أنا سمعته أيضا من رسول الله ، فأرسله ” 15 و في رواية أنه قال لأبي : ” لتأتيني على ما تقول ببينة ” 16 .
4 ـ ضرب عمر أبا هريرة بالدرة و قال له : ” قد أكثرت من الرواية ، و أحر بك أن تكون كاذبا على رسول الله ” 17 .
5 ـ قال أبو هريرة : ” ما كنا نستطيع أن نقول قال رسول الله حتى قبض عمر ” 18 و كان أبو هريرة يقول : ” لو كان عمر حيا لما سمح له برواية حديث رسول الله و لضربه بالدرة ” 19 .
6 ـ قال أبو هريرة : ” لقد حدثتكم بأحاديث لو حدثت بها زمن عمر لضربني بالدرة ” 20 .
7 ـ قال أبو سلمة : ” سألت أبا هريرة أكنت تحدث في زمن عمر هكذا ؟ قال أبو هريرة لو كنت أحدث في زمان عمر مثل ما أحدثكم لضربني بمحففته ” 21 .
8 ـ و قال : ” ما كنا نستطيع أن نقول قال رسول الله حتى قبض عمر ” 22 .
9 ـ قال الأحنف بن قيس : ” أتيت الشام ، فجمعت فإذا رجل لا ينتهي إلى سارية إلا فر أهلها منه ، يصلي و يخفف صلاته ، قال فجلست إليه ، فقلت يا عبد الله من أنت ؟ قال : أنا أبو ذر ، فقال لي : من أنت ، قال : قلت الأحنف بن قيس ، قال : قم لا أعدك بشر ، فقلت له : كيف تعدني بشر ، قال : إن هذا ـ يعني معاوية ـ نادى مناديه ألا يجالسني أحد ” 23 هذا أبو ذر الذي وصفه الرسول بأنه أصدق الناس لهجة ، و خير من أقلت الغبراء و أظلت السماء !! و هذا ما يتعرض له من والي عمر على بلاد الشام بسبب إصراره على رواية سنة الرسول !!!
10 قال ابن الأثير : ” كان الحجاج بن يوسف الثقفي قد ختم في يد جابر و في عنق سهل بن سعد الساعدي و أنس بن مالك يريد إذ لا لهم ، و أن يتجنبهم و لا يسمعوا منهم ” 24 .
الحبس
1 ـ بعث عمر بن الخطاب إلى عبد الله بن مسعود و إلى أبي الدرداء و إلى أبي مسعود الأنصاري فقال : ” ما هذا الحديث الذي تكثرون عن رسول الله ، فحبسهم بالمدينة حتى استشهد ” 25 .
2 ـ إن عمر قال لابن مسعود و لأبي الدرداء ولأبي ذر : ” ما هذا الحديث عن رسول الله ، و أحسبه حبسهم بالمدينة حتى أصيب ” 26 .
3 ـ قال الذهبي : إن عمر حبس ثلاثة : ابن مسعود و أبا الدرداء و أبا مسعود الأنصاري فقال : ” لقد أكثرتم الحديث عن رسول الله ” 27 .
4 ـ قال ابن عساكر : ” ما خرج ابن مسعود إلى الكوفة ببيعة عثمان إلا من حبس عمر في هذا السبب ” 28 .
إرهاب و رعب لا مثيل لهما في التاريخ !!
لما مرض النبي تنكرت له زعامة بطون قريش ، و استخفت هذه الزعامة الأكثرية من المجتمع فتبعتها رغبة أو رهبة ! و واجهت تلك الزعامة الغاشمة رسول الله و هو على فراش الموت ، و معها جموع الغوغاء ، فقالوا لرسول الله :
أنت تهجر ـ أي لا تعي ما تقول ـ و القرآن وحده يكفينا ، و لسنا بحاجة لوصيتك و لا لتوجيهاتك النهائية !! و بعد أن قبضت زعامة البطون على مقاليد الحكم ، أحرقت سنة رسول الله المكتوبة عند المسلمين ، كما أحرقت الكتب المحفوظة لديهم ، و منعت منعا باتا رواية سنة رسول الله و رفعت شعار ” حسبنا كتاب الله ، و لا كتاب مع كتاب الله !! ” .
و صارت رواية السنة التي تكشف شناعة ما جرى من الجرائم الكبرى و فرض الإرهاب والرعب على المسلمين ، و هو إرهاب و رعب لا نظير لهما في التاريخ البشري كله .
و قد وصف حذيفة أمين سر رسول الله حجم الإرهاب و الرعب المفروضين آنذاك بقوله :
” لو كنت على شاطئ نهر ، و قد مددت يدي لأغترف ، فحدثتكم بكل ما أعلم ما وصلت يدي إلى فمي حتى أقتل ” 29 .
و حذيفة ليس شخصا عاديا إنما هو أحد كبار الصحابة الكرام ، و أمين سر رسول الله على المنافقين !! و مع هذا فهو يؤكد تأكيدا قاطعا بأنه لو حدثت الناس بما سمعه من رسول الله ، و كشف بعض الحقائق لقتلته زعامة بطون قريش و الجموع التي تؤيدها قبل أن يرتد إليك طرفك !! لأن الزعامة الغاشمة و الجموع معا لا يريدون إلا طمس الحقائق الشرعية !!!
و يؤكد هذا المناخ من الرعب و الإرهاب أبو هريرة المعروف بموالاته للغالب حيث قال : ” حفظت من رسول الله وعائين ، أما أحدهما فبثثته ، و أما الآخر فلو بثثته قطع هذا البلعوم ” 30 .
و وضح أبو هريرة الصورة قليلا في ما بعد قائلا : ” إني لأحدث أحاديثا لو تكلمت بها زمن عمر لشج رأسي ” 31 .
و في زمن عمر بن الخطاب عزم أبي بن كعب ـ أحد أكابر الصحابة ـ أن يتكلم في الذي لم يتكلم به بعد وفاة رسول الله فقال أبي : ” لأقولن قولا لا أبالي استحييتموني عليه أو قتلتموني ” 32 .
لقد صمم هذا الصحابي الكبير على كشف الحقائق الشرعية ، و ترقب الناس اليوم الذي حدده كعب لكشف الحقائق التي سمعها من رسول الله و فجأة ، قال قيس بن عبادة : ” رأيت الناس يموجون ، فقلت ما الخبر ؟
فقالوا : مات سيد المسلمين أبي بن كعب ، فقلت : ستر الله على المسلمين حيث لم يقم الشيخ ذلك المقام . . ” 33 .
أنت تلاحظ أن المنية ما أدركت هذا لأصحابي الجليل إلا قبل الوقت المحدد لكشف الحقائق !!! و يقينا أن أبي بن كعب قد قتل بالطريقة نفسها التي قتل فيها سعد بن عبادة سيد الخزرج .
و الخلاصة أن منع كتابة و رواية سنة الرسول ، و العزم على اجتثاثها من الوجود ، و كتمان الحقائق الشرعية التي تصطدم مع الواقع السياسي قد تحول إلى قانون أساسي نافذ المفعول في كافة أرجاء دولة الخلالة !! و من يخرج على هذا القانون فإن عقوبته الموت !! لم تعد هنالك قيمة للنفس البشرية و لا لأية حرمة من الحرمات فعلي بن أبي طالب يهدد بالقتل ، و أهل بيت النبوة يسامون سوء العذاب و تصادر حقوقهم بالتركة ، و المنح التي أعطيت لهم ، و يحرمون من سهم ذوي القربى ، و باليوم الثاني لوفاة الرسول تشرع دولة الخلافة بحرق بيت بنت رسول الله على من فيه وفيه فاطمة بنت الرسول و علي و الحسن و الحسين و بنو هاشم و كبار المعزين !!
و مع هذا فلم ينه أحد من الناس عن منكر من هذه المنكرات لا بيد و لا بلسان !! و طرحت فاطمة بنت رسول الله قضيتها أمام كبار القوم ، بأوضح لغة و أفصح لسان ، فسمعوها جميعا ، و بكى بعضهم ومع هذا لم يجرؤ أحد منهم على الكلام !! إنه الإرهاب و الرعب !! و مع أن الإرهاب قد ولى ، و الرعب قد زال ، إلا أن نفوس المسلمين ما زالت مسكونة بالرعب و الإرهاب ، لأنها قد أشربت روح التاريخ و ثقافته !! .
من وسائل تدمير سنة رسول الله
قلنا : إن الخليفة الأول قد أحرق أحاديث الرسول التي سمعها من رسول الله بنفسه و كتبها بخط يده ، و أن الخليفة الثاني ناشد الناس أن يأتوه بسنة الرسول المكتوبة عندهم لأنه يريد أن يجمعها في كتاب واحد ، كما ناشد الناس أن يأتوه بالكتب المحفوظة لديهم لأنه يريد أن ينظر بها و يقومها ، و صدقت الأكثرية الساحقة من المسلمين ذلك فلما أتاه الناس بسنة رسول الله المكتوبة عندهم ، و بالكتب المحفوظة لديهم أمر بتحريقها وحرقت فعلا ، ثم كتب إلى عماله في كل البلاد الخاضعة لحكمه أن من كان عنده شئ من سنة الرسول فليمحه ، و قد وثقنا كل كلمة قلنا مرات متعددة في الفصول السابقة .
و اقتداء بالخلفاء و عملا بسنتهم اخترعت وسائل أخرى للقضاء على سنة الرسول و تدميرها .
1 ـ الدفن
قال إبراهيم بن هاشم : ” دفنا لبشر بن الحارث ثمانية عشر ما بين قمطر و قوصرة ” 34 .
و علق ابن حنبل على عملية الدفن بقوله : ” لا أعلم لدفن الكتب من معنى ” 35 .
و قال ابن الجوزي : ” دفن الكتب و إلقاؤها في الماء من تلبس إبليس ” 36 .
2 ـ المحو
قال أبو نضرة قلنا لأبي سعيد : ” اكتتبنا حديثا من حديث رسول الله فقال : امحه ” 37 و هكذا فعل أبو موسى مع تابعه إذ محا كل ما كتب 38 .
3 ـ الغسل
قال عبد الرحمن بن أبي مسعود : ” كنا نسمع الشئ فنكبته ففطن لنا عبد الله بن مسعود ، فدعا أم ولده ، و دعا بالكتاب و بإجانة من ماء فغسله ” 39 .
و قال أبو بردة بن أبي موسى : ” كنت كتبت عن أبي كتابا فدعا بمركن ماء فغسله ” 40 .
و قال أبو بردة أيضا : ” كان أبو موسى يحدثنا بأحاديث فنقوم أنا و مولى لي فنكتبها ، فقال أتكتبان ما سمعتما مني ؟ قالا : نعم ، قال : فجيئاني به ، فدعا بماء فغسله ” 41 .
و حتى يضفو على هذه الأفعال الشنيعة طابع الشرعية كذبوا على رسول الله ، فادعوا بأنهم حرقوا سنته المكتوبة أمامه ولم يستنكر ذلك 42 .
بل ادعوا ما هو أكبر من ذلك فزعموا أن الرسول قد قال : ” لا تكتبوا عني من كتب عني غير القرآن فليمحه ” 43 .
ثم توجوا هذه الاختلاقات بقولهم : ” إن الإمام عليا خطب الناس فقال : اعزم على كل من كان عنده كتاب إلا رجع فمحاه ، فإنما أهلك حيث يتبعوا أحاديث علمائهم و تركوا كتاب ربهم ” 44 .
مثل هذه الأحاديث صحيحة من حيث الشكل ، و لنفترض أن أبا هريرة هو الذي رواها كلها ، فادعى بأنه قد سمعها من رسول الله بالفعل ، شكلا الحديث مقبول و معقول ، لأن أبا هريرة قد عاصر الرسول و صحبه سنتين أو ثلاث ، و لأن هذا الحديث يتفق مع سياسة الخلفاء و سنتهم القائمة على طمس سنة الرسول فمن الطبيعي أن يتبناه الخلفاء ، و أن تتبناه الدولة لأنه يتفق مع توجهاتها فإذا تبنته الدولة يصبح جزءا من وثائقها الرسمية ، ولا يجوز الطعن بالوثائق الرسمية إلا عن طريق التزوير !! و الدولة لا تكتفي بذلك ، إنما تدخل مثل هذا الحديث في مناهجها التعليقة ، و تفرض على الناس تصديقه !!! ولم يكن بإمكان أحد أن يطعن بصحة حديث تتبناه الدولة ، فمثل هذه الأحاديث محصنة بقوة الدولة و نفوذها ضد الطعن ، و عندما أباحت دولة الخلافة في ما بعد رواية و كتابة أحاديث الرسول وانطلق العلماء لجمعها وجدوا هذه الأحاديث التي تبنتها دولة الخلافة على شكل وثائق رسمية فنقلوها كما هي دون أن يتأكدوا من صحة مضامينها ، بعد سقوط دولة الخلافة بقيت هذه الأحاديث محصنة أيضا ضد الطعن ، و لكن ليس بقوة دولة الخلافة إنما بقوة ” نظرية عدالة كل الصحابة “!! فإذا صح أن أبا هريرة قد قال سمعت رسول الله ، أو سمعت عليا يقول كذا و كذا فإن أبا هريرة صادق 100 / لأنه صحابي و الصحابي ” من العدول ” أو معصوم ومن المستحيل أن يكذب !! و هكذا وجدت الأحاديث التي تخدم توجهات الدولة ، أو تؤيد سنة الخلفاء حماية مطلقة ، و إحصانا دائما ضد الطعن !!
و اختلفت الأحاديث الصحيحة مع الأحاديث المكذوبة على رسول الله و اختلط الدفاع عن سنة الرسول بالدفاع عن سنة الخلفاء و تواجدت هذه المتناقضات معا ، فنجمت على الباحث و على المسلم أن يراعيها معا !!!
صحيح أن المسلمين يعيشون زمانهم الراهن ، و لكن بعقلية الماضي وتناقضاته ، و أهل بيت النبوة و من والاهم و أحسن الولاء لهم هم وحدهم الذين استطاعوا أن يشقوا طريقهم وسط هذه التناقضات ، و أن يسلكوا سبيل الهدى 45 .
- 1. تذكرة الحافظ للذهبي : 1 / 2 ـ 3 ، و الأنوار الكاشفة : 53 ، و تدوين السنة الشريفة للجلالي : 423 .
- 2. تذكرة الحفاظ للذهبي : 1 / 5 ، و كنز العمال : 10 / 85 ، و الاعتصام بحبل الله المتين : 1 / 30 ، و تدوين السنة الشريفة : 264 .
- 3. الطبقات الكبرى لابن سعد : 5 / 140 .
- 4. كنز العمال : 10 / 291 .
- 5. أخرجها ابن عبد البر بثلاثة أسانيد في جامع بيان العلم باب ذكر من ذم الإكثار من الحديث : 2 / 147 ، و تذكرة الحفاظ للذهبي : 1 / 4 ـ 5 ، و الطبقات الكبرى لابن سعد : 6 / 7 ، و سنن الدارمي : 1 / 73 ، و سنن ابن ماجة : 1 / 73 ، و المستدرك على الصحيحين للحاكم : 1 / 110 ، و معالم المدرستين : 2 / 45 ، و تدوين السنة الشريفة : 431 .
- 6. المصدر السابق .
- 7. الحديث رقم 4865 من الكنز الطبعة الأولى : 5 / 239 و منتخبه : 4 / 61 .
- 8. المستدرك للحاكم : 1 / 125 ، و البداية والنهاية لابن كثير : 8 / 107 ، و تدوين السنة الشريفة : 433 .
- 9. أخبار المدينة : 3 / 800 .
- 10. الحديث و المحدثون : 68 ، و تدوين السنة الشريفة : 471 .
- 11. تدوين السنة الشريفة : 471 .
- 12. المحدث الفاضل : 554 رقم 746 ، و البداية والنهاية لابن كثير : 8 / 160 ، و تدوين السنة الشريفة : 431 .
- 13. أخبار المدينة المنورة لابن شيبة : 3 / 800 .
- 14. صحيح مسلم : 3 / 1694 ، و موطأ مالك : 2 / 964 بلفظ آخر و الرسالة للشافعي : 43 .
- 15. الطبقات الكبرى لابن سعد : 4 ف 1 / 13 ـ 14 .
- 16. تذكرة الحفاظ : 1 / 8 .
- 17. شرح النهج لابن أبي الحديد : 4 / 67 ، 68 .
- 18. البداية و النهاية لابن كثير : 8 / 107 .
- 19. تذكرة الحفاظ : 1 / 7 ، و جامع بيان العلم و فضله لابن عبد البر : 2 / 121 .
- 20. جامع بيان العلم لابن عبد البر : 2 / 121 .
- 21. تذكرة الحفاظ : 1 / 7 .
- 22. البداية و النهاية لابن كثير : 8 / 107 ، و تدوين السنة الشريفة : 486 ـ 487 .
- 23. الطبقات الكبرى لابن سعد : 4 / 168 .
- 24. أسد الغابة لابن الأثير : 2 / 472 الطبعة الحديثة ترجمة سهل ، و تدوين السنة : 478 .
- 25. الكامل لابن عدي : 1 / 18 .
- 26. المستدرك للحاكم : 1 / 110 و قال هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ، و وافقه الذهبي في ذيل المستدرك ، و مجمع الزوائد : 1 / 149 .
- 27. تذكرة الحفاظ للذهبي : 1 / 7 .
- 28. مختصر تاريخ دمشق : 17 / 101 ، و تدوين السنة الشريفة / 437 .
- 29. كنز العمال : 13 / 345 نقلا عن ابن عساكر ، و راجع كتابنا الاجتهاد : 84 .
- 30. صحيح البخاري : 1 / 34 .
- 31. البداية والنهاية لابن كثير : 8 / 107 .
- 32. الطبقات الكبرى لابن سعد : 3 / 501 ، و الحاكم باختصار : 2 / 329 و 3 / 303 .
- 33. المسترشد لابن جرير الطبري ، و معالم الفتن لسعيد أيوب : 1 / 257 ، و كتابنا الاجتهاد .
- 34. تقييد العلم : 62 ـ 63 ، و تدوين السنة : 277 .
- 35. تقييد العلم : 63 .
- 36. نقد العلماء أو تلبيس إبليس : 314 ـ 316، و تدوين السنة : 279 .
- 37. تقييد العلم : 38 .
- 38. الطبقات الكبرى لابن سعد : 4 / 112 .
- 39. سنن الدارمي : 1 / 102 .
- 40. تقييد العلم : 41 .
- 41. تقييد العلم : 40 ، و تدوين السنة : 281 .
- 42. مسند أحمد : 5 / 182 ، و سنن أبي داود كتاب العلم : 3 / 319 .
- 43. صحيح مسلم : 4 / 97 كتاب الزهد باب التثبت في الحديث و حكم كتابه العلوم ح 72 ، و سنن الدارمي : 1 / 119 المقدمة باب 42 ، و مسند أحمد : 3 / 12 و 39 و 51 .
- 44. الأنوار الكاشفة : 39 ، و تدوين السنة : 191 .
- 45. كتاب من أين سنة الرسول و ماذا فعلوا بها ؟! للكاتب أحمد حسين يعقوب : الفصل الخامس الباب الخامس .