رسالتان للشيخ المفيد
بعث الإمام المنتظر عليه السلام بعدة رسائل إلى ثقة الإسلام الشيخ المفيد قدس سره، ذكر رسالتين منها الشيخ الطبرسي، وهما :
الأولى:
” للأخ السديد والولي الرشيد الشيخ المفيد أبي عبد الله محمد بن محمد النعمان أدام الله إعزازه من مستودع العهد المأخوذ على العباد .
بسم الله الرحمن الرحيم
أما بعد: سلام عليك أيها الولي المخلص في الدين المخصوص فينا باليقين فإنا نحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو ونسأله الصلاة على سيدنا ومولانا ونبينا محمد وآله الطاهرين ونعلمك أدام الله توفيقك لنصرة الحق وأجزل مثوبتك على نطقك عنا بالصدق أنه قد أذن لنا في تشريفك بالمكاتبة، وتكليفك ما تؤديه عنا إلى موالينا قبلك أعزهم الله بطاعته وكفاهم المهم برعايته لهم وحراسته فقف – أيدك الله بعونه – على أعدائه المارقين من دينه على ما أذكره وأعمل في تأديته إلى من تسكن إليه بما نرسمه إن شاء الله .
نحن وإن كنا ثاوين بمكاننا النائي عن مساكن الظالمين حسب الذي أراناه الله تعالى لنا من الصلاح ولشيعتنا المؤمنين في ذلك ما دامت دولة الدنيا للفاسقين فإنا نحيط علما بأنبائكم ولا يعزب عنا شيء من أخباركم ومعرفتنا بالذل الذي أصابكم مذ جنح كثير منكم إلى ما كان السلف الصالح عنه شاسعا ونبذوا العهد المأخوذ وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون على إنا غير مهملين
لمراعاتكم ولا ناسين لذكركم ولولا ذلك لنزل بكم اللأواء أو اصطلمكم الأعداء، فاتقوا الله جل جلاله وظاهرونا على انتياشكم من فتنة قد أنافت عليكم يهلك فيها من حم أجله ويحمى عنها من أدرك أمله وهي أمارة الأزوف ومباثتكم بأمرنا ونهينا والله متم نوره ولو كره المشركون .
اعتصموا بالتقية من شب نار الجاهلية يحششها عصب أموية يهول بها فرقة مهدية أنا زعيم بنجاة من لم يروم فيها المواطن وسلك في الطعن منها السبل المرضية إذا حل جمادى الأولى من سنتكم هذه فاعتبروا بما يحدث فيه واستيقضوا من رقدتكم لما يكون في الذي يليه .
ستظهر لكم من السماء آية جلية ومن الأرض مثلها بالسوية ويحدث في أرض المشرق ما يحزن ويقلق ويغلب من بعد على العراق طوائف عن الإسلام مراق تضيق بسوء فعالهم على أهله الأرزاق ثم تنفرج الغمة من بعد بوار طاغوت من الأشرار ثم يستر بهلاكه المتقون الأخيار ويتفق لمريدي الحج من الآفات ما يؤملونه منه على توفير عليه منهم واتفاق ولنا في تيسير حجهم على الاختيار منهم والوفاق شأن يظهر على نظام واتساق فليعمل كل امرئ منكم بما يقرب من محبتنا ويتجنب ما يدنيه من كراهتنا فإن أمرنا بغتة فجاءه حين لا تنفعه توبة ولا ينجيه من عقابنا ندم على حوبة . الله يلهمكم الرشد ويلطف لكم في التوفيق برحمته . . ” .
وقد وقعه الإمام عليه السلام بيده العليا وكتب في أسفله .
” هذا كتابنا إليك أيها الأخ الولي والمخلص في ودنا الصفي والناصر لنا الوفي حرسك الله بعينه التي لا تنام فاحتفظ به، ولا تظهر على خطنا الذي سطرنا بماله ضمناه أحدا وأد ما فيه إلى من تسكن إليه وأوص جماعتهم بالعمل عليه إن شاء الله وصلى الله على محمد وآله الطاهرين . . . ” .
حوت هذه الرسالة أمورا بالغة الأهمية، وهي:
أولا: الإشادة بالشيخ المفيد الذي هو أحد دعائم الإسلام في علمه وفضله وتقواه وشدة تحرجه في الدين وأنه قد سمح له في مكاتبة الإمام عليه السلام والاتصال به وتحمله شرف السفارة بينه وبين الشيعة .
ثانيا: إن الإمام عليه السلام قد أشار إلى المكان الذي يقيم به في حال غيبته وأنه بعيد عن مساكن الظالمين وأن إقامته فيه محجوب عن أعين الناس يستند إلى إرادة الله تعالى ومشيئته التي قضت بعدم ظهوره ما دامت دولة للفاسقين والظالمين على وجه الأرض.
ثالثا: من بنود هذه الرسالة أن الإمام عليه السلام يتتبع بكل دقة جميع شؤون شيعته ولا يعزب عنه أي أمر من أمورهم فهو ساهر على رعايتهم ودفع البلاء عنهم ولولا عنايته بهم لأخذهم الظالمون من كل جانب ومكان وقد أخبرهم عن فتنة وكارثة مدمرة تحل بهم يهلك فيها الكثيرون .
رابعا: أنه أخبر عن بعض الملاحم ستظهر وتتحقق قبل ظهوره عليه السلام من حدوث آية في السماء وغير ذلك مما سنذكره في فصول أخرى من هذا الكتاب.
الرسالة الثانية:
وردت على الشيخ الأعظم الشيخ المفيد نضر الله مثواه رسالة ثانية من الإمام عليه السلام بتاريخ 23 ذي الحجة سنة 412هـ، وهذا نصها بعد البسملة: ” سلام الله عليك أيها الناصر للحق الداعي إليه بكلمة الصدق فإنا نحمد الله إليك الذي لا إله إلا هو إلهنا وإله آبائنا الأولين ونسأله الصلاة على سيدنا ومولانا محمد خاتم النبيين وعلى أهل بيته الطاهرين.
وبعد: فقد كنا نظرنا مناجاتك عصمك الله بالسبب الذي وهبه الله لك من أوليائك وحرسك به من كيد أعدائك وشفعنا ذلك الآن من مستقر لنا ينصب في شمراخ من بهماء صرنا إليه آنفا من غم اليل ألجأنا إليه السباريت من الإيمان ويوشك أن يكون هبوطنا إلى صحصح من غير بعد من الدهر ولا تطاول من الزمان ويأتيك نبأ ما يتجدد لنا من حال فتعرف بذلك ما نعتمده من الزلفة إلينا بالأعمال والله موفقك لذلك برحمته فلتكن حرسك الله بعينه التي لا تنام أن تقابل لذلك فتنة تسبل نفوس قوم حرثت باطلا لاسترهاب المبطلين يبتهج لذمارها المؤمنون ويحزن لذلك المجرمون.
وآية حركتنا من هذه اللوثة حادثة بالحرم المعظم من رجس منافق مذمم مستحل للدم المحرم يعمد بكيده أهل الإيمان ولا يبلغ غرضه من الظلم والعدوان لأننا من وراء حفظهم بالدعاء الذي لا يحجب عن ملك الأرض والسماء فلتطمئن بذلك من أوليائنا القلوب وليثقوا بالكفاية منه وإن راعتهم بها الخطوب والعاقبة بجميل صنع الله سبحانه تكون حميدة لهم ما اجتنبوا المنهى عن الذنوب.
ونحن نعهد إليك أيها الولي المخلص المجاهد فينا الظالمين أيدك الله بنصره الذي أيد به السلف من أوليائنا الصالحين إنه من اتقى ربه من إخوانك في الدين وأخرج مما عليه إلى مستحقيه كان آمنا من الفتنة المبطلة ومحنها المظلمة المظلة ومن بخل منهم بما أعاره الله من نعمته على من أمر بصلته فإنه يكون خاسرا لذلك لأولاده وآخرته ولو أن أشياعنا وفقهم الله لطاعته على اجتماع من القلوب في الوفاء بالعهد عليهم لما تأخر عنهم اليمن بلقائنا ولتعجلت لهم السعادة بمشاهدتنا على حق المعرفة وصدقها منهم بنا، فما يحسبنا عنهم إلا ما يتصل بنا مما نكرهه ولا نؤثره منم والله المستعان وهو حسبنا ونعم الوكيل وصلاته على سيدنا البشير النذير محمد وآله الطاهرين وسلم . . “.
كتب في غرة شوال من سنة اثني عشر وأربعمائة وقع الكتاب بخطه الشريف وأضاف إليه:
” هذا كتابنا إليك أيها الولي الملهم للحق العلى بإملائنا وخط ثقتنا فاخفه عن كل أحد واطوه واجعل له نسخة يطلع عليها من تسكن إلى أمانته من أوليائنا شملهم الله ببركتنا إن شاء الله الحمد لله والصلاة على سيدنا محمد النبي وآله الطاهرين.
وحفلت هذه الرسالة بالآتي:
1 – الإشادة بالشيخ المفيد علم الإسلام ونبراسه المضئ فقد نعته الإمام عليه السلام الناصر للحق والداعي إليه بكلمة الصدق، وهما من أسمى الصفات التي يتحلى بها الصالحون والمتقون من عباد الله.
2 – أشار الإمام عليه في هذه الرسالة إلى عدو ماكر للشيعة وللشيخ المفيد يكيد لهم في وضح النهار وفي غلس الليل ويبغي لهم الغوائل ويثير ضدهم الفتن ولا يبلغ بذلك غرضه من الظلم والعدوان عليهم .
3 – أحاط الإمام عليه السلام شيعته علما بأنهم مشمولين بدعائه لهم بالتأييد والتسديد والسلامة من أعدائهم والنجاة من ظلم الظالمين ودعاءه عليه السلام لا يحجب عن الله تعالى .
4 – أمر الإمام عليه السلام شيعته – بهذه الرسالة – بتقوى الله تعالى والاجتناب عن معاصيه وإخراج ما عليهم من الحقوق الشرعية ولو أنهم اتقوا وأطاعوا الله تعالى إطاعة حقيقية لما حجب الإمام عنهم ولتعجلت لهم السعادة بمشاهدته ولكن ذنوبهم هي التي حالت بينهم وبين الالتقاء بإمامهم المفدى سلام الله عليه.
” هذا كتابنا إليك أيها الولي الملهم للحق العلى بإملائنا وخط ثقتنا فاخفه عن كل أحد واطوه واجعل له نسخة يطلع عليها من تسكن إلى أمانته من أوليائنا شملهم الله ببركتنا إن شاء الله الحمد لله والصلاة على سيدنا محمد النبي وآله الطاهرين.
وحفلت هذه الرسالة بالآتي:
1 – الإشادة بالشيخ المفيد علم الإسلام ونبراسه المضئ فقد نعته الإمام عليه السلام الناصر للحق والداعي إليه بكلمة الصدق، وهما من أسمى الصفات التي يتحلى بها الصالحون والمتقون من عباد الله.
2 – أشار الإمام عليه في هذه الرسالة إلى عدو ماكر للشيعة وللشيخ المفيد يكيد لهم في وضح النهار وفي غلس الليل ويبغي لهم الغوائل ويثير ضدهم الفتن ولا يبلغ بذلك غرضه من الظلم والعدوان عليهم .
3 – أحاط الإمام عليه السلام شيعته علما بأنهم مشمولين بدعائه لهم بالتأييد والتسديد والسلامة من أعدائهم والنجاة من ظلم الظالمين ودعاءه عليه السلام لا يحجب عن الله تعالى .
4 – أمر الإمام عليه السلام شيعته – بهذه الرسالة – بتقوى الله تعالى والاجتناب عن معاصيه وإخراج ما عليهم من الحقوق الشرعية ولو أنهم اتقوا وأطاعوا الله تعالى إطاعة حقيقية لما حجب الإمام عنهم ولتعجلت لهم السعادة بمشاهدته ولكن ذنوبهم هي التي حالت بينهم وبين الالتقاء بإمامهم المفدى سلام الله عليه.
رسالته عليه السلام إلى العمري وابنه
ورفع عثمان بن سعيد العمري وابنه محمد رسالة إلى الإمام عليه السلام أخبراه فيها أن الميسمي وهو من الشيعة، حدثهما أن المختار وهو من الضالين يدعو الشيعة إلى الإمامة لجعفر.
فأجابهما الإمام عليه السلام بهذه الرسالة:
” وفقكما الله لطاعته وثبتكما على دينه وأسعدكما بمرضاته انتهى إلينا ما ذكرتما أن الميسمي أخبركما عن المختار، ومناضرته من لقي واحتجاجه بأنه لا خلف غير جعفر بن علي وتصديقه إياه، وفهمت جميع ما كتبتما به مما قال أصحابك عنه: وأنا أعوذ بالله من العمى بعد الجلاء ومن الضلالة بعد الهدى ومن موبقات الأعمال ومرديات الفتن فإنه عز وجل يقول:(ألم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون) كيف يتساقطون في الفتنة ويترددون في الحيرة، ويأخذون يمينا وشمالا فارقوا دينهم أم ارتابوا أم عاندوا الحق أم جهلوا ما جاءت به الروايات الصادقة والأخبار الصحيحة أو علموا ذلك فتناسوا ما يعلمون أن الأرض لا تخلو من حجة إما ظاهرا وأما مغمورا أو لم يروا انتظام أئمتهم بعد نبيهم صلى الله عليه وآله واحدا بعد واحدا إلى أنأفضي بأمر الله عز وجل إلى الماضي يعني الحسن بن علي – فقام مقام آبائه عليهم السلام يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم كان نورا ساطعا وشهابا لامعا وقمرا ظاهرا ثم اختار الله عز وجل له ما عنده فمضى على منهاج آبائه عليهم السلام حذو النعل بالنعل على عهد عهده ووصية أوصى بها ستره الله عز وجل بأمره إلى غايته وأخفى مكانه بمشيته للقضاء السابق والقدر النافذ وفينا موضعه ولنا فضله ولو قد أذن الله عز وجل فيما قد منعه وأزال عنه ما قد جرى به حكمه لأراهم الحق ظاهرا بأحسن حيلة وأبين دلالة وأوضح علامة ولأبان عن نفسه وأقام الحجة ولكن أقدار الله لا تغلب وإرادته لا ترد وتوقيته لا يسبق فليدعوا عنهم اتباع الهوى وليقيموا على أصلهم الذي كانوا عليه ولا يبحثوا عما سر عنهم فيأثموا ولا يكشفوا سر الله عز وجل فيندموا وليعلموا أن الحق معنا وفينا ولا يقول ذلك سوانا إلا كذاب منهمك ولا يدعيه غيرنا إلا ضال غوي فليقتصروا منا على هذه الجملة دون التفسير ويقنعوا من ذلك بالتعريض دون التصريح إن شاء الله . . . “.
وشجب الإمام عليه السلام – في هذه الرسالة – ما قام به عميل جعفر من نشره للضلال بين صفوف الشيعة وإنكاره للإمام المنتظر ونعى على أتباعه انحرافهم عن الحق وترديهم في مجاهل الفتن والضلال كما أعرب الإمام عليه السلام عن السبب في اختفائه وعدم ظهوره وأنه مستند لأمر الله تعالى وليس للإمام أي اختيار في ذلك .
رسالته عليه السلام إلى بعض شيعته
حدث شجار بين ابن أبي غانم القزويني وبعض الشيعة في الخلف بعد الإمام الحسن العسكري، فأنكر القزويني الإمام المنتظر، وأصر الآخرون على وجوده، فكتبوا للإمام المنتظر عليه السلام بما جرى بينهم وبين القزويني فأجابهم الإمام عليه السلام بهذه الرسالة . وقد جاء فيها بعد البسملة:
عافانا الله وإياكم من الفتن ووهب لنا ولكم روح اليقين وأجارنا وإياكم من سوء المنقلب إنه أنهى إلي ارتياب جماعة منكم في الدين وما دخلهم من الشك والحيرة في ولاة أمرهم غمنا ذلك لكم لا لنا وساءنا فيكم لا فينا لأن الله معنا فلا فاقة بنا إلى غيره والحق معنا فلن يوحشنا من قعد عنا ونحن صنايع ربنا والخلق بعد صنايعنا.
يا هؤلاء ما لكم في الريب تتردون وفي الحيرة تنعكسون أو ما سمعتم الله عز وجل يقول:{يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم}أو ما علمتم ما جاءت به الآثار مما يكون ويحدث في أئمتكم على الماضين والباقين منهم عليهم السلام أو ما رأيتم كيف جعل الله لكم معاقل تأوون إليها وأعلاما تهتدون بها من لدن آدم إلى أن ظهر الماضي عليه السلام كلما غاب علم بدا علم وإذا أفل نجم طلع نجم فلما قبضه الله إليه ظننتم أن الله أبطل دينه وقطع السبب بينه وبين خلقه كلا ما كان ذلك ولا يكون حتى تقوم الساعة ويظهر أمر الله وهم كارهون وإن الماضي مضى سعيدا فقيدا على منهاج آبائه حذو النعل بالنعل وفينا وصيته وعلمه ومنه خلفه ومن يسد مسده ولا ينازعنا موضعه إلا ظالم آثم ولا يدعيه دوننا إلا جاحد كافر ولولا أن أمر الله لا يغلب وسره لا يظهر ولا يعلن لظهر لكم من حقنا ما تبهر منه عقولكم ويزيل شكوكم لكنه ما شاء الله كان ولكل أجل كتاب فاتقوا الله وسلموا لنا وردوا الأمر إلينا فعلينا الإصدار كما كان منا الإيراد ولا تحاولوا كشف ما غطي عنكم ولا تميلوا عن اليمين وتعدلوا إلى اليسار واجعلوا قصدكم إلينا بالمودة على السنة الواضحة فقد نصحت لكم والله شاهد علي وعليكم ولولا ما عندنا من محبة صلاحكم ورحمتكم والإشفاق عليكم لكنا عن مخاطبتكم في شغل مما قد امتحنا من منازعة الظالم العتل الضال المتابع في غيه المضاد لربه المدعي ما ليس له الجاحد حق من افترض الله طاعته، الظالم، الغاصب وفي ابنة رسول الله صلى الله عليه وآله لي أسوة حسنة وسيردي الجاهل رداء عمله وسيعلم الكافر لمن عقبى الدار .
عصمنا الله وإياكم من المهالك والأسواء والعاهات كلها برحمته فإنه ولي ذلك والقادر على ما يشاء وكان لنا ولكم وليا وحافظا والسلام على جميع الأوصياء والأولياء والمؤمنين ورحمة الله وبركاته وصلى الله على محمد النبي وآله وسلم تسليما . . “.
وأعرب الإمام عليه السلام في هذه الرسالة عن استيائه البالغ عما مني به بعض الشيعة من الانحراف عن الحق والتشكيك في أمره عليه السلام مع وجود الإمارات الظاهرة والأدلة الحاسمة على وجوده وإن الله تعالى في جميع مراحل وجود الإنسان لا يخلي الأرض من حجة ينصبه علما لهداية عباده، وإرشادهم إلى طريق الحق كما شجب عليه السلام المتصدي للإمامة وأكبر الظن أنه جعفر الذي نعته بالكذاب فقد افترى على الله كذبا وتحمل إثما عظيما .
رسالته عليه السلام إلى أحمد بن إسحاق
وأحمد بن إسحاق الأشعري القمي وافد القميين إلى الأئمة الطاهرين وأحد رواتهم العظام، وقد التقى به بعض الشيعة فناوله كتابا من جعفر بن الإمام علي الهادي السلام يعرفه فيه بنفسه ويخبره أنه القيم على العالم الإسلامي بعد أخيه الحسن عليه السلام، ويدعي أن عنده من علم الحلال والحرام ما يحتاج إليه الناس وغير ذلك من العلوم. فكتب أحمد إلى الإمام المنتظر رسالة عرفه بالأمر، وشفع معه كتاب جعفر، فأجابه الإمام عليه السلام بهذه الرسالة، وقد جاء فيها بعد البسملة:
” أتاني كتابك أبقاك الله – والكتاب الذي أنفذته درجه وأحاطت معرفتي بجميع ما تضمنه على اختلاف ألفاظه وتكرر الخطأ فيه ولو تدبرته لوقفت على بعض ما وقفت عليه منه والحمد لله رب العالمين حمدا لا شريك له على إحسانه إلينا وفضله علينا أبى الله للحق إلا إتماما وللباطل إلا زهوقا وهو شاهد علي بما أذكره ولي عليكم بما أقوله إذا اجتمعنا ليوم لا ريب فيه ويسألنا عما نحن فيه مختلفون إنه لم يجعل لصاحب الكتاب على المكتوب إليه ولا على أحد من الخلق جميعا إمامة مفترضة ولا طاعة ولا ذمة وسأبين لكم جملة تكتفون بها إن شاء الله تعالى: يا هذا – يرحمك الله – إن الله تعالى لم يخلق الخلق عبثا ولا أهملهم سدى بل خلقهم بقدرته وجعل لهم أسماعا وأبصارا وقلوبا وألبابا ثم بعث إليهم النبيين عليهم السلام مبشرين ومنذرين يأمرونهم بطاعته وينهونهم عن معصيته ويعرفونهم ما جهلوه من أمر خالقهم ودينهم وأنزل عليهم كتابا وبعث إليهم ملائكة يأتون من بعثهم إليهم بالفضل الذي جعل لهم عليهم وما آتاهم من الدلائل الظاهرة والبراهين الباهرة والآيات الغالبة فمنهم من جعل عليه النار بردا وسلاما واتخذه خليلا ومنهم من كلمه تكليما وجعل عصاه ثعبانا مبينا ومنهم من أحيى الموتى بإذن الله وأبرأ الأكمه والأبرص بإذن الله ومنهم من علمه منطق الطير وأوتي من كل شيء ثم بعث محمدا صلى الله عليه وآله رحمة للعالمين وتمم به نعمته وختم به أنبياءه وأرسله إلى الناس كافة وأظهر من صدقه ما أظهر وبين من آياته وعلاماته ما بين ثم قبضه ص حميدا فقيدا سعيدا وجعل الأمر بعده إلى أخيه وابن عمه ووصيه ووارثه علي بن أبي طالب عليه السلام ثم إلى الأوصياء من ولده واحدا واحدا أحيى بهم دينه وأتم بهم نوره وجعل بينهم وبين إخوانهم وبني عمهم والأدنين فالأدنين من ذوي أرحامهم فرقانا مبينا يعرف به الحجة من المحجوج والإمام من المأموم بأن عصمهم من الذنوب وبرأهم من العيوب وطهرهم من الدنس ونزههم من اللبس وجعلهم خزان علمه ومستودع حكمته وموضع سره وأيدهم بالدلائل ولولا ذلك لكان الناس على سواء ولا وعى أمر الله عزوجل كل أحد ولما عرف الحق من الباطل ولا العالم من الجاهل وقد ادعى هذا المبطل المفتري على الله الكذب بما ادعاه فلا أدري بأية حالة هي له رجاء أن يتم دعواه أبفقهه في دين الله ؟ فوالله ما يعرف حلالا من حرام ولا يفرق بين خطأ وصواب، أم بعلم ؟ فما يعلم حقا من باطل ولا محكما من متشابه ولا يعرف حد الصلاة ووقتها أم بورع ؟ فالله شهيد على تركه الصلاة الفرض أربعين يوما يزعم ذلك لطلب الشعوذة ولعل خبره قد تأدى إليكم وهاتيك ظروف مسكره منصوبة وآثاره عصيانه لله عز وجل مشهورة قائمة أم بآية فليأت بها أم بحجة ؟ فليقيمها أم بدلالة ؟ فليذكرها قال الله عز وجل في كتابه:
﴿بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ حم * تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ * مَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُّسَمًّى وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنذِرُوا مُعْرِضُونَ * قُلْ أَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ اِئْتُونِي بِكِتَابٍ مِّن قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِّنْ عِلْمٍ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ * وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَن لَّا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَومِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَن دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ * وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاء وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ﴾.
فالتمس تولى الله توفيقك من هذا الظالم ما ذكرت لك وامتحنه وسله عن آية من كتاب الله يفسرها أو صلاة فريضة يبين حدودها وما يجب فيها لنعلم حاله ومقداره ويظهر لك عواره ونقصانه والله حسيبه .
حفظ الله الحق على أهله وأقره في مستفره وقد أبى الله عز وجل أن تكون الإمامة في أخوين بعد الحسن والحسين عليهما السلام وإذا أذن الله لنا في القول ظهر الحق واضمحل الباطل وانحسر عنكم وإلى الله أرغب في الكفاية وجميل الصنع والولاية وحسبنا الله ونعم الوكيل وصلى الله على محمد وآل محمد . . . “.
وحكت هذه الرسالة الطعن بشخصية جعفر الذي ادعى الإمامة وتجريده تجريدا كاملا من جميع الصفات الكريمة التي تؤهله لهذا المنصب الرفيع الذي لا يستحقه إلا من كان حاويا لفضائل الدنيا من العلم بما تحتاج إليه الأمة في جميع مجالاتها والإحاطة الكاملة بأحكام الشريعة وشؤون الدين وجعفر جاهل لا يعرف أي طرفيه أطول فكيف يدعي الإمامة.
* حياة الإمام المنتظر المصلح الأعظم-دراسة وتحليل-، الشيخ باقر شريف القرشي، دار جواد الأئمة، ط1، بيروت/لبنان، 1429هـ / 2008 م، ص 88-95.
* حياة الإمام المنتظر المصلح الأعظم-دراسة وتحليل-، الشيخ باقر شريف القرشي، دار جواد الأئمة، ط1، بيروت/لبنان، 1429هـ / 2008 م، ص 79-81.
* حياة الإمام المنتظر المصلح الأعظم-دراسة وتحليل-، الشيخ باقر شريف القرشي، دار جواد الأئمة، ط1، بيروت/لبنان، 1429هـ / 2008 م، ص 81-83.
* حياة الإمام المنتظر المصلح الأعظم-دراسة وتحليل-، الشيخ باقر شريف القرشي، دار جواد الأئمة، ط1، بيروت/لبنان، 1429هـ / 2008 م، ص 76-79. |
المصدر: شبكة المعارف الإسلامية