يدعي الشيعة: أن أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ارتدوا بعد موته (صلى الله عليه وسلم)، وانقلبوا عليه.
والسؤال: هل كان أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ـ قبل موته ـ «شيعة اثني عشريّة»، ثم انقلبوا بعد موته (صلى الله عليه وسلم) إلى «أهل سنّة»؟! أم أنهم كانوا ـ قبل موت النبي (صلى الله عليه وسلم) ـ «أهل سنّة»، ثم «انقلبوا شيعة اثني عشريّة»؟! لأن الانقلاب انتقالٌ من حالٍ إلى حال؟!!
الجواب:
بسم الله الرحمن الرحيم
وله الحمد، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
وبعد..
فإننا نجيب بما يلي:
أولاً : قال تعالى: ﴿ وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ ﴾ 1.
كما أننا قد ذكرنا في الإجابة على السؤال رقم 139 طائفة من روايات كثيرة وردت في الصحاح كالبخاري ومسلم وسواهما ذكرت ارتداد الصحابة بعد رسول الله «صلى الله عليه وآله» على أعقابهم القهقرى، حتى لا يبقى منهم إلا مثل همل النعم.
فإذا كان أهل السنة هم الذين يروون هذه الأحاديث، وحكموا بصحة أسانيدها، ولا يرضون التشكيك بصحة أي منها، فما ذنب الشيعة؟!
ثانياً: إننا قد حاولنا الدفاع عن الصحابة وقلنا: إن المقصود بالإرتداد هو الإرتداد عن الطاعة لرسول الله «صلى الله عليه وآله» والتخلف عن أوامره، وعدم الوفاء بعهدهم بأن يبقوا على ما هم عليه، في مقابل الشاكرين الذين قاموا بواجباتهم على أتم وجه، وليس المراد الارتداد عن الإسلام إلى الشرك، أو الكفر..
ثالثاً: إن الانتقال من التشيع الاثني عشري إلى التسنن ليس ارتداداً، وكذلك العكس. بل هو انتقال من مذهب إسلامي إلى مذهب إسلامي آخر..
رابعاً: إن الانقلاب من حال إلى حال لا ينحصر بالانقلاب عن التسنن إلى التشيع، أو العكس.. بل يراد به هنا الانقلاب عن خط الطاعة لرسول الله «صلى الله عليه وآله» إلى خط المعصية كما قلنا..
خامساً: قال السائل: إن الصحابة ارتدوا بعد موت رسول الله «صلى الله عليه وآله»، وانقلبوا عليه. وليس هذا التعبير دقيقاً، لأن معناه: أنهم وضعوا أنفسهم في موقع العداء للرسول «صلى الله عليه وآله»، ولم يدَّع الشيعة ذلك، والتعبير الصحيح هو: أنهم انقلبوا على أعقابهم، أي عن خط الطاعة، وعدم الوفاء بالتعهدات حسبما ورد في الآية الكريمة، أو ارتدوا على أعقابهم القهقرى حسب التعبير الوارد في روايات البخاري، ومسلم، وغيرهما.. وهناك فرق ظاهر بين التعبيرين..
سادساً: إن الذي كان عليه الصحابة قبل موت الرسول وبعده هو الإسلام الذي جاءهم به رسول الله «صلى الله عليه وآله»، وحدد القرآن معالمه وخطوطه العريضة.
وقد تضمن هذا الإسلام حديثاً عن وجود اثني عشر خليفة، أو أميراً، أو إماماً بعد رسول الله «صلى الله عليه وآله».
وقد ذكرهم الرسول «صلى الله عليه وآله» للناس، وقال لهم : «كلهم من قريش». وفي بعض الروايات عنه : «كلهم من بني هاشم».
وقد تضمن هذا الإسلام أن الولي للناس هو: الله، ورسوله، والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون.
وتضمن أيضاً: أخذ البيعة لعلي «عليه السلام» في يوم الغدير قبل وفاة رسول الله «صلى الله عليه وآله» بسبعين يوماً.
ولا بد من الالتزام بهذا الإسلام، والحفاظ على أحكامه وقيمه ومفاهيمه، وعقائده وسياساته، وتنفيذ أوامر الله ورسوله..
وحين أخبر رسول الله «صلى الله عليه وآله» أن أمته ستفترق إلى ثلاث وسبعين فرقة.. واحدة ناجية، والباقون في النار. إنما كان يتحدث عن افتراق سيحصل بعده..
فلا معنى للسؤال عن مذهب الصحابة زمن رسول الله «صلى الله عليه وآله»، فإنهم كانوا يظهرون ويعلنون أنهم أتباع الرسول، ولهم مذهب واحد هو الإسلام، وقد نشأ الإفتراق والإختلاف والمذاهب في زمن متاخر عن حياته «صلى الله عليه وآله»..
وإلا.. فليجبنا هذا السائل عن أبي بكر، هل كان حنفياً، أو حنبلياً، أو شافعياً، أو ما إلى ذلك؟!
وهل كان معتزلياً؟! أم أشعرياً؟! أو مرجئاً؟! أو من أهل الحديث؟! أو خارجياً؟! أم ماذا؟!
والحمد لله، والصلاة والسلام على محمد وآله.. 2.
- 1. القران الكريم: سورة آل عمران (3)، الآية: 144، الصفحة: 68.
- 2. ميزان الحق (شبهات.. و ردود)، السيد جعفر مرتضى العاملي، المركز الإسلامي للدراسات، الطبعة الأولى، سنة 1431 هـ ـ 2010 م، الجزء الأول، السؤال رقم (23).