نص الشبهة:
لقد جاءت روايات بأسانيد ثابتة وصحيحة لدى الشيعة تذم وتلعن مجموعة من الكذابين، الذين قام الدين الشيعي على رواياتهم، تذمهم بأعيانهم، فلم يقبل شيوخ الشيعة الذم الوارد فيهم، (لأنهم لو قبلوا ذلك لأصبحوا من أهل السنة، وتخلوا عن شذوذهم). وقد فزعوا إلى التقية لمواجهة هذا الذم، وهذا ليس له تفسير إلا رد قول الإمام من وجه خفي، وإذا كان منكر نص الإمام كافراً في المذهب الشيعي، فهم خرجوا بهذا عن الدين رأساً! وقد اعترف محمد رضا المظفر ـ وهو من شيوخهم وآياتهم المعاصرين ـ اعترف بأن جل رواتهم قد ورد فيهم الذم من الأئمة، ونقلت ذلك كتب الشيعة نفسها، قال وهو يتحدَّث عما جاء في هشام بن سالم الجواليقي من ذم قال: «وجاءت فيه مطاعن، كما جاءت في غيره من أجلة أنصار أهل البيت وأصحابهم الثقات، والجواب عنها عامة مفهوم» (الإمام الصادق لمحمد الحسين المظفر، ص 178.) (أي العلة المعروفة السائرة عندهم وهي التقية). ثم قال: «وكيف يصح في أمثال هؤلاء الأعاظم قدح؟! وهل قام دين الحق، وظهر أمر أهل البيت إلا بصوارم حججهم» (نفس الموضع من المصدر السابق.). لاحظ ماذا يصنع التعصب بأهله: فهم يدافعون عن هؤلاء الذين جاء ذمهم عن أئمة أهل البيت، ويردون النصوص المروية عن علماء أهل البيت في الطعن فيهم والتحذير منهم، التي تنقلها كتب الشيعة نفسها، فكأنهم بهذا يُكذبون أهل البيت، بل يصدقون ما يقوله هؤلاء الأفاكون؛ حيث زعموا أن ذم الأئمة لهم جاء على سبيل التقية. فهم لا يتبعون أهل البيت في أقوالهم التي تتفق مع نقل الأمة، بل يقتفون أثر أعدائهم، ويأخذون بأقوالهم، ويفزعون إلى التقية في رد أقوال الأئمة.
الجواب:
بسم الله الرحمن الرحيم
وله الحمد، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. وبعد..
فإننا نجيب بما يلي:
أولاً: إن التشيع لم يقم على روايات شخص بعينه، بل قام على كتاب الله تعالى، وما ثبتت روايته عن النبي والأئمة الطاهرين.. والرواة لهذا المذهب يعدون بالألوف.. وقد ذكر العلامة المامقاني في كتابه تنقيح المقال ألوفاً من هؤلاء الرواة.. وقد وثق الباحثون والخبراء في علم الرجال شطراً كبيراً منهم.
ثانياً: إنك حين تبحث موضوع لا ينبغي أن تنظر إلى الأمور بعين واحدة، وتأخذ بشطر من المعلومات المتوفرة لديك، بل يجب أن تأخذ جميع ما يتوفر لديك بنظر الإعتبار، وتحقق وتدقق فيه، وتخرج بالنتيجة الأقرب إلى الواقع.
ونحن حين راجعنا الروايات حول زرارة وجدنا فيها ما تضمن ذماً، وآخر تضمن مدحاً وثناءً، وبعضها بيَّن لنا الإمام نفسه سبب الذم، وهو أنه إنما يذمه ليحفظ له حياته ودمه، ويدفع عنه المكاره 1. فقد قال أبو بصير للإمام الصادق « عليه السلام»:
« جعلت فداك، فإنا قد نبزنا نبزاً، انكسرت له ظهورنا، وماتت له أفئدتنا، واستحلت له الولاة دماءنا الخ..» 2. يقصد بنبزهم بـ « الرافضة».
ثم لاحظنا وضع زرارة ومكانته، فوجدنا أنه رجل مرموق.. وهو رئيس عشيرته، وسيدها. ومن أهل اليسار في بلده 3.. ومن كان مثله، فإن أعين الحاسدين ترمقه، وأعين الجواسيس والسعاة إلى السلطان ترصده، وتعدّ عليه أنفاسه.
ثم لاحظنا سلوكه، فوجدناه من أهل العبادة والإستقامة..
ثم راقبنا ما يرويه فلم نجد فيه أي خلل أو خطل..
فعرفنا صحة ما ورد عنه « عليه السلام» من أنه يعلن ذمه ليحفظ دمه.. وليس هذا أمراً مستهجناً ولا غريباً، ولا هو مما يستحق التشنيع والتقبيح..
ثالثاً: قول السائل: لو قبل الشيعة الذم الوارد في زرارة وأمثاله لأصبحوا من أهل السنة.. إنما يصح لو كان التشيع مأخوذاً من خصوص هؤلاء المذمومين، وليس الأمر كذلك كما قلنا.
رابعاً: لم يقل الشيعة: إن منكر نص الإمام كافر، وعلى من ينسب ذلك للشيعة أن يدلنا على المصدر الذى استقى منه، والعالم الذي أخذ عنه..
خامساً: إن كلام الشيخ المظفر «رحمه الله» لا يدلُّ على أن الذم قد نال جل الرواة للمذهب الشيعي. بل يدلُّ على أن بعض الأجلاء، وبعض الثقات قد ورد فيه ذم.
ولكن قد قلنا: إن الأمر لم يقتصر على الذم، بل هناك مدح وثناء، وهناك قرائن أخرى لا بد من أخذها بنظر الإعتبار، ليكون البحث موضوعياً ومنصفاً.
سادساً: إننا نقول لهذا السائل: لو راجعت كتاب تهذيب التهذيب، وكتاب تهذيب الكمال، وسير أعلام النبلاء، وكتاب الجرح والتعديل.. واي كتاب رجالي لأهل السنة. فإنك لا تكاد تجد أحداً من رواة أهل السنة لم يرد فيه قدح وذم، فهل يجيز ذلك لنا القول: إن أهل السنة قد خرجوا من دينهم..
أو أن علينا أن نقول: إنه لا بد من البحث واستقصاء القرائن التي تقود إلى الظن أو القطع بالوثاقة أو بعدمها؟!
سابعاً: إنما يصح التشنيع على الشيعة لو كانوا يردُّون النصوص من دون دليل وحجة، أما إذا أقاموا الحجة على عدم صحة تلك النصوص، أو على تحديد المراد منها، فما هو الضير في ذلك؟!
على أن هذه النصوص ليست وحدها ليعاب ردّها، بل في مقابلها نصوص تعارضها، وتسقطها عن الحجية، أو تفسرها، بحيث يظهر المراد الحقيقي منها.
فلا يصح قول السائل: « فكأنهم بهذا يكذبون أهل البيت « عليهم السلام»، بل يكذبون ما يقوله الأفّاكون»..
ثامناً: إن على الأمة أن تأخذ دينها من كتاب الله، ومن أهل البيت « عليهم السلام» بمقتضى حديث سفينة نوح وحديث الثقلين، وقوله تعالى: ﴿ … فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ 4. وغير ذلك..
وعلى حديثهم يقاس حديث سائر الناس.. فلا معنى لقول السائل: « فهم لا يتبعون أهل البيت في أقوالهم التي تتفق مع نقل الأمة، بل يقتفون أثر أعدائهم..».
لأن على الأمة أن تقتفي أثر أهل البيت « عليهم السلام»، وليس العكس.
والصلاة والسلام على عباده الذين اصطفى محمد وآله.. 5.
- 1. رجال الكشي ص 138.
- 2. الكافي ج8 ص34 و 35 والاختصاص للشيخ المفيد ص104 وبحار الأنوار ج47 ص390 وج65 ص49 وألف حديث في المؤمن للنجفي ص129 و 130 وفضائل الشيعة للصدوق ص21.
- 3. راجع: مسند زرارة بن أعين ص11.
- 4. القران الكريم: سورة النحل (16)، الآية: 43، الصفحة: 272.
- 5. ميزان الحق.. ( شبهات.. وردود )، السيد جعفر مرتضى العاملي، المركز الإسلامي للدراسات، الطبعة الأولى، 1431 هـ. ـ 2010 م، الجزء الرابع، السؤال رقم (178).