اکتسبت مسألة أولي الأمر أو صاحب الأمر أهميتها الفائقة لدي الصحابة ربّّّما انطلاقا ً من هذه الآية الکريمة في قوله تعالى:﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا ﴾ 1.
وتدور محاور الطاعة في هذه الآية حول ثلاثة
الله عزوجل
و طاعته حکم عقلي و وجداني. فالعقل يؤيّد وجوب الإستجابة لله عزوجل دون قيد أو شرط؛ لإنّه خالق الوجود و مالک الموجودات، وکلّّ شيء في قبضته، و أوامره نافذة. ولأن أحکامه -سبحانه – من أوامر ونواهٍ لا تصل البشر مباشرة بل بواسطة يبلغون الشريعة کما أنزلها الله عزوجل، فالنبي لا يبدع بل يبلّغ﴿ وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ* إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَىٰ ﴾ 2.
الرسول
و طاعته واجبة لأنّ الله قرن طاعته بطاعة النبي الذي بعثه. و من هنا يستشف أنّ رسول الله (صلى الله عليه و آله و سلم) له قراراته و أحکامه الخاصة به. فإن له إضافة الي مهمته في تبليغ الرسالة مهمة اخري تتعلّق في تطبيق شرع الله في أرضه و بين عباده، و هو مسؤول عن إقرار النظام و إرساء قواعد العدل و قيادة المجتمع في طريق الخير و الحقّ و إعلاء کلمة الإسلام، و هي مهمّة الهية لا يمکن القيام بها إلّا من خلال تشکيل جهاز حکومي متکامل يستوعب کلّّ شؤون الحيا ة الإنسانية.
ومن هنا فإن الرسول (صلى الله عليه و آله و سلم) يتحرّک في هذا الإطار بعنوان حاکم و قائد و رئيس؛ حيث يتمتع بناءً علي ذلک بأحکام خاصة تدعي أحکام الرئاسة، فهو يتّخذ القرارات المناسبة التي تنسجم و مصالح المسلمين ومنافع المجتمع الإسلامي؛ ولهذا کانت طاعته و اجبة. قال تعالى:
- ﴿ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ 3.
- ﴿ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّمَا عَلَىٰ رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ ﴾ 4.
- ﴿ … وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ … ﴾ 5.
- ﴿ مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ … ﴾ 6.
- ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ … ﴾ 7.
- ﴿ النَّبِيُّ أَوْلَىٰ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ … ﴾ 8.
وکان بعضهم يعترض
يمثّل سيّدنا محّمد (صلي الله عليه و آله و سلم) قمّة الهرم في التشکيل الحکومي الإسلامي حيث ينقاد له المسلمون طائعين. على أنّ التأمل في الحوادث و الآيات الکريمة يکشف لنا أن بعض المسلمين يشکّکون أو يعترضون حول امتيازالنبي في وجوب طاعته أوّلا و أخيراً. لنتأمل في هذه الأية الکريمة من قوله تعالى:﴿ … وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَا لَا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا … ﴾ 9.
معرکة أحد
لکي نستکشف معاني الآية الکريمة من الضروري ان نعرف أسباب نزولها وطبيعتة الحادثة التي رافقتها أو سبقتها.
أحيط النبي علماً بتحرکات قريش و زحفها باتجاه المدينة، فاجتمع سيّدنا محّمد (صلى الله عليه و آله و سلم) بالمسلمين و أطلعهم علي آخر الأنباء وکان رأي رسول الله (صلى الله عليه و آله و سلم) التحصن بالمدينة.
وتظاهر المنافق عبد الله بن أبي سلول بتأييد النبي، و لکن الشباب المتحمسين؛ خاصه أولئک الذين لم يشارکوا في معرکة بدر، وجدوا هذه المناسبة فرصة للاندفاع و رفض فکرة التحصن في المدينة، و أيّدهم في ذلک سعدبن معاذ، و سيطر شعار”النصر أو الشهادة إحدي الحسنيين” علي أجواء الجدل، و کان علي النبي (صلى الله عليه و آله و سلم) أن يحسم الموقف فدخل الي منزله و خرج و هو يسوي لأمة القتال.
وهنا شعر المتحمسون إنّهم قد فرضوا رأيهم علي النبي (صلي الله عليه و آله وسلم) فشعروا بالندم قائلين: استکرهنا رسول الله (صلى الله عليه و آله و سلم) ثم اعتذروا و قالوا: اصنع ما شئت با نييّ الله. فقال النبي (صلى الله عليه و آله و سلم) لاينبغي لنبي أن يلبس لأمته فيضعها حتي يقاتل. وأصدر أمره بالتحرّک لمواجهة العدوان.
عبأ النبي قوّاته للإشتباک، و أمر خمسين من أمهر الرماة بالتمرکز فوق سفوح جبل “عينين”لحماية ظهر الجيش الإسلامي من حرکة التفاف يقوم بها العدوّ. وقال لابن جبير قائد الرماة:
– انضحوا الخليل بالنبل لا يأتونا من خلفنا.
– و التفت الى جموع الرماة مؤکدا:
– احموا لنا ظهورنا. لا يأتونا من خلفنا. وارشقوهم بالنبل فإن الخيل لا تقدّم على النبل، انّا لا نزال غالبين ما لبثتم مکانکم. اللّهم إني أشهدک عليهم. وللمرّة الأخيرة أوصاهم النبي (صلى الله عليه و آله و سلم): – إن رأيتمونا تتخطفنا الطير فلا تبرحوا مکانکم حتى أرسل اليکم، و ان رأيتمونا ظهرنا علي القوم و أوطأناهم فلا تبرحوا مکانکم حتى أرسل اليکم و إن رأيتمونا غنمنا فلا تشرکونا، و إن رأيتمونا نُقتل فلا تغيثونا ولا تدافعوا عنا.
وعندما اشتعلت المعرکة کان النصر للمسلمين أوّلاً حيث ولّى المشرکون الأدبار، و في تلک اللحظات الحساسة ترک الرماة مواقعهم رغم تحذير القائد الذي کان مرابطا ًمع اثني عشر ملتزمين بأوامر النبي (صلى الله عليه و آله و سلم).
وهنا انتهز سلاح الفرسان بقيادة خالد بن الوليد الفرصة و شنّ هجوماً کاسحا ً في حرکة التفاف سريعة، و فاجأ بذلک مؤخرة الجيش الإسلامي، فحدثت الفوضي في صفوف القوات الإسلامية و تغير الموقف لصالح المشرکين الذين راحوا يطاردون المسلمين.
ولولا صمود المخلصين و في طليعتهم الإمام علي بن أبي طالب لبقي الرسول (صلى الله عليه و آله و سلم) وحيداً و لتعرضت حياتة للخطر.
وفي تلک اللحظات أدرک المسلمون عواقب مخالفتهم لرسول الله (صلى الله عليه و آله و سلم).
وبرزت تساؤلات حول قيادة الرسول (صلي الله عليه و آله و سلم) المطلقة وهل أن للمسلمين في ذلک رأيا ً. فجاء الوحي الإلهي ليجيب: ﴿ … قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ … ﴾ 9
وقال فريق من المسلمين:﴿ … لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا … ﴾ 9
فجاء الجواب الإلهي:﴿ … قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَىٰ مَضَاجِعِهِمْ … ﴾ 9.
ثم جاء تفسير الهزيمة في احد في قوله سبحإنه:﴿ وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّىٰ إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ … ﴾ 10
وأدرک المسلمون موقع الرسول في القيادة من خلال قوله تعالى:﴿ ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَىٰ شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ 11. مع التأکيد علي أهمية الشوري و بقاء القرار النهائي بيد النبي (صلى الله عليه و آله وسلم):﴿ … وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ … ﴾ 12.
ومن هنا نفهم سيرة النبي (صلي الله عليه و آله و سلم) فهو قائد إضافة الى دوره في تبليغ الشريعة و الوحي، و يبقي مساره في أوامره و قراراته ضمن دائرة القانون الإلهي و الشريعة السماوية.
أولي الأمر
ثم يأتي التسلسل الثالث لأولي الأمر بعد الله عزوجل و الرسول(صلي الله عليه و آله و سلم) لتکون طاعته و اجبة.فأولي الأمر و طبقا ً للآية التي تصدرت البحث يقومون مقام الرسول (صلي الله عليه و آله و سلم) في تسلم زمام الأمور وإدارة شؤون المسلمين ، فهم امناء علي الشريعة و مسؤولون عن تنفيذها وتطبيقها في الحياة ؛ وهم امتداد لرسول الله ، و في سيرتهم امتداد لسيرته.
ولعل تکرار فعل “اطيعوا”في الآية جاءت اعتباراً من ذلک ، فقد سبق “اطيعوا “لفظ الجلالة “الله “ثم “الرسول”فيما اکتفت بالنسبة لأولي الأمر بعد الرسول ب “واو”العطف فقط. وفي کلّّ الأحوال فإن طاعة أولي ألأمر واجبة کما هي للرسول (صلي الله عليه و آله و سلم).
ومن أجل تحديد مصاديق أولي الأمر راجع “مصاديق أولي الأمر” 13.
- 1. القران الكريم: سورة النساء (4)، الآية: 59، الصفحة: 87.
- 2. القران الكريم: سورة النجم (53)، الآيات: 3 – 5، الصفحة: 526.
- 3. القران الكريم: سورة آل عمران (3)، الآية: 132، الصفحة: 66.
- 4. القران الكريم: سورة التغابن (64)، الآية: 12، الصفحة: 557.
- 5. القران الكريم: سورة المجادلة (58)، الآية: 13، الصفحة: 544.
- 6. القران الكريم: سورة النساء (4)، الآية: 80، الصفحة: 91.
- 7. القران الكريم: سورة النساء (4)، الآية: 64، الصفحة: 88.
- 8. القران الكريم: سورة الأحزاب (33)، الآية: 6، الصفحة: 418.
- 9. a. b. c. d. القران الكريم: سورة آل عمران (3)، الآية: 154، الصفحة: 70.
- 10. القران الكريم: سورة آل عمران (3)، الآية: 152، الصفحة: 69.
- 11. القران الكريم: سورة الجاثية (45)، الآية: 18، الصفحة: 500.
- 12. القران الكريم: سورة آل عمران (3)، الآية: 159، الصفحة: 71.
- 13. نقلا من کتاب دراسة عامة في الامامة للمؤلف.