قال الله تعالى في محكم كتابه: ﴿ وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا ﴾ 1، وقال أيضاً: ﴿ إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَىٰ أُولَٰئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ ﴾ 2، وقال أيضاً: ﴿ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَىٰ فِي خَرَابِهَا أُولَٰئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ 3، وقال تعالى: ﴿ … وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ … ﴾ 4.
هذه الآيات المتنوعة من كتاب الله العظيم تتحدث عن المسجد من جوانب متعددة فالآية الأولى تصرح بأن المساجد لله عزوجل وحده وهذا يعني أن المسجد هو محل العبادة فلا يصح أن يكون معه شريك في ذلك لأنه كفر به وإشراك لغيره معه وهذا يتنافى مع توحيد الله الواحد الأحد الفرد الصمد، والآية الثانية تصرح بأن المترددين إلى المساجد والمعمرين له هم المؤمنون بالله عزوجل وباليوم الآخر وهم الملتزمون بالإسلام قولاً وعملاً فيقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ولا يخافون ولا يخشون أحداً إلا الله، واذ كانوا كذلك فيصفهم الله سبحانه بأنهم المهتدون السائرون على الصراط المستقيم ـ صراط النجاة في الدنيا والآخرة ـ والآية الثالثة توضح أن الذين يمنعون الناس من التردد إلى المساجد لعبادة الله هم أظلم عباد الله لأنهم العاملون على نشر الانحراف عن دين الله بالقهر والقوة والغلبة أو بالحيلة والتآمر وتحريف شرع الله عن خطه ومنهاجه القويم، وهؤلاء الذين يفعلون ذلك ينتج عن فعلهم وفق مخططاتهم هجر المساجد وخرابها وفراغها من المصلين العابدين، وعليهم أن ينتظروا العقاب من الله تعالى في الدنيا أولاً وفي الآخرة أيضاً، والآية الرابعة تدعو وتشجع على أهمية التردد إلى المساجد بالطريقة التي يحبها الله عزوجل أي عبرسلوك طريق الإخلاص الذي لا يصح أي عمل من الإنسان بدونه، وهو شرط صحة الأعمال وقبولها عند الله عزوجل.
وأما في الروايات الواردة عن النبي الاكرم صلى الله عليه وآله وسلم وعن أهل بيته عليهم السلام فهي أكثر من أن تحصى، لكن ننتخب منها بعضاً يفيد في الدلالة على مكانة المسجد وأهمية دوره في حياة الأمة الإسلامية في الماضي والحاضر وفي المستقبل أيضاً، ومن تلك الروايات ما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
في التوراة مكتوب: أن بيوتي في الأرض المساجد، فطوبى لعبد تطهر في بيته ثم زارني في بيتي، ألا إن على المزور كرامة الزائر ألا بشر المشّائين في الظلمات إلى المساجد بالنور الساطع يوم القيامة..، وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مخاطباً ” أبا ذر “: يا أبا ذر إن الله تعالى يعطيك ما دمت جالساً في المسجد بكل نفس تنفست درجة في الجنة، وتصلي عليك الملائكة، وتكتب لك بكل نفس تنفست فيه عشر حسنات، وتمحي عنك عشر سيئات، وعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أيضاً: الجلوس لانتظار الصلاة عبادة، ما لم يحدث، قيل: يا رسول الله وما الحدث ؟ قال صلى الله عليه وآله وسلم: الإغتياب. وعنه صلى الله عليه وآله وسلم أيضاً: كل جلوس في المسجد لغو إلا ثلاثة: قراءة مصلٍ، أو ذكر الله، أو سائل عن علم.
وفي أحاديث أخرى تذكر ما للتردد إلى المساجد من فوائد عملية للمسلم يحتاجها في حياته الدنيوية، ومنها حديث ملفت للنظر عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جاء فيه، من أدمن إلى المسجد أصاب الخصال الثمانية: آية محكمة، أو فريضة مستعملة، أو سنّة قائمة، أو علم مستطرف، أو أخ مستفاد، أو كلمة تدله على الهدى أو ترده عن ردى، وترك الذنب خشية أو حياءً.
وفي تركيز آخر من الأحاديث على أهمية دور المسجد ما ورد من أن لا صلاة كاملة ومقبولة بشكل جيد عند الله لجار المسجد، لأن عدم تردده إلى المسجد فيه نوع من العقوق لله وللمسجد ولذا ورد عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام: لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد، إلا أن يكون له عذر أو به علة، فقيل ومن جار المسجد يا أمير المؤمنين ؟ قال: من سمع النداء.
وكذلك تحذر الأحاديث المسلمين من هجران المساجد وترك الصلاة فيها، لأن ذلك سيكون حجة عليهم يوم القيامة عند الله عزوجل وقد جاء في الحديث عن الإمام الصادق عليه السلام: شكت المساجد إلى الله تعالى الذين لا يشهدونها من جيرانها، فأوحى الله إليها: وعزتي وجلالي لا قبلت لهم صلاة واحدة، ولا أظهرت لهم في الناس عدالة، ولا نالتهم رحمتي، ولا جاوروني في جنتي.
ولا شك أن كلمة ” المسجد ” مشتقة من ” السجود ” وهو وضع جبهة الرأس على الأرض، والسجود هو منتهى الخضوع والتذلل والخشوع لله عزوجل من طرق الإنسان ولذا ورد في القرآن الكريم العديد من الآيات حول السجود، ومنها قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ … ﴾ 5 وكذلك قوله تعالى: ﴿وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ … ﴾ 6.
وكذلك ما ورد في الروايات عن السجود وأهميته الكبيرة في حياة المسلم تشير إلى أن كلمة ” مسجد ” مشتقة من السجود ايضاً والسجود هو جزء مهم وأساسي من أجزاء الصلاة، والصلاة هي أهم فعل يقوم به المسلم عند تواجده في المسجد، ومن تلك الروايات ما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إذا أردت أن يحشرك الله معي فأطل السجود بين يدي الله الواحد القهار وكذلك ما ورد عنه صلى الله عليه وآله وسلم أن قوماً أتوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقالوا: يا رسول الله إضمن لنا على ربك الجنة، فقال صلى الله عليه وآله وسلم على أن تعينوني بطول السجود وكذلك ما ورد عن علي عليه السلام: أطيلوا السجود، فما من عمل أشد على إبليس من أن يرى ابن آدم ساجداً، لأنه أمر بالسجود فعصى.
وفي حديث مهم ورد عن الإمام علي عليه السلام أنه سئل عن معنى السجود، فقال: معناه منها خلقتني يعني من التراب، ورفع رأسك من السجود معناه منها أخرجتني، والسجدة الثانية وإليها تعيدني، ورفع رأسك من السجدة الثانية ومنها تخرجني تارة أخرى.
وهذه الباقة من الآيات والروايات ذكرناها وأردناها مقدمة للدخول إلى رأي الإمام الخميني قدس سره ونظرته إلى المسجد ومكانته ودوره في الإسلام، وهذه المقدمة وإن كانت طويلة فذلك لأننا أردناها شاملة من وجهة النظر الإسلامية الأصيلة، لندخل منها إلى المطلوب.
ومن هنا نقول إن الإمام الخميني قدس سره يعطي المسجد دوراً محورياً بارزاً على كل الصعد الدينية والسياسية والاجتماعية والإعلامية، ويعتبر أن المسجد هو الحصن والمتراس للإسلام والأمة، ومن الواضح أن هذا التعبير يحتوي على المعاني الغزيرة والكبيرة، لأن المتراس هو الذي يحتمي به الإنسان عند الإحساس بالخطر أو الضرر على النفس، وكذلك الأمة عليها أن تحتمي بمساجدها وتجعل منها المتاريس لرد العدوان والهجوم من جانب الأعداء.
وإذا أردنا الدخول في العناوين التفصيلية لرأي الإمام الخميني قدس سره في المسجد يمكن أن نستنتج من كلماته العناوين التالية:
أولاً: المسجد مكان العبادة
هنا نرى أن الإمام الخميني قدس سره يؤكد على ضرورة أن يكون منطلق الإنسان المسلم للعبادة من المسجد، لأنه المكان الأنسب الذي أعده الله عزوجل لعباده لكي يرتبطوا به من خلال صلاتهم ودعائهم وابتهالاتهم وقيام ليلهم، وأن لا يكتفوا بالصلاة فرادى ـ بل يؤكد على ضرورة أن تكون الصلاة جماعة لأنها أقرب للقبول عند الله، مع ما فيها من التواصل والتقارب والتلاحم والوحدة، ولو على مستوى الجماعة الصغيرة، التي تكوّن مع الجماعات الصغيرة الأخرى الجماعة الكبيرة التي هي عبارة عن مجموع المسلمين المتوحدين في الصلاة والخشوع لله وحده سبحانه، ويقول الإمام في هذا المجال: لقد حققنا انتصاراتنا بذكر الله وباسم الله، والصلاة أعظم ذكر لله، لا تتهاونوا بالصلاة، ولا يقولنّ أحدكم إني ذاهب للصلاة وحدي في بيتي، كلا، أدّوا الصلاة جماعة، لا بد من التجمع، إملأوا المساجد، إن هؤلاء الأعداء ـ يخافون من المساجد.
وهذا النص يؤكد على ضرورة التردد إلى المساجد وعدم ترك الصلاة فيها مع ما يرافق الصلاة من أنواع العبادة الأخرى كالدعاء وقراءة القرآن وغير ذلك.
كما يؤكد الإمام على أهمية التردد إلى المساجد في المناسبات الدينية المهمة لأن العبادة في هذا الظرف تأخذ بعداً روحياً ومعنوياً اكبر كمناسبة شهر رمضان حيث يزداد النشاط الديني عادة ولذا يقول في خطاب آخر: إن هؤلاء الذين يتآمرون ويبعدونكم عن المساجد وعن مراكز التربية والتعليم هم أعداؤكم، إن الشهر المبارك ـ رمضان ـ قد اقترب، وفيه يجب أن تربوا أنفسكم بما يعادل عدة شهور، ويجب أن تكون التربية في المساجد وفي المحافل العامة.
فالإمام يرى أن العبادة الصحيحة ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالتربية والتعليم وتزكية النفس وتهذيبها، لأن تربية النفس لا يمكن أن تفترق عن العبادة وعلى رأسها الصلاة التي تنهى عن الفحشاء والمنكر، وهي بذلك خير وصية للمسلم الذي يسعى لتهذيب نفسه وترويضها وإيقافها عند حدود ما أحل وما حرّم.
ثانياً: المسجد مدرسة المسلمين
لا يقتصر دور المسجد عند الإمام الخميني قدس سره على العبادة فقط، بل له دور كبير ومهم جداً أيضاً وهو أن المسجد هو المكان الأكثر ملائمة لكي يتلقي فيه المسلمون أحكام دينهم ودراسة إسلامهم والتعرف على تاريخهم، وذلك من خلال الدروس والخطب والمواعظ والإرشادات التي يتولى أمرها جميعاً علماء الدين الذين يوصلون كل شيء لعدم ابتعاد المسلمين عن دينهم وعن مساجدهم وعن أصولهم العقائدية والفكرية، ولذا يقول الإمام في خطاب آخر: المسجد مركز للدعوة والتبليغ، ومن نفس هذه المساجد انطلقوا في صدر الإسلام، حيث كانت المساجد مراكز لتبليغ الإسلام، ويدعو الإمام بقوة إلى تقوية دور المسجد في هذا المجال ويقول: يجب أن تكثر إقامة الاجتماعات والشعائر بعظمة أكبر ما أمكن ذلك، وان يكثر المنبريون والخطاباء المحترمون من الوعظ والإرشاد ما امكن.
وهذا الربط من الإمام الخميني قدس سره للمسجد نابع من روح العقيدة الإسلامية، ومن التاريخ الإسلامي عموماً، ولهذا نجد أن النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم عندما وطئت قدماه أرض المدينة بعد هجرته من مكة المكرمة، فإن أول عمل قام به هو بناء المسجد تعظيماً للشعار الإلهي، وإحياءً لدور المسجد، ولا شك أن الإمام الخميني (الإبن البار للإسلام) المقتفي أثر النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما كانت لتخفى عليه دلالة أن يكون البناء الأول بعد الهجرة هو ” المسجد”.
ثالثاً: المسجد مركز الإعداد السياسي والجهادي
وهنا يتجلى دور المسجد بوضوح أكبر عند الإمام الخميني قدس سره فالمسجد كما هو مكان للعبادة والتعليم، هو المكان الأنسب لنشر المفاهيم السياسية والتعبئة العسكرية والجهادية، لأن الإسلام كل لا يتجزأ، فليس هناك مكان خاص بالسياسة وآخر بالدين (فديانتنا عين سياستنا، وسياستنا عين ديانتنا)، وكذلك المسجد كما هو مكان للجهاد الأكبر ضد النفس الأمارة بالسوء والنفس اللوامة، هو مكان الإعداد للجهاد الأصغر ضد أعداء الإسلام والأمة، ومنه كانت تنطلق الدعوات للجهاد، ومنه كانت تنطلق جيوش المسلمين باسم الله وباسم رسوله صلى الله عليه وآله وسلم لنشر هذا الدين أو لصد المعتدين وكسر شوكتهم ورد عدوانهم، ولذا يقول الإمام الخميني قدس سره في هذا المجال: لقد كان المسجد والمنبر مركزين للنشاطات السياسية، وخطط الكثير من الحروب الإسلامية وضعت في المساجد، ويقول في خطاب آخر: إتخذوا هذه المساجد متاريس، ضمن هذه المساجد كان يصدر كل شيء في صدر الإسلام، لقد كان المسجد مركزاً للقضاء والتعبئة للجيوش، فصونوا هذه المساجد هي متاريس للإسلام، والمحراب مكان الحرب، والمحاريب متاريس للإسلام فاحفظوها. وهذا الدور الفعال للمسجد على هذا المستوى نرى أنه كاد أن ينتهي في مساجدنا على امتداد عالمنا الإسلامي، بل لعله لا نبالغ إذا قلنا بأنه كان قد انتهى قبل انتصار الإسلام في إيران، وها نحن اليوم نشهد عودة لهذا الدور في المساجد في إيران ولبنان وفلسطين، وفي كل مكان من عالمنا الإسلامي حيث تتواجد حركات إسلامية تقاتل في سبيل إعلاء كلمة الله عزوجل.
فمن الذي يقول أن المسجد ليس مكاناً للتثقيف السياسي أو للتدريب الجهادي والعسكري والإعداد لمواجهة الأعداء والمتربصين بالإسلام والأمة شراً، فالقيام بهذه الامور في المسجد يعطيها البعد الإيماني والإلهي المطلوب، مضافاً إلى أن قدسية المكان تضفي على هذه الأمور روحية وقوة ومعنويات قد لا تتحقق في غيره من الاماكن لافتقادها لقدسية المسجد من جهة، ولأن غير المسجد لا يعطيها الابعاد المذكورة التي تعين المسلمين على الإعداد الجيد والقوي والمتين من الإسلام إلى أتباعه ومعتنقيه، ولذا يقول الإمام قدس سره هذه المساجد هي التي حققت النصر لشعبنا، إنها مراكز حساسة ينبغي أن يهتم بها شعبنا، لا تخالوا أننا لم نعد بحاجة إلى المسجد، بعد أن حققنا النصر، إن انتصارنا إنما كان من أجل إحياء المسجد. .. إن المساجد هي التي تبيّن فيها حقيقة الإسلام وفقه الإسلام فلا تدعوها خالية، إنهم يريدون أن تخلو المساجد شيئاً فشيئاً وهذه هي المؤامرة، . .. يجب أن تكونوا واعين إلى أن أنكم يجب أن تحافظوا على منابركم ومحاريبكم أكثر من السابق.
فالإمام الخميني يعتبر أن انتصار الثورة كان من أهدافه إحياء دور المسجد وإعادته للحياة، ليكون المسجد مصدر الإشعاع والنور الإلهي ليهدي الضالين والمبتعدين وكذلك المنحرفين من العباد الذين مالوا عن الصراط المستقيم بسبب سيطرة غير الإسلامين على الحكم، وعملوا على حصر دور المسجد بالصلاة والدعاء لاغير مما أفقد المسجد الكثير من بريقه ودوره الريادي على مستوى نشر الرسالة الإسلامية وقد فهم الإمام جيداً الخطة التي اتّبعها الاستعمار سابقاً والاستكبار لاحقاً والقائمة على تشويه صورة المسجد ودوره في الإسلام، وأنه مجرد مكان للصلاة والدعاء وليس مكاناً لتدريس الإسلام وتعليم أحكام ومفاهيمه، ولذا يطلب من المسلمين عدم الاستماع إلى الدعوات المضلّلة التي تنهى عن ارتياد المساجد من أجل التعلم، لأن تلك الدعوات تصدر عن المندسين والمنهزمين وعملاء القوى الاستكبارية الذين لا يريدون الخير للإسلام وأمته.
ومن هنا نفهم لماذا نرى الكثير من المساجد في عالمنا الإسلامي تفتح لمجرد الآذان وإقامة الصلاة ثم تغلق أبوابها إلى حين موعد الصلاة القادم، أو تكون المساجد تحت ولاية جهات تابعة للأنظمة وهي التي تدير أمورها بالنحو الذي يخدم المخططات التي يرى الإمام الخميني قدس سره أنها تنطلق من المؤامرة ضد الإسلام ورمز كبير من رموزه وهو ” المسجد ” للحد من دوره وتعطيل الفوائد الاساسية من ذلك الدور المهم والخطير في آن معاً ، ولذا يقول الإمام أن الحاجة إلى المسجد بعد انتصار الثورة هي أكثر من حاجتنا إليه قبله، لأن دور المسجد بعد الانتصار صار مهماً لأنه يلعب دوراً كبيراً في الحفاظ على الثورة التي أعادت الإسلام إلى الحياة لممارسة دوره في هداية البشر وإرشادهم، ولتبقى الثورة مستمرة وفاعلة عبر مجموعة من العوامل ومن أهمها المسجد، الذي طالما بقي مملوء بالناس سواء ممن يصلون أو يدرسون فلن يستطيع العدو النيل من الشعب المتمسك بدينه شيئاً .
ومن هنا نفهم سر الكثير من الدراسات والإحصاءات التي صدرت في سنوات ما بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران عن دوائر مرتبطة بالقوى الكبرى في العالم وعلى رأسها أمريكا ـ عدوة الإسلام والمسلمين بامتياز ـ عن النمو المطرّد للمترددين إلى المساجد من المسلمين سواء في عالمنا الإسلامي، أو على مستوى الجاليات الإسلامية المنتشرة في العالم، وهذا إن دل على شيء فهو يدل على الخوف الذي ينتاب تلك القوى الاستكبارية التي استطاعت في فترة استعمارها لعالمنا الإسلامي أن تغزونا بثقافاتها وعاداتها وتقاليدها المنحرفة، ويؤكد الإمام الخميني في خطاب آخر على الدور الجهادي للمسجد ويقول: في صدر الإسلام، كانت الجيوش تعبّأ من المسجد وتخرج من أجل حرب الكفار وشذاذ الآفاق، وفي ذلك المسجد كانت تلقى الخطب ويدعى الناس، ومن المسجد كانوا يتأهبون ويذهبون لمواجهة عدو قام على المسلمين أو أغار على أموالهم أو كان من المنحرفين عن الإسلام. .. ويجب أن تطرح المسائل السياسية والاجتماعية، وكذلك كل مشاكل المسلمين واختلافاتهم يجب أن تطرح وتحل
وبهذا نجد أن نظرة الإمام الخميني قدس سره إلى المسجد ودوره هي نظرة شمولية لا تجزئة فيها ولا إنقاص منها، بل هي التجسيد الفعلي لدور المسجد كما كان في زمن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والعصر الأول للإسلام الذي شهد الفترة الذهبية لهذا الدين من حيث التوسعة والانتشار وإدخال الشعوب المستضعفة آنذاك والمغلوبة على أمرها بهذا الدين الوافد الجديد.
ومن هنا نجد أن الإمام الخميني يؤكد على ضرورة التواصل مع المسجد إحياء لدوره وإحياء للأمة من خلاله، لأن تردد أبناء الإسلام إلى المسجد يعطيها المناعة الإيمانية في مواجهة الانحراف الفكري والعقائدي، ويمنحها القوة في الموقف في مواجهة الأعداء وقوى الشر العالمي المتمثلة اليوم بأمريكا ـ الشيطان الأكبر ـ التي جعلت من الإسلام والأمة عدواً مفترضاً بل واقعياً لها وتسعى لضرب أي توجه استقلالي من أية دولة من دول الإسلام وأية حركة من الحركات المجاهدة في سبيل تحرير الأمة وإرادتها وقرارها، ويقول الإمام في هذا المجال: إن تكليفكم اليوم هو أن لا تخلوا مساجدكم، فالشياطين تخاف من الصلاة ومن المساجد، حافظوا على اجتماعاتكم وعلى مساجدكم صلبة محكمة ويقول مخاطباً كل شرائح المسلمين: أيها الناس، أيها المثقفون، أيها الحقوقيون، إحفظوا مساجدكم واعمروها حتى تتحقق اهداف هذه الثورة.
ولا يفوتنا أن نذكر هنا أن الإمام السيد علي الخامنئي دام ظله قد حافظ على نهج الإمام في النظرة إلى المسجد ودوره، وأطلق شعار أسبوع المسجد في آخر أيام شهر شعبان التي يليها شهر الله تعالى ـ شهر رمضان ـ وهذا الشعار هو تأكيد نهج الإمام الخميني الذي جعل من المسجد محوراً رئيساً لثورته ونهضته وانتصار الشعب المسلم في إيران على العميل الأمريكي البشع وشرطيها في الخليج (شاه إيران المقبور).
لهذا كله على المسلمين إذا أرادوا الحرية والاستقلال والسعادة في الدنيا وبراءة الذمة عند الله ونيل المرتبة والمكانة في جنته أن يعملوا على تحرير المساجد أولاً من خلال التردد إليها واعتبارها القاعدة الصلبة والقوية لتحركهم في كل المجالات العبادية والتثقيفية والسياسية والجهادية والإعلامية، لأن امتلاء المساجد يغيظ الأعداء ويثبط عزائمهم ويهزم كل مخططاتهم التي قامت على إيجاد حالة من العداء والنفور بين المسلم وبين الكثير من رموز دينه وعقيدته ومن أهم تلك الرموز هي المساجد.
والحمد لله رب العالمين 7
- 1. القران الكريم: سورة الجن (72)، الآية: 18، الصفحة: 573.
- 2. القران الكريم: سورة التوبة (9)، الآية: 18، الصفحة: 189.
- 3. القران الكريم: سورة البقرة (2)، الآية: 114، الصفحة: 18.
- 4. القران الكريم: سورة الأعراف (7)، الآية: 29، الصفحة: 153.
- 5. القران الكريم: سورة الحج (22)، الآية: 77، الصفحة: 341.
- 6. القران الكريم: سورة النحل (16)، الآية: 49، الصفحة: 272.
- 7. نُشرت هذه المقالة على الموقع الالكتروني الرسمي لسماحة الشيخ محمد توفيق المقداد بتاريخ: السبت, 15 شباط/فبراير 2014.