نص الشبهة:
إنكم يا معشر الشيعة تتحدثون عن جهاد الإمام علي (عليه السلام)، ومواقفه بصورة توحي بأن غيره لم يفعل شيئاً .. ونحن نقول لكم: إذا كان الإمام علي (عليه السلام) قد جاهد بعد الهجرة، فإن أبا بكر قد كان إلى جانب الرسول (صلى الله عليه وآله)، في هذه الفترة، بمثابة الوزير المشير .. وأما قبل الهجرة في مكة، فإنه ليس للإمام علي (عليه السلام) أي دور أو أثر يذكر سوى مبيته على الفراش ليلة الهجرة، فلماذا تضيعون جهاد أبي بكر في هذه الفترة التي دامت ثلاث عشرة سنة؟! . .
الجواب:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
وبعد..
فإن هذا الكلام غير مقبول لأكثر من سبب..
فأولاً: إن مبيت الإمام علي (عليه السلام)، على فراش رسول الله (صلى الله عليه وآله)، لم يكن في ليلة الهجرة فقط، بل هو قد بدأ منذ حصار المشركين للنبي (صلى الله عليه وآله)، وبني هاشم في شعب أبي طالب، حيث كان أبو طالب ينيم رسول الله (صلى الله عليه وآله)، في موضعه المخصص له.. ثم إنه حين تهدأ الرِّجل، ويأمن العيون يقيمه، وينيم الإمام علياً (عليه السلام) مكانه، حتى إذا ما حصل أمر من قبل المشركين، يستهدف حياة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فإنه يقع في الإمام علي (عليه السلام)، وينجو الرسول (صلى الله عليه وآله)، من كيدهم..
وقد كان الإمام علي (عليه السلام)، عالماً بأهداف هذا التدبير، راضياً به، كما دلت عليه الآثار..
أضف إلى ذلك: أن علياً كان هو الذي يأتي للهاشميين في الشعب بالطعام من بعض بيوت مكة، ويقول النص التاريخي: ولو ظفر به المشركون لقتلوه..
أضف إلى ما تقدم: أن الإمام علياً (عليه السلام)، كان يجاهد المشركين في مكة أيضاً، حيث كانوا يغرون أولادهم برسول الله (صلى الله عليه وآله)، ليؤذوه، فكان الإمام علي (عليه السلام)، يلحقهم، ويقضمهم في وجوههم.. حتى لقد عرف فيهم بـ «القضم».
هذا عدا عن أن لقاء أبي ذر برسول الله (صلى الله عليه وآله)، وإسلامه على يديه قد كان بتدبير من الإمام علي (عليه السلام)، حيث كان قد نزل أبو ذر ضيفاً عليه صلوات الله وسلامه عليه لمدة ثلاثة أيام، وذلك حينما كان النبي (صلى الله عليه وآله)، في دار الأرقم.. وذلك يشير إلى نشاط غير عادي لأمير المؤمنين (عليه السلام).. وإن لم يستطع تاريخ تلك الفترة أن يفصح لنا عن الشيء الكثير منه.. بل إن حال تاريخ الرسول (صلى الله عليه وآله) نفسه في تلك الفترة هو ذلك، فكيف بتاريخ من عداه (صلى الله عليه وآله)؟!..
ثانياً: أما أبو بكر، فلم نجد له في مكة، أي تاريخ أو أثر يذكر في جهاد ولا في تضحية، سوى ما يذكرونه من إسلام بعضهم على يديه، وما يذكرونه أيضاً من محاولته للهجرة، ودعواهم أنه أول من اتخذ مسجداً يصلى فيه، وأنه كان يقرأ القرآن، فيجتمع الناس عليه لسماع صوته، والنظر إلى عتاقة وجمال وجهه..
ثم دعواهم: أنه كان حين بعثة النبي (صلى الله عليه وآله) غائباً، وأن المشركين انتظروه وأنه صدق النبي (صلى الله عليه وآله)، فيما جاء به، أو فيما أخبر به في قضية المعراج..
وكل هذه الأمور قد أثبتنا بالأدلة القاطعة: أنها موضع شك وريب، بل لا شك في عدم صحة أكثرها، ويبقى الشك قائماً.. وهذا الشك يسري بقوة حتى إلى ما يدعونه من إسلامه المتقدم، فإنه ـ وكما يروي الطبري ـ قد أسلم بعد أكثر من خمسين، ويحتمل أن يكون ذلك بعد الهجرة إلى الحبشة، التي كانت في السنة الخامسة من البعثة، فراجع: الصحيح من سيرة النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله).. ج2 فصل: الدعوة في مراحلها الأولى..
فإن قيل: إن هذا من الأكاذيب أيضاً..
فإنه يقال: إن الذين رووا ذلك هم علماء أهل السنة، فما السبب في اختلاقهم أموراً كهذه في حق أئمتهم؟!..
ثالثاً: إن ما ذكره من موقعية ومقام أبي بكر بعد الهجرة، لا مجال لقبوله، فإن النبي (صلى الله عليه وآله)، لم يكن بحاجة إلى مشورة أحد، فإنه مسدد بالوحي..
وإذا ما طلب المشورة من المسلمين في بعض الموارد، فإن ذلك كان تألفاً لهم، ولمصالح مختلفة أخرى.. وليس لأجل الحاجة إلى رأيهم..
والحمد لله، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين 1..
- 1. مختصر مفيد.. (أسئلة وأجوبة في الدين والعقيدة)، السيد جعفر مرتضى العاملي، «المجموعة الرابعة»، المركز الإسلامي للدراسات، الطبعة الأولى، 1423 ـ 2002، السؤال (212).