من المشهور في تاريخ الإسلام وإلى اليوم أنّ الشعية هم الذين تحمّلوا مسؤولية إحياء ذكرى موقعة كربلاء التي نتج عنها إستشهاد الإمام الحسين (عليه السلام) والصفوة من أهل بيته وأصحابه المخلصين في مواجهة الحكم الأموي المتمثّل يومها بيزيد بن معاوية الذي فرضه أبوه خليفة على الأمّة الإسلامية وأراد لها أن تنصاع وترضخ لذلك الإختيار.
وهذا الأمر أدّى عبر العصور إلى أن تبدو “كربلاء” وكأنّها قضية مذهبية تخصّ القسم المعلوم من الأمّة الإسلامية، وكأنّ المسلمين الآخرين لا ارتباط لهم بها من قريبٍ أو بعيد، فنتج عن كلّ ذلك تحجيم الثورة وتقليص دورها وتأثيراتها إلى الحدود المذهبية الشيعية فقط.
إنّ كلّ هذا الجو يدفعنا إلى التساؤل وبحق: (لماذا لا يتفاعل المسلمون الآخرون مع عاشوراء؟ ولماذا لا يعتبرونها من القضايا الأساسية في حياتهم؟).
ونحن هنا، لا نريد أن نحمّل إخوتنا من أبناء المذاهب الإسلامية الأخرى مسؤولية في هذا المجال، وإنّما نريد أن نفهم الأسباب التي أدّت إلى محاصرة الثورة الحسينية وإظهارها على أنّها ثورة مذهبية وليست الثورة الإسلامية عامّة، مع أنّ كلّ من يرجع إلى تاريخ تلك المعركة وينظر في أسبابها وشعاراتها والأهداف التي كانت مأمولة منها لا يرى أثراً أو دليلاً على مذهبية الثورة أو اختصاصها بقسمٍ محدودٍ من المسلمين.
لهذا نقول، إنّ هناك أيادٍ لم تكن تريد الخير للأمّة الإسلامية عملت على إيجاد الحواجز والفواصل بين الثورة الحسينية وبين أبناء الإسلام خارج إطار التشيّع، ولا نبرّئ في هذا المجال الحكم العباسي كلّه من هذه المؤامرة الدنيئة التي استطاعت أن تحقّق الفصل الواضح الذي تراكم عبر القرون حتّى صار هذا الأمر حقيقة واقعة في حياة الأمّة كلّها.
والذي يدعونا إلى هذا الإتّهام لبني العباس هو أنّهم عندما ثاروا على الحكم الأموي رفعوا شعار “يا لثارات الحسين(عليه السلام)” وتمكّنوا بهذا الشعار من أن يضمنوا وقوف الأمّة إلى جانبهم وانتصروا وأخرجوا الأمويين من الحكم واستلموا الخلافة التي بقيت بأيديهم عدداً من القرون.
من هنا، أدرك العباسيون مقدار التأثير الذي يمكن أن تحقّقه عاشوراء الحسين(عليه السلام) من عوامل النهضة والثورة ضدّ الحكم الظالم والمنحرف، فعملوا على منع المسلمين من إحياء هذه الواقعة. وتاريخهم مليء بالشواهد على ذلك ومن أبرزها محاولة “المتوكّل” محو كلّ آثار المقام الحسيني.
إنّ كلّ تلك الأجواء بنظرنا هي التي أدّت إلى انحصار التفاعل مع كربلاء من الإطار الإسلامي العام إلى الإطار الشيعي الخاص.
ونحن اليوم نحيي ذكرى عاشوراء الحسين(عليه السلام)، وندرك حجم تأثيراتها المعنوية والرسالية والجهادية في حياتنا، وندرك حجم القوة والإرادة والزخم الإيماني والفيض الروحي الذي تزوّدنا به تلك الثورة المعطاء، والذي من خلاله استطعنا أن نهزم الكثير من مشاريع الأعداء المستكبرين وعلى رأسهم زعيمة الإستكبار العالمي “أمريكا”، وبالعطاء الكربلائي ذي النكهة الإستشهادية توصّلنا إلى أن نهزم إسرائيل أيضاً ونجبرها على الإنسحاب من جزءٍ كبيرٍ من الأرض التي احتلّتها في الجنوب اللبناني والبقاع الغربي، ويكفي في هذا المجال كلمة الإمام الخميني(قده) الذي قال: (إنّ كلّ ما لدينا هو من عاشوراء) كدلالةٍ على أهمية تلك الثورة الحسينية في بعث الروح الرسالية والجهادية والمعنوية عند كلّ أبناء الأمّة الإسلامية.
من هنا ندعو كلّ إخوتنا من أبناء المذاهب الإسلامية الأخرى إلى أن يجعلوا من هذه الثورة مورداً لاهتمامهم وأن يحيطوها بالرعاية والعناية كما هو الحال عند الشيعة، لنخرج بتلك الثورة من إطارها المذهبي الضيّق الذي حوصرت فيه على يد الحكّام المنحرفين، إلى إطارها العام الإسلامي، لأنّها الثورة التي قامت في مواجهة الظلم الأموي باسم الإسلام وهدفت إلى الإصلاح في مسيرة الأمّة الإسلامية ولم تكن ثورة شيعية في أيّ معنى من معانيها.
إنّ ثورة الحسين (عليه السلام) هي ملك للمسلمين جميعاً وهي جزءٌ مهم وأساس من تاريخهم الجهادي والرسالي، بل ينبغي أن يكون لها الأولوية على مستوى الإهتمام والرعاية من خلال إحياء مراسمها، لأنّها قامت وما زالت بدورٍ كبير في تاريخ الإسلام بشكلٍ عام، وفي التاريخ المعاصر للأمّة الإسلامية بشكلٍ خاص.
إنّ هذه الدعوة إلى التفاعل مع الثورة الحسينية من جانب إخوتنا من أبناء المذاهب الإسلامية الأخرى لا نهدف منها سوى إلى التفاعل مع قضية لمسنا مدى تأثيرها الروحي والمعنوي في واقعنا الإسلامي العام كلّه، لنتمكن جميعاً من أن نستلهم من تلك الثورة الخالدة ما يجعلنا أقوياء في مواجهة كلّ الأعداء المتربّصين بالأمّة من قوى الإستكبار العالمي والأنظمة العميلة التي تحكم واقع الأمّة الإسلامية في أغلب البلدان وتصادر حريّاتنا واستقلالية قرارنا وتتلاعب بمصائرنا خدمةً للمستكبرين وخوفاً من تنامي هذه الصحوة الإسلامية التي لا شكّ أنّ تفاعل الأمّة مع الثورة الحسينية سوف يحصّن هذه النهضة ويرفدها بالقوّة الإضافية والإرادة الثابتة، وتستطيع أن توقّظ المسلمين على مستوى قضاياهم المصيرية الأساسية والمهمّة.
والحمد لله ربّ العالمين1.
- 1. نقلا عن الموقع الرسمي لسماحة الشيخ محمد توفيق المقداد حفظه الله.