يبق للعالم و خاصة العالم الاسلامي أدنى شك في أن منظمة داعش التكفيرية ليست إلا منظمة ارهابية مهمتها الأولى تشويه سمعة الاسلام و تشويش صورته الناصعة بأفعالها و تصرفاتها الشيطانية الخبيثة خدمة لأسيادها الصهاينة و الامريكان و من هم في معسكر واحد، ذلك لأن جُل أعمالها كانت مخالفة للشريعة الاسلامية السمحة، و كانت متقصدة في كل ما فعلت من القتل و الدمار و الذبح و السلخ.
الإسلام دين الرحمة
إن الاسلام دين الرحمة و الشفقة و المحبة و الإخاء و التسامح حتى مع الاعداء ما لم تكن هناك مصالح عامة خطيرة.
الاسلام الداعشي
يظهر لمن درس حياة الرسول المصطفى صلى الله عليه و آله و كذلك سيرة الامام أمير المؤمنين عليه السلام أن الاسلام الداعشي ليس إلا نسخة ثانية عن الاسلام الأموي و العباسي ذلك لأن أعمالهم لا تتماشى مع روح الاسلام و القرآن و سيرة الرسول و العترة الطاهرة، فلقد وصف القرآن الكريم أكرم عباده باطعام الأسير، فقال تعالى: ﴿ وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا ﴾ 1.
و الآية تدل اولاً على حسن الايثار بالنسبة الى الأسير، بحيث يكون الفرد جائعاً و محباً للطعام، يقدمه للأسير. كما تدل على ان العمل يقرب الى الله سبحانه، حيث انهم قالوا انما نطعمكم لوجه الله.
و معلوم ان الآية المباركة نزلت في اهل بيت الرسالة؛ فاطمة الزهراء و بعلها أمير المؤمنين و سبطا الرسالة الحسن و الحسين، على النبي و عليهم جميعاً صلوات الله و سلامه.
أمير المؤمنين يوصي بقاتله خيرا
جاء في الحديث عن جعفر بن محمد، عن أبيه؛ ان علي بن ابي طالب عليهم السلام خرج يوقظ الناس لصلاة الصبح، فضربه عبد الرحمن بن ملجم لعنه الله بالسيف على رأسه، فوقع على ركبتيه و اخذه فالتزمه حتى اخذه الناس. و حمل علي عليه السلام حتى افاق، ثم قال للحسن و الحسين عليهما السلام: “احبسوا هذا الأسير و اطعموه و اسقوه و احسنوا أساره” 2.
و عن الشيخ البكري في حديث وفاة الامام علي عليه السلام، عن لوط بن يحيى، عن اشياخه قال: ثم التفت عليه السلام الى ولده الحسن عليه السلام و قال: ارفق يا ولدي بأسيرك و ارحمه و أحسن اليه و اشفق عليه. (الى ان قال) فلما افاق ناوله الحسن عليه السلام قعباً من لبن و شرب منه قليلاً ثم نحّاه عن فمه، و قال: “احملوه الى اسيركم”. ثم قال للحسن عليه السلام: “بحقّي عليك يا بنيّ إلاّ ما طيّبتم مطعمه و مشربه و ارفقوا به الى حين موتي، و تطعمه ممّا تأكل و تسقيه ممّا تشرب حتى تكون اكرم منه” 3.
ترى كيف كانت وصية الامام عليه السلام بالنسبة الى قاتله الذي كان أسيراً عند ولده؟
الامام علي و الرفق بالاسرى
جاء في الحديث عن أبي عبد الله عليه السلام انه قال: ينبغي ان يطعم الأسير و يسقى و يرفق به، و إن اريد به القتل.
و من هنا اعتبر الاسلام ان نفقة الأسير الذي توطن في البلاد الاسلامية حتى كبر و عجز عن العمل، انها توفر من بيت المال.
فقد روي عن محمد بن أبي حمزة، عن رجل بلغ به أمير المؤمنين عليه السلام قال: مر شيخ مكفوف كبير يسأل.
فقال أمير المؤمنين عليه السلام: “ما هذا”؟
قالوا: يا أمير المؤمنين، نصراني.
فقال أمير المؤمنين عليه السلام: “استعملتموه حتى إذا كبر و عجز منعتموه! أنفقوا عليه من بيت المال” 4.
و جاء في حديث شريـف؛ النهي عن قتل الأسير، حيث روي عن علـي بن الحسيـن عليهما السلام قال: “إذا أخذت أسيراً فعجز عن المشي و لم يكن معك محمل، فأرسله و لا تقتله، فانك لا تدري ما حكم الامام فيه”.
و قال: “الاسير إذا أسلم فقد حقن دمه و صار فيئاً” 5.
و قد أطلق الامام علي عليه السلام اسراه بصفين، إلاّ بعضاً منهم.
فقد جاء في الحديث عن الشعبي قال: لمّا اسّر علي عليه السلام الأسرى يوم صفين فخلّى سبيلهم، أتوا معاوية، و قد كان عمرو بن العاص يقول لأسرى أسّرهم معاوية إقتلهم، فما شعروا إلاّ بأسراهم قد خلّى سبيلهم علي عليه السلام.
فقال معاوية: يا عمرو لو أطعناك في هؤلاء الأسرى لوقعنا في قبيح من الأمر، ألا ترى قد خلّى سبيل أسرانا؟
فأمر بتخلية من في يديه من اسرى علي عليه السلام. و قد كان علي عليه السلام اذا أخذ اسيراً من أهل الشام خلّى سبيله، إلاّ ان يكون قد قتل من اصحابه احداً فيقتله به، فإذا خلّى سبيله فان عاد الثانية قتله و لم يخلّ سبيله 6.
و من خاتمة هذا الحديث نعرف لماذا قتل الامام أمير المؤمنين بعض الأسرى.
- 1. القران الكريم: سورة الانسان (76)، الآية: 8 و 9، الصفحة: 579.
- 2. قرب الإسناد: 143، لأبي عباس عبدالله بن جعفر الحميري القمي، من أصحاب الإمام حسن العسكري (عليه السلام) و فقهاء القرن الثالث، طبعة مؤسسة آل البيت (عليهم السلام)، الطبعة الأولى، سنة 1413 هجرية، قم / ايران.
- 3. بحار الأنوار (الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار (عليهم السلام)): 42 / 289، للعلامة الشيخ محمد باقر المجلسي، المولود بإصفهان سنة: 1037، و المتوفى بها سنة: 1110 هجرية، طبعة مؤسسة الوفاء، بيروت/لبنان، سنة: 1414 هجرية.
- 4. من لا يحضره الفقيه: 6 / 293، للشيخ أبي جعفر محمد بن علي بن حسين بن بابويه القمي المعروف بالشيخ الصدوق، المولود سنة: 305 هجرية بقم، و المتوفى سنة: 381 هجرية، طبعة انتشارات اسلامي التابعة لجماعة المدرسين، الطبعة الثالثة، سنة: 1413 هجرية، قم/إيران.
- 5. الكافي: 5 / 35، للشيخ أبي جعفر محمد بن يعقوب بن إسحاق الكُليني، المُلَقَّب بثقة الإسلام، المتوفى سنة: 329 هجرية، طبعة دار الكتب الإسلامية، سنة: 1365 هجرية/شمسية، طهران/إيران.
- 6. وقعة صفين: 518، لنصر بن مزاحم، المتوفى سنة: 212 هجرية.