نور العترة

خطبة الامام الحسين الثانية في يوم عاشوراء …

ثم تقدّم الحسين نحو القوم، ثم نادى بأعلى صوته: يا أهل العراق ـ وكلهم يسمعون ـ فقال: ” أيها الناس اسمعوا قولي ولا تعجلوا حتى أعظكم بما يحقّ لكم عليّ، و حتى أعذر إليكم، فإن أعطيتموني النصف كنتم بذلك سعداء وإن لم تعطوني النصف من أنفسكم فأجمعوا رأيكم ثم لا يكن أمركم عليكم غُمّة ثم اقضوا إليّ و لا تنظرون، إنّ وليّي الله الذي نزّل الكتاب و هو يتولّى الصالحين.
ثم حمد الله وأثنى عليه و ذكره بما هو أهله، و صلى على النبي و آله و على الملائكة و الأنبياء، فلم يسمع متكلّم قط قبله و لا بعده أبلغ منه في المنطق.
ثم قال: أما بعد يا أهل الكوفة فانسبوني فانظروا من أنا، ثم راجعوا أنفسكم فعاتبوها فانظروا هل يصلح لكم قتلي و انتهاك حرمتي؟
أ لستُ ابن بنت نبيّكم و ابن وصيّه و ابن عمّه و أول مصدّق لرسول الله صلى الله عليه و آله بما جاء به من عند ربّه؟
أو ليس حمزة سيد الشهداء عمّ أبي؟
أو ليس جعفر الطيّار في الجنة بجناحين عمّي؟
أو لم يبلغكم ما قال رسول الله لي و لأخي: ” هذان سيدا شباب أهل الجنة”.
فإن صدّقتموني بما أقول و هو الحق، والله ما تعمّدتُ كذبً منذ علمتُ أن الله يمقت عليه أهله، و إن كذّبتموني فإن فيكم مَنْ إن سألتموه عن ذلك أخبركم، سلوا جابر بن عبد الله الأنصاري، و أبا سعيد الخدري، و سهل بن سعد الساعدي، و زيد بن أرقم، و أنس بن مالك يخبروكم أنهم سمعوا هذه المقالة من رسول الله لي و لأخي… أما في هذا حاجز لكم عن سفك دمي؟
يا قوم: فإن كنتم في شكٍ من ذلك، أفتشكّون أني ابن بنت نبيّكم فو الله ما بين المشرق و المغرب ابن بنت نبي غيري فيكم و لا في غيركم.
ويحكم ! أتطالبوني بقتيل منكم قتلتُه أو مالٍ استملكته، أو بقصاص من جراح؟
فأخذوا لا يكلّمونه، و نادى بأعلى صوته فقال: أنشدكم الله هل تعرفونني؟
قالوا: نعم أنت ابن رسول الله وسبطه.
فقال: أنشدكم الله هل تعلمون أن جدي رسول الله؟
قالوا: اللهم نعم.
قال: أنشدكم الله هل تعلمون أن أبي علي بن أبي طالب؟
قالوا: اللهم نعم.
قال: أنشدكم الله هل تعلمون أن أمي فاطمة بنت رسول الله؟
قالوا: اللهم نعم.
قال: أنشدكم هل تعلمون أن جدّتي خديجة بنت خويلد أول نساء هذه الأمة إسلاماً؟
قالوا: اللهم نعم.
قال: أنشدكم الله هل تعلمون أن حمزة سيد الشهداء عمّ أبي؟
قالوا: اللهم نعم.
قال: أنشدكم الله هل تعلمون أن جعفر الطيّار في الجنّة عمّي؟
قالوا: اللهم نعم.
قال: أنشدكم الله هل تعلمون أن هذا سيف رسول الله أنا متقلّده؟
قالوا: اللهم نعم.
قال: أنشدكم الله هل تعلمون أن هذه عمامة رسول الله أنا لابسها؟
قالوا: اللهم نعم.
قال: أنشدكم الله هل تعلمون أن علياً كان أول القوم إسلاماً وأعلمهم عِلماً وأعظمهم حلما، وانه ولي كل مؤمن ومؤمنة؟
قالوا: اللهم نعم.
قال: فبم تستحلّون دمي وأبي الذائدُ عن الحوض يذود عنه رجالاً كما يذاد البعير الصادر عن الماء، ولواءُ الحمد في يد أبي يوم القيامة؟!
قالوا: قد علمنا ذلك كلّه و نحن غير تاركيك حتى تذوق الموت عطشانا1.

  • 1. مقتل الإمام الحسين عليه السَّلام للخطيب العلامة السيد محمد كاظم القزويني (رحمه الله).
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى