لا شك في أن الامام الحسين عليه السلام كان يعلم يقيناً بأنه سوف يقتل في كربلاء مع جمع من خيرة الرجال من أهل بيته و أصحابه، كما و كان يعلم بأن النساء و الأطفال سيكون مصيرهم السبي و الأسر بأبشع الأشكال، لكنه عليه السلام كان يعلم أيضاً بأن الطاغية يزيد بن معاوية لعنه الله بوجه خاص و بنو أمية بوجه عام عازمون على محو الإسلام بشكل تام، و أنه عليه السلام إن لم يوقض الامة الإسلامية من سباتها العميق ببذل حياته و حياة أصحابه فلا يبقى من الإسلام حتى اسمه ، فلذلك ضحى بنفسه و أهله و كل غالٍ و رخيص لينتصر للحق و يقاوم الباطل.
أما الأدلة على علمه بمقتله فكثيرة نُشير إلى أهمها:
1 ــ إخبار جده المصطفى صلى الله عليه و آله بمقتله، فقد رَوى في مستدرك الصحيحين بسنده عن شداد ابن عبد الله عن ام الفضل بنت الحارث، إنها دخلت على رسول الله صلى الله عليه (و آله) و سلم فقالت: يا رسول الله إني رأيت حلماً منكراً الليلة.
قال: “و ما هو”؟
قالت: إنه شديد.
قال: “و ما هو”؟
قالت: رأيت كأن قطعة من جسدك قطعت و وضعت في حجري.
فقال رسول الله صلى الله عليه (و آله) و سلم: “رأيت خيراً، تلد فاطمة ان شاء الله غلاماً فيكون في حجرك”.
فولدت فاطمة سلام الله عليها الحسين عليه السلام فكان في حجري كما قال رسول الله صلى الله عليه (و آله) و سلم.
فدخلت يوماً على رسول الله صلى الله عليه (و آله) و سلم فوضعته في حجره ثم حانت مني التفاتة فاذا عينا رسول الله صلى الله عليه (و آله) و سلم تهريقان من الدموع.
قالت: فقلت: يا نبي الله بأبي انت و امي ـ ما لك؟
قال: “أتاني جبريل فاخبرني إن امتي ستقتل ابني هذا”.
فقلت: هذا؟
فقال: “نعم، و أتاني بتربة من تربته حمراء” 1.
2 ــ إخبار الامام الحسين عليه بمقتله لدى خروجه من مكة قاصداً العراق، خطبة الامام الحسين لما عزم على المسير الى العراق، فإنَّهُ لَمَّا عَزَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَلَى الْمَسِيرِ إِلَى الْعِرَاقِ قَامَ خَطِيباً، فَقَالَ:
“الْحَمْدُ لِلَّهِ وَ ما شاءَ اللَّهُ وَ لا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ، وَ صَلَّى اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ، خُطَّ الْمَوْتُ عَلَى وُلْدِ آدَمَ مَخَطَّ الْقِلَادَةِ عَلَى جِيدِ الْفَتَاةِ، وَ مَا أَوْلَهَنِي إِلَى أَسْلَافِي اشْتِيَاقَ يَعْقُوبَ إِلَى يُوسُفَ، وَ خُيِّرَ لِي مَصْرَعٌ أَنَا لَاقِيهِ، كَأَنِّي بِأَوْصَالِي تَقَطَّعُهَا عُسْلَانُ الْفَلَوَاتِ 2، بَيْنَ النَّوَاوِيسِ وَ كَرْبَلَاءَ فَيَمْلَأَنَّ مِنِّي أَكْرَاشاً جُوفاً، وَ أَجْرِبَةً سُغْباً لَا مَحِيصَ عَنْ يَوْمٍ خُطَّ بِالْقَلَمِ، رِضَى اللَّهِ رِضَانَا أَهْلَ الْبَيْتِ، نَصْبِرُ عَلَى بَلَائِهِ وَ يُوَفِّينَا أُجُورَ الصَّابِرِينَ، لَنْ تَشُذَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ لَحْمَةٌ هِيَ مَجْمُوعَةٌ لَهُ فِي حَظِيرَةِ الْقُدْسِ تَقَرُّ بِهِمْ عَيْنُهُ، وَ يُنَجَّزُ لَهُمْ وَعْدُهُ، مَنْ كَانَ بَاذِلًا فِينَا مُهْجَتَهُ وَ مُوَطِّناً عَلَى لِقَاءِ اللَّهِ نَفْسَهُ، فَلْيَرْحَلْ فَإِنِّي رَاحِلٌ مُصْبِحاً، إِنْ شَاءَ للَّهُ” 3.
- 1. مستدرك الصحيحين: 3 / 176، قال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين.
- 2. العسلان: الذئاب.
- 3. نزهة الناظر و تنبيه الخاطر: 86، لحسين بن محمد بن حسن بن نصر الحلواني، المتوفى في القرن الخامس الهجري، الطبعة الأولى سنة: 1408 هجرية، مدرسة الامام المهدي قم/إيران.