الباحث: علي عباس فاضل
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير المرسلين أبي القاسم محمد وآله الطيبين الطاهرين الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، وبعد:
يعد خباب بن الأرت من أوائل الصحابة والسابقين إلى الإسلام (( اختلف في نسبه، فقيل: هو خزاعي، وقيل: هو تميمي، ولم يختلف أنه حليف لبني زهرة، والصحيح أنه تميمي النسب، لحقه سباء في الجاهلية، فاشترته امرأة من خزاعة وأعتقته، وكانت من حلفاء بني عوف بن عبد عوف بن عبد الحارث بن زهرة، فهو تميميّ بالنسب، خزاعيّ بالولاء، زهري بالحلف، وهو خباب بن الأرت بن جندلة بن سعد بن خزيمة بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم، كان قينا يعمل السيوف في الجاهلية، فأصابه سبى فبيع بمكة، فاشترته أم أنمار بنت سباع الخزاعية، وأبوها سباع حليف بني عوف بن عبد عوف))([1])، وَسِبَاعٌ هُوَ الَّذِي بَارَزَهُ حَمْزَةُ يَوْمَ أُحُدٍ، وَكَانَ إِسْلَامُ خبّاب قَدِيمًا، قِيلَ: سَادِسُ سِتَّةٍ قَبْلَ دُخُولِ رَسُولِ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله) دَارَ الْأَرْقَمِ، فَأَخَذَهُ الْكُفَّارُ وَعَذَّبُوهُ عَذَابًا شَدِيدًا، فَكَانُوا يُعَرُّونَهُ وَيُلْصِقُونَ ظَهْرَهُ بِالرَّمْضَاءِ ثُمَّ بِالرَّضْفِ، وَهِيَ الْحِجَارَةُ الْمُحْمَاةُ بِالنَّارِ، وَلَوَوْا رَأْسَهُ، فَلَمْ يُجِبْهُمْ إِلَى شَيْءٍ مِمَّا أَرَادُوا مِنْهُ([2])، كَانَ أَبُو خباب سَوَادِيًّا مِنْ كَسْكَرَ، فَسَبَاهُ قَوْمٌ مِنْ رَبِيعَةَ، وَحَمَلُوهُ إِلَى مَكَّةَ فَبَاعُوهُ مِنْ سِبَاعِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى الْخُزَاعِيِّ حَلِيفِ بَنِي زُهْرَةَ ([3])، وقيل إن خباب رجل من العرب من بني سعد بْن زَيْد مناة بْن تميم([4])، ويكنى أبا عبدالله نسبة إلى ابنه عبدالله بن خباب صاحب أمير المؤمنين (عليه السلام) وثقته([5])، وقيل إن خبابا كان يكنى أبا يحيى، وقيل: يكنى أبا محمد([6]).
وهو أول من أظهر إسلامه من الصحابة، وكان في الجاهلية قينا يعمل السيوف، بمكة، ولما أسلم استضعفه المشركون فعذبوه ليرجع عن دينه، فصبر، إلى أن كانت الهجرة([7])، فقد كان المسلمون في أول الدعوة الإسلامية ضعفاء، وقد تحملوا شتى أنواع العذاب من المشركين، ومن هؤلاء خباب بن الأرتِّ، فعندما جاء الأمر بإظهار الدعوة، جهر رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالإسلام، وتبعه بعض الصحابة، منهم: خباب، وصهيب، وبلال، وعمار، وسمية أم عمار، فأما رَسُول اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله) فمنعه اللَّه بعمه أَبِي طالب (رضوان الله عليه)، ولم يستطع أحد من التعرض إليه، وأما الآخرون فألبسوهم أدراع الحديد، ثم صهروهم في الشمس، فبلغ منهم الجهد ما شاء اللَّه أن يبلغ من حر الحديد والشمس، قال الشعبي: إن خبابا صبر ولم يعط الكفار ما سألوا، فجعلوا يلزقون ظهره بالرضف، حتى ذهب لحم متنه([8])، وفي هذا يظهر لنا صبره وإيمانه على ما تلقاه من أذىً من المشركين.
كان من المدافعين عن الإسلام وعن رسول الله (صلى الله عليه وآله) والمجاهدين في سبيل الله، فحين جهز النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) لمعركة بدر ترى خبابا من الأوائل الذين سلّوا سيوفهم ضد الشرك وأهله، فقد أجمعت الروايات على أن خبابًا شهد بدرا وأبلى فيها بلاءً حسنًا([9])، وشهد ما بعدها من المشاهد مع النبي صلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلهَ([10]).
كان خباب بن الأرت من أفذاذ أصحاب النّبي صلَّى الله عليه وآله المخلصين والحاملين لأسرار الشّريعة الإسلاميّة، ممّن تلمسوا الحقيقة بقلوبهم وبلغوا الدّرجة القصوى من اليقين بالنسبة إلى معالم الدّين، ومن الَّذين كانوا شهداء على النّاس وموازين للحق عند ظهور الخلاف، فكونه في صفّ أصحاب أمير المؤمنين (عليه السلام) مجاهدا معه في صفّين من الأدلَّة القاطعة على أنّ عليّ مع الحقّ والحقّ مع عليّ يدور معه أينما دار فمثله في أصحابه عليه السّلام مثل عمّار([11])، وذكر الكليني أنه شهد مع أمير المؤمنين عليه السلام صفين وتوفي بعد منصرفه منها، فصلى عليه أبو الحسن عليه السلام، ودفن بظهر الكوفة([12]).
وكان أمير المؤمنين (عليه السلام) إذا مرَّ بقبره يقول: رَحِمَ اللهُ خَبَّابًا، لَقَدْ أَسْلَمَ رَاغِبًا، وَهَاجَرَ طَائِعًا، وَعَاشَ مُجَاهِدًا، وَابْتُلِيَ فِي جِسْمِهِ أَحْوَالًا، وَلَنْ يُضَيِّعَ اللهُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا. ثُمَّ دَنَا مِنَ الْقُبُورِ فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ يَا أَهْلَ الدِّيَارِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ، أَنْتُمْ لَنَا سَلَفٌ فَارِطٌ، وَنَحْنُ لَكُمْ تَبَعٌ عَمَّا قَلِيلٍ لَاحِقٌ، اللهُمَّ اغْفِرْ لَنَا وَلَهُمْ، وَتَجَاوَزْ بِعَفْوِكَ عَنَّا وَعَنْهُمْ، طُوبَى لِمَنْ ذَكَرَ الْمِعَادَ وَعَمِلَ لِلْحِسَابِ وَقَنَعَ بِالْكَفَافِ، وَرَضِيَ عَنِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ([13]).
الهوامش:
([1]) الاستيعاب في معرفة الأصحاب: 2/ 438، وينظر: المستَخرجُ من كُتب النَّاس للتَّذكرة والمستطرف من أحوال الرِّجال للمعرفة: 1/ 134، وينظر: تلقيح فهوم أهل الأثر في عيون التاريخ والسير: 91.
([2]) الكامل في التاريخ: 1/ 665، وينظر: البداية والنهاية: 7/ 310.
([3])ينظر: الكامل في التاريخ: 1/ 665، وينظر: سبل الهدى والرشاد: 2/ 358.
([4]) الطبقات الكبرى: 6/ 93.
([5]) عبد الله بن خباب صحابي من ولاة أمير المؤمنين (عليه السلام) قتله الخوارج عندما مر بهم، عندما طلبوا منه أن يحدثهم عن أبيه عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) فحدثهم بحديث وصف به بغيهم، فقدموه إلى النهر وقطعوا رأسه، ثم بقروا بطن زوجته وقتلوها وجنينها، وقتلوا بعض النساء، فلما جاءهم أمير المؤمنين (عليه السلام) أراد منهم أن يسلموا القاتلين فقالوا كلنا قتل خبابا، فقاتلهم أمير المؤمنين (عليه السلام) على النهر حتى قضى عليهم فلم ينج منهم إلا القليل، في معركة سميت النهروان. ينظر: تاريخ بغداد: 1/ 571.
([6]) الاستيعاب في معرفة الأصحاب: 2/ 438.
([7])الأعلام، الزركلي الدمشقي: 2/ 301.
([8])ينظر: أسد الغابة في معرفة الصحابة: 2/ 147.
([9])ينظر: الاستيعاب في معرفة الأصحاب: 2/ 438، وينظر: تلقيح فهوم أهل الأثر في عيون التاريخ والسير: 91، وينظر: الكامل في التاريخ: 2/ 699، وينظر: البداية والنهاية: 7/ 310.
([10])الاستيعاب في معرفة الأصحاب: 2/ 438. الكامل في التاريخ: 2/ 699.
([11]) منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة، حبيب الله الهاشمي الخوئي: 21/ 82.
([12])الكليني والكافي: 46.
([13]) ينظر: المعجم الكبير، للطبراني: 4/ 56. وينظر: معرفة الصحابة: 2/ 908، وينظر: مرآة الزمان في تواريخ الأعيان: 6/ 304.
المصدر: http://inahj.org