الإمام حسن العسكري
– الامام الحادي عشر، ولد بالمدينة سنة ۲۳۱ من الهجرة، وتوفي ودفن بسامراء مع أبيه سنة ۲٦۰، وأمه أم ولد، وتسمى سوسن، وأقام مع أبيه ۲۳ سنة وأشهرا، وبعد أبيه خمس سنين وأشهرا.
– كنيته أبو محمد، ولقبه العسكري، لانه كان يسكن في سامراء بمحلة تعرف بالعسكر.
– أولاده: ليس له من الولد سوى محمد بن الحسن، وهو الحجة المنتظر من مناقبه:
قال الرواة: كانت أخلاقه كاخلاق جده رسول الله في هديه وسكونه وعفافه ونبله وكرمه، وكان على صغر سنة مقدما على العلماء والرؤساء، معظما عند سائر الناس. وقدمنا أن ما جرى لاول الائمة في الفضائل وصفات الكمال يجري لاخرهم، وانهم في ذلك سواء.
وسجنه الخليفة العباسي عند رجل يدعى صالح بن وصيف، فوكل به رجلين من الاشرار بقصد ايذائه والتضييق عليه، فاصبحا بمعاشرة الامام من الصلحاء الابرار، فقال لهما صالح: ويحكما ما شأنكما في هذا الرجل؟. قالا: ما نقول في رجل يصوم نهاره، ويقوم ليله كله، لا يتكلم ولا يتشاغل بغير العبادة، وإذا نظر الينا ارتعدت فرائصنا، ودخلنا ما لا نملكه من انفسنا.
اسير لا يملك حولا ولا قوة، ينظر إلى آسره فيرتعد خوفا وفزعا. ولا تفسير لذلك إلا هيبة الامامة، والا الرياسة الحقة التي تفرض نفسها على الناس اجمعين.
وهكذا من ينقطع إلى الله سبحانه تهابه الملوك والجبابرة، وقد جاء في الحديث
/ صفحة ۲٥۰ /
ان المؤمن يخشع له كل شئ، وان من يخاف الله يخاف منه كل شئ، حتى هوام الارض وسباعها وشيور السماء.
من تفسيره:
قال الامام العسكي في تفسير قوله تعالى: ” الذي جعل لكم الارض فراشا والسماء بناء وأنزل من السماء ماء فاخرج به من الثمرات رزقا لكم فلا تجعلوا الله اندادا وانتم تعلمون “:
ان معنى جعل الارض فراشا انها ملائمة لطباعكم، موافقة لاجسادكم، ولم يجعلها شديدة الحرارة فتحرقكم، ولا شديدة البرودة فتجمدكم، ولا قوية الريح قتصدع هامكم، ولا شديدة اللين كالماء فتغرقكم، ولا شديدة الصلابة فتمتنع عليكم في الحرث والبناء والحفر، ولكنه جعلها من المتانة ما نتنفعون به، وجعل فيها من اللين ماتنقاد لحرثكم وكثير من منافعكم.
أما معنى جعل السماء بناء فهو حفظها بالشمس والقمر والنجوم، وانتفاع الناس بها:
ثم أنزل المطر من علو ليبلغ الجبال والتلال والهضاب والوهاد، وفرقة رذاذا ووابلا وطلا، لتنتفع الاشجار والزرع والثمار، ثم رتب الله سبحانه على ذلك وحدانيته وقدرته، ونفي الانداد والامثال.
وقال في تفسير قوله سبحانه ” ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب الا أماني “:
ان الامي هو المنسوب الى امه، اي هو لا يعرف شيئا، تماما كما خرج من بطن أمه.
جعفر الكذاب:
كان للامام العسكري أخ يسمى جعفرا، وكان يكيد له ويدس عليه وعلى شيعته الدسائس عند الخلفاء، وقد لحق بالموالين الاذى والحبس والتشريد من وشايته وافتراءاته، وادعى الامامة بعد أخيه. ولذلك قيل له الكذاب.
وجاء جعفر هذا إلى الوزير ابن خاقان بعد أن قبض أخوه الامام، وقال له:
اجعل لي مرتبة أبي وأخي، واعطيك في كل سنة عشرين ألف دينار.
/ صفحة ۲٥۱ /
فنهره الوزير، وقال له: يا أحمق ان السلطان جرد سيفه وسوطه على الذين والوا أباك وأخاك، ليردهم عن ذلك، فلم يقدر، وجهد أن يزيل أباك وأخاك عن تلك المرتبة فلم يتهيا له، فان كنت عند شيعة أبيك وأخيك اماما فلا حاجة بك الى امام يرتبك مراتبهم، وإن لم تكن عندهم بهذه المرتبة لم تنلها، وان ساندك السلطان وغيره. ثم أمر الوزير أن يحجب عنه جعفر، ولا يؤذن له عليه بالدخول.
وصدق ابن خاقان، فان منصب الامامة والرياسة عند الشيعة لا يناط بارادة الحكام، ولا ينال بالشفاعات والوساطات، كما هو الشأن في تعيين المشيخات والقضاة والمفتين. إن الرياسة عند الامامية تعود إلى إرادة الله سبحانه، وثقة المؤمنين ووجدانهم واطمئنانهم لما يظهر لهم من دلائل الصدق وشواهد العدل، وهذا ميزة اختص بها الشيعة الامامية عن كثير من الطوائف وأصحاب المذاهب الذين يختار رؤساؤهم بمرسوم الدولة، اقول هذا، مع العلم بأني من هؤلاء الفضاة الذين تعينوا بمرسوم. ولكني أحمد الله سبحانه على لطفه وعنايته، حيث أوجد لي الظروف – من حيث أريد أولا أريد – التي سلختني كلية عن القضاء الرسمي، بحيث لم يكن لي من وظائفه وشؤونه سوى قبض الراتب كاملا، وأنا جالس في بيتي منقطع إلى الكتاب والقلم (۱).
ــــــــــــــــــــ
(۱) في سنة ۱۹٤۸ عينت قاضيا، وفي سنة ٤۹ مستشارا، وفي سنة ٥۱ رئيسا للمحكمة العليا، وبقيت في هذا المنصب الى سنة ٥٦، فصادف ان اقيمت عندي دعوى تخص كاظم الخليل، وكان يومئذ وزيرا، فصدر الحكم في غير صالحه، فطار صوابه وجن جنونه، كما ان عادل عسيران رغب في تعيين بعض الشيوخ قاضيا فرفضت، وكان يومها رئيسا لمجلس النواب، فتعاون رئيس النواب والوزير على الشيخ لابس العمة، وعملا على تنحيتي من الرياسة الى المستشارية، وذكرت ذلك مفصلا مع الشواهد في آخر كتاب ” الاسلام مع الحياة ” وكان في ذلك الخير كل الخير ولله الحمد، حيث انصرفت إلى التاليف، حتى أخرجت لي المطابع، حتى اول سنة ٦۳ اثنين وعشرين كتابا. (*)