التقدم الذي أحرزته المجتمعات الأخرى في مجالات حقوق الإنسان، لم يحدث بين عشية وضحاها، ولم يتحقق دفعة واحدة، ولم يأت بسهولة ويسر، لقد رزحت تلك الشعوب طويلا تحت وطأة استبداد الكنيسة الديني، وظلم الإقطاع السياسي، فانبعثت أفكار التحرر والاصلاح من رحم المعاناة الشديدة، واحتاجت مدى من الزمن، وركاما من الجهود والتضحيات، لتخضر بعدها غصون وثائق حقوق الإنسان، ولتؤتي ثمارها يانعة في ربوع تلك المجتمعات.
وحين تتطلع مجتمعاتنا إلى اللحاق بذلك الركب المتقدم، فإنها بحاجة إلى جهد مكثف، وعمل دؤوب، من أجل تحقيق ذلك التطلع، وفي تراثنا الاسلامي رصيد ضخم من القيم والمفاهيم والتعاليم، التي يمكننا الانطلاق منها بقوة واندفاع، في الوقت الذي نستفيد فيه من تجارب الشعوب والمجتمعات الأخرى، ونتلافى النواقص والثغرات التي نتجت من طبيعة أوضاعها وخصوصياتها. إننا بحاجة الى العمل من أجل حقوق الإنسان على ثلاثة أصعدة:
الأول: على صعيد القوانين والتشريعات: بأن تكون الأنظمة والسياسات المعتمدة منسجمة مع مواثيق حقوق الإنسان الإسلامية والعالمية، وأن يعاد النظر في أي واقع تنظيمي ينتهك شيئا من تلك الحقوق، أو يشكل ثغرة لانتهاكها. وهنا يأتي دور المجالس التشريعية، كمجالس الشورى، ومجالس النواب، والتي ينبغي أن تتعامل مع موضوع حقوق الإنسان كقضية أساس، وهدف أول، يلقي بظلاله على جميع التقنينات والتشريعات.
والمفكرون ودعاة الإصلاح في الأمة يجب أن يركزوا على أولوية حقوق الإنسان قبل أي شيء آخر.
والمنظمات والجمعيات الحقوقية عليها أن تهتم بملاحظة وملاحقة الأنظمة التقنينية والسياسات المتبعة، ومدى توافقها مع حقوق الإنسان، بدل أن تستغرق في قضايا ومسائل جزئية، هي انعكاس ونتائج لذلك الواقع التقنيني السياسي.
الثاني: على مستوى الأداء التنفيذي لأجهزة الدولة وموظفيها، لأن نسبة كبرى من انتهاكات حقوق الإنسان، تحدث نتيجة ممارسات خاطئة من بعض المسؤولين والموظفين في مؤسسات الدولة، ممن لا يراعون شرف الوظيفة، ويسيئون استغلال مواقعهم ومناصبهم، وقد يستفيدون من بعض الثغرات في القوانين والأنظمة، وهنا لابد من تفعيل مؤسسات الرقابة والتدقيق، وديوان المظالم، ووسائل الإعلام، لتشكل قوة ردع وضغط لحماية حقوق المواطنين.
ولسلبية المواطنين دور كبير في تكريس هذه الحالة، حين يسكتون عليها ويخضعون لها، بينما يجب عليهم أن يكشفوا هذه الحالات أمام ولاة الأمر.
إن شياع بعض الافكار السلبية يمنع سعي الكثيرين في الدفاع عن حقوقهم، وعرض ظلاماتهم، حيث يتصورون عدم جدوى المطالبة والتشكي، وأن الدولة تعرف عن كل ما يجري، وأن هذا الموظف ظهره قوي، وأن التظلم قد يزيد المشكلة تعقيدا، ويسبب ضررا جديدا.
في مقابل هذه الأفكار السلبية، يجب نشر ثقافة المسؤولية تجاه الوطن والدولة وحقوق الإنسان، فالمواطن الذي يعترض على الخطأ، ويرفع ظلامته، إنما يخدم مصلحة الدولة والوطن، ذلك أن سوء تصرف أي موظف لا يخدم الدولة بل يضرها ويسيء إليها.
إن البعض يكتفي باجترار الغبن، ويحترف نقد أجهزة الدولة في المجالس، دون أن يقوم بسعي إيجابي لمعالجة الخطأ، وتلك هي صفة السلبيين المتقاعسين عن مسؤولياتهم الدينية والوطنية.
الثالث: فيما يرتبط بالعلاقات الاجتماعية، فهناك خروق وانتهاكات فظيعة لحقوق الإنسان على المستوى الاجتماعي، في علاقات الناس مع بعضهم، ومن مظاهرها حالات العنف الأسري، في التعامل مع الأولاد والزوجات، حيث يمارس بعض الآباء سلطة وحشية على أبنائه، كما يتعدى بعض الأزواج على الحقوق الإنسانية والشرعية لزوجته، وكذا الحال في التعاطي مع الخدم والموظفين.
وفي العلاقة بين الفئات الاجتماعية يتطلب بذل جهود لحماية حقوق الإنسان على هذا الصعيدن، بنشر الوعي الاجتماعي، والتأكيد على مراعاة مصالح الآخرين واحترام مشاعرهم وخصوصياتهم. وتشكيل لجان ومؤسسات اجتماعية لإصلاح ذات البين، ومعالجة المشاكل والتجاوزات.
وقد تناول الفقيه الشيخ المنتظري في بحوثه الفقهية الجديدة عمومية النصوص الدينية التي تتحدث عن حقوق الإنسان، لكل بني البشر، وعدم اختصاصها بالمؤمنين أو المسلمين فقط.
فهو يناقش مثلا ما ذهب إليه أكثر الفقهاء، من أن: حرمة السب والغيبة، والتي تمثل انتهاكا للحقوق المعنوية خاصة بالمؤمن فقط، فيقول: إن ظلم الناس غير جائز بحكم العقل وبحكم الكتاب والسنة أيضا، نحن نعتقد أن القرآن إذ يقول: ﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ … ﴾ 1 فهو يقصد أن بني آدم مكرمون لأنهم بنو آدم. فحينما يقال حقوق الإنسان، معنى ذلك أن للإنسان شرفه وكرامته بما هو إنسان حتى لو كان كافرا، لأن الإنسان محترم بذاته عند الله وهذا صريح معنى الآية، ويقول علي في عهده لمالك الأشتر: «الناس صنفان: إما أخ لك في الدين، أونظير لك في الخلق» وبالتالي فإن للإنسان حرمته بما هو إنسان. إن السب حرام وعلى المؤمن أشد حرمة، ربما اعتبروا روايات تحريم السب خاصة بالمؤمنين لأن ذلك هوالقدر المتيقن. إن تشديد الروايات على المؤمن ربما كان لاثارة المشاعر، حيث يقال: إن هذا الشخص مؤمن ومقتضى ذلك أن بعض التهم لا تنطبق عليه.
وفي حرمة السب يمكن كذلك اعتماد الآية: ﴿ … وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ … ﴾ 2، وليس فيها قيد المؤمن والمسلم. يقول الله إنه يكره اختلاق الألقاب السيئة. ويقول ايضا: ﴿ … لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ … ﴾ 2ولا يقيد ذلك باعتناقهم الاسلام، لأن الله أراد أساسا أن تكون العلاقات الاجتماعية سليمة ولا يخاطب الناس بعضهم بعضا بالسوء، إنه حكم يشمل غير المسلمين أيضا. السب مذموم عند الله في نفسه، سواء كان ضد مؤمن أو ضد غير المؤمن3.
- 1. القران الكريم: سورة الإسراء (17)، الآية: 70، الصفحة: 289.
- 2. a. b. القران الكريم: سورة الحجرات (49)، الآية: 11، الصفحة: 516.
- 3. الشيخ حسن الصفار * صحيفة اليوم 22 / 6 / 2004م – 1:00 م