باسمه تعالى
قال الله تعالى في كتابه الكريم عن النبي محمد (ص):﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ … ﴾ 1.
وعن أمير المؤمنين (ع) “عاشروا الناس معاشرة إن غبتم حنوا إليكم، وإن فقدتم بكوا عليكم”.
وكل من الآية والرواية غيض من فيض لما ورد في مسألة حسن العشرة والصحبة مع كل أصناف الناس، وهو خلق حسن أدبنا عليه ديننا وشجعنا على التحلي به لما له من آثار إيجابية على كل من الفرد والمجتمع الإسلاميين، وله مدخلية محورية في حياتنا كمسلمين، وحتى في تعاملنا مع غير المسلمين، ولذا نجد فيما ورد عن أئمتنا سلام الله عليهم كم كانوا متسامحين مع أعدائهم ممن كانوا يتعرضون لهم بالأذى اللفظي كالسب والشتم، ومع هذا فإن سعة صدور الأئمة (ع) حولت أولئك الناس إلى أتباع لهم من خلال التغاضي والعفو عن إساءات المضلّلين وغيرهم.
وحسن العشرة مطلوب في كل الأمور، إلا أنه مطلوب بقوة في ثلاثة مواضع أساسية من حياتنا وهي:
- حسن العشرة مع الأدلاء على الله عز وجل: والمراد أن نبحث عن الأشخاص من ذوي المعشر الحسن الذين يرشدوننا ويعلموننا آداب التعامل مع الله في أفعالنا العبادية وفي كل أمورنا الدينية كقراءة القرآن أو الدعاء، ونأخذهم قدوة لنا وأسوة، كما ورد عن أمير المؤمنين (ع) (إنما سُمي الرفيق رفيقاً لأنه يرفقك على صلاح دينك، فمن أعانك على صلاح دينك فهو الرفيق)، وكذلك فإن تعمير القلوب بالإيمان والتقوى والصلاح وكثير من الفضائل الأخلاقية يأخذها المسلم من ذوي العقول الراجحة والواعية ولذا قال الأمير (ع) (عمارة القلوب في معاشرة ذوي العقول) أو (معاشرة ذوي الفضائل حياة القلوب).
- حسن العشرة مع الزوجة والأولاد: وذلك لأن الإنسان يقضي الكثير من أوقات فراغه في منزله مع زوجته وأولاده ولذا يجب عليه أن يكون حسن المعشر معهم لا سبعاً ضارياً ينتهز فرصة حصول خطأ من أحد أفراد عائلته لينهال عليه بالضرب أو الشتم أو التعنيف له بالكلام الجارح، ولذا ورد عن النبي (ص) (خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي)، فالعشرة السيئة ضمن المنزل الزوجي تدمر حياة الأسرة بكاملها وتجعل من حياتهم جحيماً لا يطاق، فتتمنى الزوجة والأولاد أن لا يكون الزوج موجوداً حتى ينعموا بالراحة والهدوء، ولذا قال أمير المؤمنين (ع) في وصيته لإبنه الإمام الحسن (ع) (لا يكن أهلك أشقى الخلق بك)، وعن الإمام الصادق (ع) يقول (إن المرء يحتاج في منزله وعياله إلى ثلاث خصال يتكلفها وإن لم يكن في طبعه ذلك: (معاشرة جميلة، وسعة بتقدير، وغيرة بتحصن).
- حسن العشرة مع سائر فئات المجتمع: وذلك لأن الإنسان مخلوق اجتماعي كما يقول الفلاسفة وعلماء الاجتماع، فعليه فلا يمكنه أن يعيش وحيداً، وإنما ضمن مجمع فيه فئات متنوعة من الناس، ولذا فالمطلوب من المسلم أن يحسن العشرة معهم سواء مع الأصدقاء أو رفقاء العمل أو زملاء الدراسة، أو الرفقة في السفر، وفي سائر الأحوال أن يكون الشخص لين العريكة، سهل المعشر، حلو اللسان، يتجاوز عن زلات الآخرين ولا يجعل منها مشكلة تؤدي به إلى الصدام والاختلاف مع الآخرين من سائر الناس، لأن هذا المعشر السلبي يؤدي إلى النفور وإلى العداوة والافتراق، وهذا لا يحبه الإسلام ولا يشجع عليه، ولذا نجد الأحاديث ترشدنا إلى حسن المعشر مثل (بحسن العشرة تأنس الرفاق) وعن الأمير (ع) (صَاحِب الإخوان بالإحسان، وتغمد ذنوبهم بالغفران) وعنه (ع) (إبذل لأخيك نصحك، ولمعارفك معونتك، ولكافة الناس بشرك) “الوجه البشوش”، ولذا نقول إن دوام الصحبة والمودة والصلة إنما تكون بالمعاشرة الحسنة مع الناس، فلنكن جميعاً على خطى أئمتنا وقبلهم على خطى نبينا الممدوح في القرآن بحسن الخلق وحلاوة المعشر.
والحمد لله رب العالمين2
- 1. القران الكريم: سورة آل عمران (3)، الآية: 159، الصفحة: 71.
- 2. نقلا عن موقع سبل السلام لسماحة الشيخ محمد التوفيق المقداد (حفظه الله).