قبل الخوض في الجانب الفقهي لما يحلّ أكله من الأسماك ولما يحرم منها، نشير إلى أنواع الأسماك في العالم. تنقسم الأسماك عموماً إلى مجموعتين رئيسيتين، سواء بحرية كانت أم نهرية:
المجموعة الأولى
وهي الأسماك الغضروفية التي يتكوّن هيكلها الداخلي من الغضاريف، وهذه المجموعة متمثلة بالكواسج وخفافيش البحر ومجموعة الأسماك عديمة الفكوك.
أ. الكواسج وكلاب البحر: أكبر هذه المجموعة الكوسج الأزرق، الذي يصل طوله في بعض الأحيان إلى ستة أمتار أو أكثر، ووزنه قرابة نصف طن. ويعتبر من أشرس الأسماك وأكثرها خطراً على الإنسان.
تلد الكواسج صغارها بدل وضع البيض الذي تحتفظ به في جوفها، فإذا تمّ فقس البيض تطرح الصغار إلى الخارج. تعمّر هذه الأسماك عموماً لفترات طويلة تصل إلى ثلاثين سنة، وتتواجد في جميع بحار العالم، وخاصة في البحار المفتوحة بالقرب من خط الاستواء. وهذه الأسماك ليس لها قشرة أو فلس.
ب. مجموعة خفافيش البحر: هي عديمة القشور، أفواهها سفلية الموقع، وهي مفلطحة الجسم، وعادة تكون أذنابها دقيقة جداً كأذناب الخفافيش أو الجرذان، كما أن لبعضها ذنباً دقيقاً كالسوط مزوّد بشوكة تسبب آلاماً مبرحة للامسها. ويصدر من بعضها صعقة كهربائية قد تصل إلى 500 فولت مثل سمك الطوربيد.
ومن هذه المجموعة على سبيل المثال: سمكة “شوكية الظهر”، التي يصل طولها إلى 1.2 م، وتمتاز بأسنان معقوفة إلى الخلف، ولها أشواك قوية، وسمكة “الورنك أو الشفن” التي تمتاز بطول ذنبها السوطي الشكل وجسمها على شكل المعين. وسمكة السكيت ذات الخطم المدبب.
وفي هذه المجموعة أسماك المانتا وتسمّى أحياناً سمك الشيطان، وهي أسماك عجيبة الشكل، عديمة الفلس، لها أجسام دائرية الشكل، وفي مقدمها زوائد كأنها أيدٍ تمدّها أمامها، وتسير بسرعة في أوساط البحار، فاتحة أفواهها الكبيرة لتلتقط الأسماك الصغيرة والروبيان؛ يصل طول هذه الأسماك في بعض الأحيان إلى خمسة أمتار، ووزنها قرابة طن أو أكثر، وتتواجد بكثرة في خليج عمان والبحار الاستوائية.
وهناك أيضاً سمك يدعى “بالري اللاسع”، يصل طول السمكة إلى 2.5م، ولها ذنب طويل كذنب الجرذ مزوّد بشوكة مدبّبة، ذات أسنان معقوفة فيها خطافات معكوسة، وهذه الشوكة مزوّدة أيضاً بغدّة سامة في قاعدتها. ولهذه السمكة زعنفتان كأجنحة الخفاش، ولذلك تسمّى أحياناً بخفافيش البحر، وأكثر تواجدها بالقرب من سواحل أفريقيا الغربية، وفي البحر الأبيض المتوسط، وهذه الأسماك من أخطر أنواع الأسماك السامة.
ج. مجموعة الأسماك عديمة الفكوك: هذه الأسماك ثعبانية الشكل، عديمة الفلس، لكل منها فم به ثقب مزوّد بأشواك وتمتص بواسطته دماء الأسماك الأخرى. يصل طولها إلى قرابة المتر، وتتواجد بكثرة في سواحل أوروبا الشمالية والدول الإسكندنافية وبريطانيا، كما تتواجد بكثرة في البحيرات العظمى لأميركا الشمالية.
إلى جانب هذه الأسماك هناك أسماك يصل طول كل منها إلى 42سم، وتتغذى على الجيف وأجسام الأسماك، أو على تلك التي في سكرات الموت، إذ تدخل في جسم السمكة الميتة من خلال فتحة تحدثها، وتبدأ بامتصاص كل المواد الغذائية والأجهزة الداخلية. فهذه الأسماك إذاً تتغذّى على جيف الحيوانات وعلى الميتة.
المجموعة الثانية
الأسماك العظمية ينتمي إليها حوالي 80 بالمئة من الأسماك بأنواعها، منها ما لها فلس (أي قشر) ومنها عديمة الفلس أو القشور.
فالمجموعة الأولى (الغضروفية) تتميّز كلها بأنها عديمة القشور، أو أنها تتغذّى على الجيفة والحيوانات الميتة، في حين أن المجموعة الثانية (العظمية) بعضها يتميّز بوجود فلس (أي قشر) وبعضها بدون فلس.
الأسماك المحللة للأكل
أمّا بالنسبة إلى ما يحلّ أكله من هذه الأسماك، فيكاد ينفرد فقه مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) عن بقية المذاهب الإسلامية الأخرى في مسألة حلّية أكل لحوم الأسماك التي لها فلس (أي قشور)، دون غيرها من بقية أسماك البحار والأنهار.
كما أنه لا يجوز تناول الأسماك التي تتغذى على الجيف وعلى قذارات الإنسان، بالإضافة إلى عدم جواز أكل الأسماك الطافية، كونها ميتة.
وقد اعتمد فقه أهل البيت (عليهم السلام) على الأحاديث الصحيحة المنقولة عن الأئمة الأطهار (عليهم السلام)، حول حلية أكل أنواع الأسماك وعدم حلية أنواع منها. فعن محمد بن مسلم قال: قرأني أبو جعفر (ع) شيئاً من كتاب علي (ع)، فإذا فيه “أنهاكم عن الجري والزمير والمارماهي والطافي والطحال”. في هذا الحديث أربعة أنواع لا يجوز أكلها من السمك: الجري والزمير والمارماهي كونها بدون فلس، إلاّ أن الزمير يعتبر من أهم الأسماك التي يستفاد منها للقضاء (بيولوجياً) على القواقع الناقلة لطفيليات البلهارسيا، وهو سمك صغير لا يتجاوز طوله 15سم، له زعانف جانبية يلسع بها ويسبب للامسه آلاماً حادّةً.
والجري يدعى بالإنجليزية “أسماك القط”، وهي أسماك عديمة الفلس، غريبة الشكل، مفلطحة الرأس من الأعلى إلى الأسفل، ذات لوامس طويلة جداً، كأنها شوارب، ولها ذنب مضغوط من الجانبين.
أما المارماهي فيبدو أنها تسمية فارسية قديمة معرّبة، وقد تطلق على أسماك “الجري” نفسها، و”مار” يعني “حية” و”ماهي” سمك، ومن المعروف أن أسماك الجري وشبيهاتها من أسماك الزمير وبقية الأنواع التي تعود إلى عائلة سمك القرش أو القط، فإن الباري عزّوجلّ قد خلقها بمنزلة منظفات ومزيلات للفضلات والأوساخ من البحار والأنهار، بما فيها فضلات الإنسان، فهذه الأسماك يصبح حكمها حكم الحيوان الجلال الذي يتناول كل يوم مواد قذرة فينمو لحمه، فهذا السمك سيكون بطبيعة الحال دوماً جلالاً، وهنا جاءت الحكمة الإلهية بتحريمه والنهي عنه.. أما النوع الرابع: الطافي، فهو الأسماك الميتة الطافية فوق سطح الماء، فحكمها حكم الميتة التي نص القرآن الكريم على تحريم أكلها إلاّ اضطراراً ﴿ إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ … ﴾ 1 (إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ) 2 [البقرة: 173، المائدة: 3، النحل: 115.
وعن سماعة عن أبي عبدالله (ع) قال: “لا تأكل الجريث ولا المارماهي ولا طافياً ولا طحالاً”.
فالجريث هي التسمية القديمة للجري، وفي هذين الحديثين نهيٌ عن أكل الطحال، كونه غدّة لمفاوية يتجمّع فيها معظم الطفيليات والخلايا الدموية البيضاء التي سبق أن حطمت الميكروبات التي دخلت الجسم، ويكون مصدراً لكثير من الأمراض.
وعن حبابة الوالبية قالت: رأيت أمير المؤمنين (ع) في شرطة الخميس ومعه درّة لها سبابتان يضرب بها بائعي الجري والمارماهي والزمار…
وعن حنان بن سدير قال: سأل العلاء بن كامل أبا عبدالله الإمام الصادق (ع) وأنا حاضر عن الجري، فقال (ع): ((وجدنا في كتاب علي (ع) أسماء من السمك محرمة، فلا تقربه))، ثم قال أبوعبدالله (ع): ((ما لم يكن له قشر من السمك فلا تقربه)).
وعن ثابت الثمالي عن حبابة الوالبية قال: سمعت مولاي أمير المؤمنين (ع) يقول: ((إنّا أهل بيت لا نشرب المسكر ولا نأكل الجري ولا نمسح على الخفين، فمن كان من شيعتنا فليقتدِ بنا وليستنّ بسنّتن)). وإذا عدنا إلى مراجعنا لوجدنا أنهم اعتمدوا في فتاويهم بخصوص حلية أكل السمك وحرمته، على الأحاديث الصحيحة الواردة على لسان أهل البيت (ع). فعلى سبيل المثال، نجد أن المرجع الراحل الإمام الخوئي (قده) ذكر في كتابه “منهاج الصالحين”، بعضاً من الأسماك والحيوانات البرمائية التي لا يجوز أكلها، كما أنه حدّد المواصفات الخاصة للأسماك التي يجوز أكلها، فيقول في مسألة “1678”: “لا يؤكل من حيوان البحر إلاّ سمك له فلس، (أي قشور)، وإذا شك في وجود الفلس بنى على حرمته، ويحرم الميت الطافي على وجه الماء، والجلال منه، (أي التي قد تناولت فضلات الإنسان وقذارته)، حتى يزول الجلل منه عرفاً، ويحرم الجري والمارماهي والزمير والسلحفاة والضفدع والسرطان، ولا بأس بالكنعت والربيشا والطمر والطيراني والأبلامي والأربيان”.
من هذه الفتوى نفهم أنه يحرّم أكل الأسماك التي ليس لديها قشور، وإذا شك الشخص بوجود القشور أو عدمها، فيجب ألا يتناولها، ويبني على كونها عديمة القشور، كما يحرم عليه تناول الأسماك الطافية فوق سطح الماء باعتبارها ميتة. أما الجلال فهي الأسماك التي صادفت أن أكلت من فضلات الإنسان، فهذه يحرم أكلها حتى يزول الجلل منها، ولكل حيوان يُحلّ أكله ـ بما فيها الأسماك ـ فترة محدودة يزول الجلل، قد تستغرق أربعين يوماً أو أكثر حسب نوع الحيوان، ثم يجوز أكله بعد ذلك. ثم تعدّد الفتوى بعض الأسماك التي يحرم أكلها بالإضافة إلى الحيوانات البرمائية، كالضفدع والسلحفاة، وتذكر السرطان الذي يشبه إلى حد كبير مجموعة الحشرات، ومجموعة القشريات، وهو يتناول الجيف والفضلات، وقد يكون التحريم قد جاء من هذا الباب، في حين أن الروبيان ينتمي إلى مجموعة القشريات إلاّ أنه يحلّ أكله نظراً لاختلافه عن السرطان في المأكل والمشرب. والروبيان يتكاثر بشكل كبير، وإنتاج العالم منه يعدّ بملايين الأطنان، وأكثر ما ينتشر في بحار نصف الكرة الجنوبي، وخاصة قرب القطب الجنوبي، والمعروف أن صغار الحيتان تتغذى على الروبيان، (وبالمناسبة، إن الحيتان ليست أسماكاً، وإنما هي حيوانات لبونة لا يجوز أكلها، علماً أن كثيراً من الناس يخلطون في التسمية بين الأسماك والحيتان).
أما المرجع الراحل الإمام الخميني (قده) فيؤكد على حرمة تناول حيوان البحر مستثنياً الأسماك ذات القشور، فيقول: “لا يؤكل من حيوان البحر إلاّ السمك والطير في الجملة، فيحرم غيره من أنواع حيوانه حتى ما يؤكل مثيله في البر كالبقر على الأقوى”. هنا يؤكد الإمام (قده) على حرمة حيوانات البحر ويعطي مثالاً عليها “بقر البحر”، فحتى لو حلّل أكل بقر البر فإنه على الأقوى يحرم أكل بقر البحر.
ثمّ يقول: “لا يؤكل من السمك إلاّ ما كان له فلس وقشور بالأصل، وإن لم تبقَ وزالت بالعارض، كالكنعت…” فالكنعت نوع من سمك له فلس ولكنه يذهب بالاحتكاك، فهذا وأمثاله من السمك حلال لأن المقياس كونه ذا فلس بطبيعته، لا وجود الفلس فعلاً عند اصطياده 3.
وإليك عزيزي القارئ قائمة بأسماء عدد من الأسماك ذوات الفلس التي يجوز أكلها:
- سردين (Sardine).
- البلشار (نوع يشبه السردين) (Pilchard).
- نازلي (Coal Fish).
- شبّوط (Carp).
- بوري / بيّاح (أكثر من مئة نوع) (Mugil – Grey Mulet).
- تُن / تون / طون (Tunny, Tuna).
- تون أبيض/ طون أبيض/ كنعد / كعند (White Tunny-Fish).
- سمك سليمان / سلمون (Salmon).
- تَروتة / أطروط (Trout).
- سمك موسى (Sole).
- رنكة (Herring).
- سمك الفرخ (Perch).
- غادُس / غُدس / غَيدس / مورة (Cod-codfish).
- غادُس أسمر (Cod).
- راقود (Flathad).
- قاروس / قروس (Sea Bass).
- لخ / گبيت (Loach Pond).
- صَنْدر (Pike-Perch).
- سمك البنفسج (Smelt).
- عَتوم (Grayling).
- شابل (Shad Allice).
- حُسْرُم / حُمرور / أبو عين (Bigeye Catalufa).
- كمهة (Tench).
- بُنّي / بَربيس (Barbel-Barbus).
- برعان أحمر (Rudd).
- قنومة (Bitterling).
- سمكة بيضاء (Bleak-Rain).
- سمكة بيضاء (نوع ثانٍ) (Bleak-Stream).
- سمكة بيضاء (نوع آخر) (Bleak).
- برعان (دانوبي) (Danube Roach)، (Carp Sabre)، (Zope).
- رَبَاك (Gilt-Head).
- سمك التّرس (Flounder).
- سمك البَريل (Brill).
- مُطوّقة / أم حَسْرَد.
- فرخ غجومي (Pope-Ruffe)، (Common Nose).
- فرخ أسود (Black-Bass).
- فاندوازة (Dace).
- فُجاج (Porgy).
- برعان (Roach)، (Zaerthe).
- سمك الأرجوان (Ide).
- فيرون (Minnow).
- سمك الطحّان (Chub).
- إسفمري / طراخور (Maquerel Macherel).
- أبراميس / براميس (Abramis-Bream).
- فرّيدي (Red Porgy Braise-Braize).
- سرغوس (Sargo-Sargue).
- 1. القران الكريم: سورة البقرة (2)، الآية: 173، الصفحة: 26.
- 2. …
- 3. شبكة الامامين الحسنين عليهما السلام للتراث و الفکر الإسلامي.