تتباين الرؤية والنظرة إلى الأشياء الحديثة أو القديمة بين جيل اليوم وجيل الأمس، فبينما يميل جيل الشباب إلى الأشياء الحديثة، ويرغب فيها، ويتمسك بها، وينظر إليها بإيجابية. يميل جيل الشيوخ إلى الأشياء القديمة والمألوفة والمتعارف عليها باعتبارها تمثل الأساس للبناء الاجتماعي السليم.
وفي حين يرغب الشباب في الأعمال الحديثة، ويبحث عن الأفكار الجديدة، ويعشق الأساليب العصرية؛ ولذلك كله تراهم ينجذبون إلى الأفكار الحديثة والخلاقة والمبدعة، ويتداولون الرأي برغبة وشوق في شؤون الحياة المعاصرة، ويرغبون في العمل في المجالات ذات الطابع الحديث؛ بينما ينفرون -في الأغلب- من الاستماع إلى الأفكار القديمة، والمواضيع المكررة، ويسخرون من الذين يتمسكون بالماضي ويقدسونه. أما جيل الشيوخ فهم يرون في ذلك خروجاً على المنهج الصحيح، وابتعاداً عن الفكر الأصيل، وتأثراً بمظاهر المدنية الحديثة.
ولتجاوز هذه الإشكالية يجب البحث في صوابية الأفكار والثقافات والممارسات العملية بغض النظر عما إذا كانت قديمة أو حديثة؛ إذ ليس كل قديم سيئ، كما أنه ليس كل جديد وحديث حسن وصحيح. والعكس صحيح أيضاً؛ أي ليس كل جديد وحديث سيئ، ولا كل قديم وماضوي حسن. والمطلوب غربلة الأفكار والثقافات والممارسات، والبحث عن صوابيتها، ومن ثم توجيه الشباب إلى الأخذ بالأفكار النظرية الصحيحة، والأعمال التطبيقية السليمة. فالمهم هو البحث عن الحقيقة والوصول إليها، بَيْدَ أنه في النهاية لن يصح إلا الصحيح.
ومن جهة أخرى يجب فهم الزمان والمكان، ومن ثم المواءمة والتكيف مع متغيرات ومستجدات الزمان والمكان. ومن الخطأ أن نعيش الماضي في الحاضر، كما أن من الخطأ نسيان الماضي ودفنه؛ والصحيح هو أن نعيش الحاضر، ونستفيد من الماضي، ونستشرف المستقبل.
ولابد أن نعطي للأجيال الشابة مساحة واسعة من أجل التكيف مع متطلبات الزمان والمكان بما لا يتنافى مع قيم الدين وأخلاقياته. إذ أن البشرية في تقدم مستمر، وقد قطعت في السنوات الأخيرة من التطور والتقدم ما لم تنجزه في قرون متطاولة من الزمن. وهذا ما سبب العديد من التحولات والتبدلات والتغيرات في حياتنا المعاصرة مما لا يخفى على كل من يعيش عصره وزمانه.
ولا يمكن لنا أن نتطور ونتقدم من دون أن نتكيف مع التطور الصحيح للعلم، ونستفيد من منجزات العصر ومزاياه المفيدة والنافعة، مع اجتناب الأشياء الضارة في المدنية الحديثة، وخصوصاً ما يتعارض مع الدين والأخلاق والمثل الإنسانية العليا.
ومعرفة الزمان شرط من شروط التقدم العلمي، والصمود الحضاري، والتنبؤ بالأحداث، يقول الإمام علي ( عليه السلام ): “أعرف الناس بالزمان، من لم يتعجب من أحداثه” ويقول الإمام الصادق ( عليه السلام ): “العالم بزمانه لا تهجم عليه اللوابس” ومعرفة الزمان يعني الإلمام بكل جوانب الحياة المعاصرة من اقتصاد وسياسة واجتماع وثقافة وتكنولوجيا وغيرها من العلوم المؤثرة في صناعة حياتنا المعاصرة. كما أنه من المهم الاستعداد لمواجهة التحديات والمخاطر التي تفرضها متغيرات ومستجدات الزمان والمكان، وهذا يعني إعداد جيل الشباب بصورة يكون فيها قادراً على مواجهة تحديات العصر، ومؤهلاً للتعامل مع التقنية الحديثة، ولديه القدرة على توظيف المنجزات العلمية فيما يخدم الدين والوطن والأمة والحضارة1.
- 1. الشيخ عبدالله اليوسف – 12 / 11 / 2010م – 7:57 م