هو حُجْر بْنُ عَدِيّ بن معاوية بن جَبَلة بن عَدِيّ الكِندي 1 الكُوفي 2، و الذي يُعرف بحُجْر الخير 3، و بحُجْر بن الأدبر 4، و يُكنَّى بـأبي عبد الرحمن.
و كان حجر من فضلاء صحابة رسول الله صلى الله عليه و آله, و كان رجلاً شريفاً شجاعاً أمَّاراً بالمعروف، و هو أحد أعلام الشيعة الموالين للامام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام و لأهل البيت عليهم السلام، و أحد أبرز شهدائهم الذين بذلوا أرواحهم الطاهرة من أجل هذا الولاء الصادق و المتميز.
قال الشيخ الطوسي رحمه الله: “حجر بن عدي الكندي كان من الأبدال 5” 6.
اسلام حجر و صحبته لرسول الله
أسلمَ حُجْرٌ و هو صغير السِن، ثم وفد مع أخيه هَانِي بن عَدِيّ على النبي صلى الله عليه و آله في آخر حياته، فحسُن اسلامه و صار من أعيان صحابة رسول الله و فضلائهم، فلمع نجمه لصلابة إيمانه و لمواقفه و بطولاته المتميزة في نصرة الحق.
و هو من الذين شَهِد لهم النبي صلى الله عليه وآله بأنَّهم عصابة من المؤمنين، حيث كان أحد النفر الذين شاركوا في دفن أبي ذر الغفاري (رضوان الله عليه) في الربذة، و قد كان صلى الله عليه و آله قد أخبر بأن عصابة من المؤمنين سيتولَّون دفن أبي ذر، فكان ممن شملهم شهادة النبي صلى الله عليه و آله بالايمان.
و نظراً لأدواره الكبيرة في الجهاد و نصرة الإسلام منذ صغر سنه و حتى آخر لحظة من حياته فقد صار موضع إهتمام كبار المؤرخين و الرجاليين فشهدوا له بالعلم و الفضيلة و الجهاد، و الاجتهاد في العبادة و الزهد، فوصفوه بأوصاف متميزة تبيِّن جانباً من مكانته الرفيعة.
قال ابن عبد البرّ: “كان من فضلاء الصحابة” 7.
و أيضاً قال إبن الأثير: “كان من فضلاء الصحابة” 8.
و قال فيه إبن الأثير أيضاً: ” … و كان من أعيان أصحابه” 9.
و قال أحمد بن حنبل: “قلت ليحيى بن سليمان: أَ بلَغك أنّ حُجراً كان مستجاب الدعوة؟
قال: نعم، و كان من أفاضل أصحاب النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم” 10.
زهد حجر و عبادته المتميزة
و من الجوانب البارزة في شخصية حجر بن عدي جانب العبادة و الزهد و الاهتمام بالصلاة و الصيام، فقد ذكره المؤرخون و من ترجم له بأوصاف تُخبر عن شدة ورعه و تقواه و اجتهاده في التعبد إلى الله عَزَّ و جَلَّ، و قد وصفه بعضهم بقوله: “هو راهب أصحاب محمّد” 11.
و قال عنه إبن كثير و هو يذكر زهده و عبادته: “… و كان هذا الرجل من عُبّاد الناس و زُهّادهم، و كان بارّاً بأُمّه، و كان كثير الصلاة و الصيام…” 12.
و قال عنه أيضاً: “ما أحدَثَ قَطُّ إلاّ توضّأ، و لا توضّأ إلاّ صلّى ركعتين” 13.
و قال الذهبي: “كان شريفاً، أميراً مطاعاً، أمّاراً بالمعروف، مقدِماً على الإنكار، من شيعة عليّ رضي اللّه عنهما، شهد صِفّين أميراً، و كان ذا صلاح و تعبُّد” 14.
حياته الجهادية
حياة حجر بن عدي حافلة بأدوار جهادية متميزة و مواقف بطولية رائعة، فقد كان قائداً عسكرياً في فتح الشام، و تولى قيادة الفرقة العسكرية التي فتحت منطقة مرج عذراء 15، فكان أول مسلم يدخل هذه المنطقة و يصلي فيها، و شهد القادسية 16 و الجمل 17 و صفين 18 و النهروان 19.
قال إبن حجر: “شهد القادسية، و إنّه شهد بعد ذلك الجمل و صِفّين” 20.
و قال إبن عبد البرّ: ” و كان على كندة يوم صِفّين، و كان على الميسرة يوم النهروان” 7.
و قال ابن الأثير: “كان على كندة بصِفّين، و على الميسرة يوم النهروان، و شهد الجمل أيضاً مع عليّ” 8.
ولاء حجر للامام علي
عُرف حجر بن عدي بولائه الشديد للامام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السَّلام) فصحبه و تربى على يديه و شهد كافة المعارك التي دارت بين الامام علي و بين الناكثين و القاسطين و المارقين فكان له دور قيادي و مؤثر.
قال ابن حجر: “شهد القادسية، و إنّه شهد بعد ذلك الجمل و صِفّين، و صحب عليّاً فكان من شيعته، و قُتل بمرج عذراء بأمر معاوية” 20.
و قال الذهبي: “كان شريفاً، أميراً مطاعاً، أمّاراً بالمعروف، مقدِماً على الإنكار، من شيعة عليّ رضي اللّه عنهما، شهد صِفّين أميراً، و كان ذا صلاح وتعبُّد” 14.
و قال ابن سعد: “كان ثقة معروفاً، و لم يرو عن غير عليّ شيئاً” 21.
قال الحاكم: «قُتل في موالاة عليّ» 22.
حجر بن عدي قتيل الولاء
كان حُجْر بن عدي رحمه الله متميزاً في ولائه للإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السَّلام) الأمر الذي كلَّفه الكثير، و تسبب له الكثير من المضايقات حتى قتله معاوية بن أبي سفيان صبراً هو و أصحابه بمرج عَذْرَاءَ 23، و قد كان علي (عليه السَّلام) قد تنبأ بذلك و أخبره به.
- 1. الكندي: نسبة إلى قبيلته كندة المعروفة.
- 2. الكوفي: نسبة إلى محل إقامته لأنه كان يسكن الكوفة.
- 3. يُعرف بحجر الخير، و بحجر بن الأدبر تمييزاً له من ابن عمه حجر بن يزيد الموصوف بحجر الشر الذي كان من أنصار معاوية في صفين و من المتعاونين معه ضد إبن عمه حجر بن عدي.
- 4. قال ابن حبان: حُجر بن عدي الكندي, و اسم عدي هو الأدبر, و هو الذي يقال له حجر بن الأدبر. أنظر: مشاهير علماء الأمصار رقم: 648، الصفحة: 114 طبعة دار الكتب العلمية، و قيل إنما سمي الأدبر لأنه ضُرب بالسيف على ألْيته موليًا فسمي بها الأدبر.
- 5. الأبدال: جَمْعُ بَدَلْ وَ بَدِيل، و هم الزُّهاد، و العُبَّاد، و الأولياء المخلصين للّه، و لقد ذُكرت مفردة “الأبدال” في الأخبار و الأحاديث الشريفة في مواضع مختلفة، لكن رغم إختلاف مواردها فقد جاءت كلها في مقام المدح و الثناء، بحيث يظهر منها أن الأبدال هم أناسٌ يمتازون عن غيرهم بالصلاح و الدرجة الإيمانية العالية و الرفيعة.
و في علم الرجال يُعتبر عَدُّ الراوي من الأبدال مَدحاً من الدرجة العليا يصل إلى درجة التوثيق.
و لعل الصواب في معنى الأبدال هو أن لهذه المفردة معناً عاماً يُراد به الصفوة الإيمانية و النخبة المتميزة في كل عصر، و هذا المعنى العام يكون له مصاديق متعددة، و أبرز هذه المصاديق هم الأئمة المعصومون عليهم السلام، ثم الخواص من أصحابهم، ثم المؤمنين الخُلَّص. - 6. الرجال: 61، للشيخ أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي، المولود بخراسان سنة: 385 هجرية، و المتوفي بالنجف الأشرف سنة: 460 هجرية، مؤسسة النشر الاسلامي التابعة لجامعة المدرسين، الطعبة الثالثة، سنة : 1373 شمسية، قم / ايران.
- 7. a. b. الاستيعاب: 1 / 329 رقم 487.
- 8. a. b. أُسد الغابة: 1 / 461 رقم 1093.
- 9. المصدر السابق.
- 10. الاستيعاب: 1 / 331.
- 11. المستدرك على الصحيحين: 3 / 531 كتاب معرفة الصحابة.
- 12. البداية والنهاية: 8 / 41 حوادث سنة 51 هـ .
- 13. المصدر السابق، و قد نقلنا كلام كل من إبن الأثير و إبن كثير من كتاب تلخيص من هم قتلة الحسين عليه السلام، للعلامة المحقق السيد علي الميلاني.
- 14. a. b. سير أعلام النبلاء: 3 / 463 رقم 95.
- 15. مرج عذراء: المرج: المرتع و الأرض الواسعة ذات النبات الكثير التي تمرج فيها الدواب، أي تسرح فيها كيف تشاء. (أنظر: مجمع البحرين: 2/329).
و عذراء إسم لمنطقة يُنسب المرج إليها، و هي تقع في غوطة الشام على بعد أميال (25)كيلومتراً من دمشق، و قد فُتحت على يد حُجْر و بقيادته، و قُتل (رضوان الله عليه) بها هو و أصحابه صبراً بأمر معاوية بن أبي سفيان و دفنوا بها. - 16. القادسية: إسم لمنطقة دارت عليها معركة القادسية في 13 شعبان سنة 15 هجرية.
- 17. الجمل: إسم لمعركة وقعت في البصرة سنة 36 هجرية بين المتمردين على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام و هم طلحة و الزبير و عائشة، و سُميت هذه المعركة بالجمل لأن عائشة كانت تركب جملاً في هذه المعركة.
- 18. صفين: إسم لمنطقة تقع بين الشام و العراق دارت عليها معركة بين جيش أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام و بين جيش معاوية بن أبي سفيان الذي كان يرأس الفئة الباغية.
و رغم أن الإمام علي عليه السلام سعى لمعالجة الأمور بالحوار و الوسائل السلمية، فبعث أوّلاً بوفد ثلاثي إلى معاوية يذكّره الله، و يدعوه إلى التقوى و الورع، لكن المساعي لم تفلح و كان جواب معاوية: ليس عندي إلاّ السيف فنشبت المعركة.
و مما تجدر الإشارة اليه أنه كان إلى جانب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام ثلة من الصحابة الاجلاء قوامها مئة مقاتل ممّن قاتل مع رسول الله(صلى الله عليه وآله) في معركة بدر الكبرى، كعمّار بن ياسر، و حزيمة بن ثابت، و سعد بن قيس، و عبد الله بن عباس و غيرهم.
بدأت المعركة في الاول من شهر صفر سنة 37 هجرية، و قُتل من الطرفين خلال المعركة (70) ألف رجلاً، فمن أصحاب معاوية من أهل الشام (45) ألف رجلاً، و من أصحاب الإمام علي(عليه السلام) من أهل العراق (25) ألف شهيداً.
و من أبرز وقائعها مقتل الصحابي الجليل عمار بن ياسر على يد جيش معاوية، و قد كان النبي (صلى الله عليه و آله) أخبره قائلاً: “يا عمار تقتك الفئة الباغية” و هو الكلام الفصل الذي بيَّن أن الفئة الباغية هي جيش الشام التي قتلت عماراً.
و من الوقائع المهمة أيضاً في هذه المعركة حصول خدعة رفع المصاحف، و فتنة التحكيم. - 19. النهروان: إسم لمعركة وقعت سنة 38 هجرية.
- 20. a. b. الإصابة: 2 / 37 رقم 1631.
- 21. الطبقات الكبرى: 6 / 244 رقم 2212.
- 22. المستدرك على الصحيحين: 3 / 534 ح 5983.
- 23. مرج عذراء: المرج: المرتع و الأرض الواسعة ذات النبات الكثير التي تمرج فيها الدواب، أي تسرح فيها كيف تشاء. (أنظر: مجمع البحرين: 2/329).
و عذراء إسم لمنطقة يُنسب المرج إليها، و هي تقع في غوطة الشام على بعد أميال (25)كيلومتراً من دمشق، و قد فُتحت على يد حُجْر و بقيادته.